من المعلوم أن السودان يعيش فراغاً سياسياً كبيراً، لهذا فلا غرابة أن نسمع بين الفينة والأخرى، تقديم مبادرات وطرح دساتير، زاعمين أنها هي المخرج من هذه الأزمات، فقد أوردت قناة العربية خبرا جاء فيه: "قال الناطق الرسمي لنداء أهل السودان للوفاق الوطني هشام الشواني إن النداء سيطرح مقترح دستور انتقالي عبر مؤتمر صحفي قريباً، داعيا كافة السودانيين للتفاعل معه والمناقشة والتعديل، للوصول إلى قدر كبير ومعقول من التوافق".
وقبل شهر أو أكثر طرحت نقابة المحامين دستوراً، وقبلها كانت مبادرة الشيخ الطيب الجد، وقبلهما طرح رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان وعضو مجلس السيادة الانتقالي، مالك عقار، مبادرة للتوفيق بين المكون العسكري والقوى السياسية المدنية والتوصل إلى اتفاق حول تشكيل حكومة مدنية، وتحديد الصلاحيات والمهام بين أجهزة الدولة المختلفة. وطرح عقار مبادرته على أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين بالسودان، وطلب منهم دعمها للمضي بها قدماً حتى تسهم في معالجة المشكلة السياسية التي ظل يعاني منها السودان منذ الاستقلال.
وفي 18/1/2022م أورد موقع الأناضول: "يشهد السودان تحركات إقليمية ودولية مع استمرار الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد ودخلت شهرها الثالث. وطرحت 6 مبادرات على رأسها المبادرة الأممية، بالإضافة إلى مبادرة الهيئة الحكومية "إيغاد" ومبادرة الاتحاد الأفريقي وأخرى من جنوب السودان".
ومحليا، برزت مبادرتان مؤخرا، هما خريطة طريق من حزب الأمة القومي، ومبادرة مدراء جامعات سودانية.
وأورد أيضا موقع الأناضول في 12/8/2022 تقريرا بعنوان "أزمة السودان.. مبادرات حاضرة وحلول غائبة"، ويكفي من التقرير عنوان لفشل تلك المبادرات والدساتير والحلول، فأصبح السودان كأنه فأر للتجارب في ظل وجود سياسيين وحكام علمانيين يتخبطون يمنة ويسرة ويجربون المجرب الذي ما زاد الناس إلا ضنكا وشقاء وذلة كنتاج طبيعي لاتباع نهج الكفار المستعمرين الذين تفننوا في نشر العلمانية وجعلها من الثوابت في أي دستور عند هؤلاء العلمانيين الجدد.
ففي فترة الستينات بدأ مسلسل تغيير وجوه الاستعمار - بعد أن تعرض لحملة عالمية عليه قادها الاتحاد السوفيتي آنذاك بعد الحرب العالمية الثانية - فبدأ مسلسل الاستقلالات المزعوم، فكان أن خرج الاستعمار بجيوشه العسكرية وبقي بنفوذه السياسي من خلال عملاء مخلصين له، زينوا للناس أنهم مُخَلّصوه من الاستعمار اللعين. ومع هذه الاستقلالات بدأت تلك الدول بوضع أعلام الاستقلال والأناشيد الوطنية، ومن ثم وضع دساتير للبلاد. وبدأت تلك الدول (المستقلة) تلتفت شرقا وغربا تستجدي دستورا للوطن، ولم تلتفت لما تملكه من تراث تشريعي وفقهي عملي لا تمتلكه أية أمة من الأمم، ولعل المدونة الفقهية للإمام مالك كانت أكبر غنيمة حصل عليها نابليون عندما احتل مصر، فقام بإرسالها إلى فرنسا مباشرة.
فنحن المسلمين لسنا مخيرين بين دستور إسلامي وغيره، بل الواجب هو أن يكون دستورنا دستورا إسلاميا فقط، فالإسلام هو عقيدة هذه الأمة، وهو يعبر عن ثقافتها وحضارتها وتراثها الفقهي والتشريعي، فالدستور الإسلامي هو الذي ترضى الأمة أحكامه بل وتسلّم بها تسليما، ولا تتحايل عليها للهروب من تطبيقها، ومثال ذلك أن المسلم يدفع زكاة ماله عن رضا وحُبّ وتسليم، بينما تراه يتحايل في الوقت نفسه على دفع ضرائب مفروضة عليه بقوانين ظالمة جائرة.
وأقول لهؤلاء الحكام وللمضبوعين بالغرب وثقافته وقوانينه ودساتيره، لا تُتعبوا أنفسكم بالتسول على عتبات الغرب الكافر، وفتشوا في تراثكم التشريعي الغني فسوف تجدون منظومة تشريعية متكاملة، ليس فيها أي شيء غير إسلامي ولا متأثر بأي شيء غير إسلامي. فقد قام حزب التحرير بإخراج مشروع دستور دولة الخلافة مشروعا متناسقا، بارع الصياغة متكامل الأركان، مناديا الأمة الإسلامية أن تعمل على وضعه موضع التطبيق، وأن تصرخ في وجه هؤلاء المضبوعين، فهل نحن أمة وليدة اليوم ليس لها نظام تريد أن تؤسس لنفسها مكانا تحت الشمس فتستعين بغيرها؟! بل إننا أمة عريقة في التاريخ حملت الخير للبشرية طوال قرون ناهزت العشرة قرون، ولدينا اليوم ما نقدمه للعالم لنخرجه من حالة التخبط والضياع والقهر، فالإسلام دين عظيم جاء رحمة للعالمين، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ﴾.
ونحن المسلمين لنا نظام واحد أُمرنا أن نُحكَمَ ونَحكُمَ به، وهو نظام الخلافة، والذي يجب علينا العمل بكل ما أوتينا من قوة لإقامته فيرضى عنا ربنا ويُلَمّ بها شَعثُنا وتُحفَظ بها أعراضُنا، وأموالُنا وثرواتُنا، نكون فيها سِلماً لأولياء الله، حرباً على أعدائه، ويومئذٍ نضع الدستور الإسلامي موضع التطبيق، فيفرح المؤمنون بنصر الله.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع