في هذه المرحلة التي تمر بها ثورة الشام، وهي تتلمس طريقها لاستعادة قرارها المسلوب، يجد الساعون في هذا الطريق كثيراً من العقبات، وبعضاً من الصخور المعترضة، فكان لا بد أن نحسن التعامل معها لتجاوزها أو إزالتها، لنكمل المسير على خطا ثابتة، ضمن رؤية واضحة حتى نحقق ثوابتنا وأهدافنا.
ولعل من أهم تلك العقبات التي تزرع اليأس القاتل وتكبل الحركة، ما يستقر في أذهان كثير من الناس أنهم إذا لم يكونوا على أتقى قلب رجل واحد، فلن يكون هناك تغيير، بل إن البعض يمتنع عن مواصلة جهوده واستكمال سيره لأنه يرى أن الكثير من الناس قد انحرف عن الطريق، وينسى هؤلاء أن التنكب عن السير هو أحد أشكال الانحراف عن الطريق.
وبادئ ذي بدء لا بد أن ندرك أن لفظ "الناس" في أساليب العربية يطلق ويراد به كل البشر، ويطلق أيضاً ويراد به أمّة من الأمم بمجموعها، كما يطلق ويراد به فئة من المجتمع دون غيرها، انظر قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ﴾ فتجد أن الآية تتحدث عن فئة من المجتمع تخوّف المؤمنين بفئة أخرى قد جمعت أمرها وحشدت قواها لحربهم.
كانت هذه المقدمة البسيطة لتبيان أن ما يشكل في أذهان البعض حول ضرورة تحرّك الناس واستعادة قرارهم، وحزم أمرهم، وترتيب صفوفهم، ليس المقصود من هذا الخطاب كل الناس، بل المقصود والمستهدف منه هو الفئة الفاعلة في المجتمع، الفئة الصالحة التي ترفض الفساد وأشكاله ورموزه، هذه الفئة التي ندعوها ونؤكد عليها أن تتحول إلى فئة مُصلحة تسعى للتغيير الحقيقي.
انظر إلى قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ فكيف يستقيم أن يكون كل أهلها مصلحين، فإن كونهم مصلحين يقتضي أن يكون هناك فئة منهم مفسدين، كيف لا ونحن نقرأ عن أرقى مجتمع عرفته البشرية وهو المجتمع الذي بناه رسول الله ﷺ في المدينة المنورة، فوُجد فيه المنافقون الذين كانوا الفئة المفسدة في المجتمع، إلا أن الفئة المصلحة كانت لها السيادة، فكانت لهم بالمرصاد، كلما أرادوا فتنة أو أذية منعوهم منها، حتى لو كانت بلبوس الإسلام، كما حصل في هدم مسجد الضرار الذي حاول المنافقون بناءه ابتغاء الفتنة.
وهذا التوصيف ينطبق على مجتمعاتنا في البلاد الإسلامية اليوم، إلا أن الفئة المفسدة قد تسلطت على الناس، وسلبت قرار الأمة، وتقتات على نهب خيراتها، وتقمع كل محاولات الإصلاح والتغيير، ونجد أن هذا التوصيف باتت معالمه تتضح في ثورة الشام، حيث إن أهل الثورة هم المعنيون باستعادة قرارهم، وعليهم يقع عبء التغيير، فعليهم أن لا ينتظروا أن يستجيب لهم القادة المرتبطون، بل يجب أن يرسموا مسارهم بعيداً عنهم، وليعلموا أن المطلوب لحصول النصر هو اعتصامهم هم بحبل الله، وليس اجتماع الفاسد والمصلح على صيغة مشتركة، فهذا ما كان يروق لقريش عندما عرضت على رسول الله ﷺ أن تعبد إلهه عاماً ويعبد آلهتهم عاماً، وذلك كحل مشترك واجتماع على حل وسط، فما كان من رسول الله ﷺ إلا أن يفاصلهم في هذا، فنزل قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾.
وإن سير الفئة المصلحة في الأمة نحو إسقاط الفئة المفسدة، يجب أن يكون سيراً على خطا رسول الله ﷺ، ويجب اتباع الطريقة التي استخدمها ﷺ والالتزام بها تمام الالتزام، فالمواجهة مع الباطل والمفاصلة مع المفسدين يجب أن تكون نبراس مبتغي العزة، لأن قيامهم بواجب التغيير هو الذي يرفع الإثم عنهم ويحقق الفوز والفلاح لهم ولباقي الأمة، وإن التنكب والتقاعس تحت مبررات وجود الفساد وانتشاره، ما هو إلا وسوسة الشياطين، وإلا فإن عذاب الله آت على الساكتين الخانعين، ففي صحيح الترمذي من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ».
رأيك في الموضوع