يتعرض المسجد الأقصى منذ أواخر الخلافة العثمانية لمخططات وبرامج صهيونية غربية مشتركة؛ تستهدف السيطرة عليه وتوطين اليهود في أكنافه المباركة. وقد ازدادت هذه المخططات والبرامج ضراوة، وأصبحت تنفذ في أرض الواقع بعد ضياع الخلافة، واغتصاب جزء منه سنة 48 ثم اغتصابه كاملا سنة 67؛ وذلك كمقدمة لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية الخبيثة للسيطرة عليه وتهويده؛ استجابة لمعتقدات اليهود المحرفة الموهومة الكاذبة. فهل تنجح هذه المحاولات الشريرة والبرامج والمخططات الإجرامية تجاه أولى القبلتين وثالث المسجدين؟ وما هو واجب أمة الإسلام تجاه كل هذه الجرائم والشرور؟! وللإجابة على هذا السؤال نريد أن نتحدث عن هذا الموضوع المهم والخطير من زوايا عدة:
1- مكانة المسجد الأقصى المبارك، وما حوله في عقيدة أمة الإسلام.
2- بشارة الفتح الأول للمسجد الأقصى وتحقق ذلك.
3- الغزو الصليبي والمغولي للقدس وما حولها من الأرض المباركة.
4- الأطماع الغربية والصهيونية لأرض فلسطين في عهد الخلافة العثمانية.
5- المؤامرات الغربية والصهيونية على فلسطين بعد الخلافة، وفي عهد الانتداب البريطاني.
6- استمرار المؤامرة بعد الانتداب البريطاني، وتسليم اليهود أرض فلسطين.
7- موقف حكام المسلمين من المؤامرات المتكررة تجاه فلسطين.
8- فشل محاولات الغرب واليهود في تهويد الأقصى، وجعل كيان يهود جسما مقبولا لدى المسلمين.
9- الأقصى شرارة التغيير عبر العصور، وواجب المسلمين اليوم.
10- الأقصى وأرضه المباركة في ظل الخلافة الموعودة بإذن الله قريبا.
وقبل الحديث عن هذه الزوايا حول المسجد الأقصى ومكانته وواقعه، والمؤامرات حوله عبر التاريخ وهذه الأيام، وواجب الأمة تجاهه نقول: بأن الله عز وجل قد جعل هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس على وجه الأرض، قال تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110]، وجعلها كذلك أمة منصورة إلى يوم الدين؛ رغم ما يعتريها من فترات تكبو فيها وتتنكب خطاها. قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾ [غافر: ٥١]، وقال عليه الصلاة والسلام في مدح هذه الأمة الكريمة: «بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ، وَالتَّمْكِينِ فِي الْبِلَادِ، وَالنَّصْرِ، وَالرِّفْعَةِ فِي الدِّينِ، وَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ بِعَمَلِ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا، فَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ» رواه الإمام أحمد في مسنده، وقال كذلك: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ، لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: «بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» أخرجه الطبراني، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله ثقات. فهي أمة طيبة أصلها ثابت، ومعدنها أصيل، إذا اعتراه شيء من الصدأ فإنه سرعان ما ينجلي عنه. وهكذا كان ديدنها في كل العصور؛ تكبو أحيانا فتقع تحت الاحتلال والغزو، ثم سرعان ما تعود مرة أخرى لتنهض من جديد فتقف على أقدامها وتطرد الغزاة، وتقتعد مكانتها الصحيحة. وهذا بعكس الأمم والشعوب الأخرى التي كانت تكبو ولا تنهض، بل يصيبها الفناء والزوال؛ كما حصل مع الفراعنة المصريين والرومان واليونان وغيرهم من حضارات بائدة.
أما خيرية هذه الأمة فإنها تحمل دينا متميزا ربانيا يتصل بخالق السماوات والأرض، أصله ثابت وفروعه في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السماء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [إبراهيم: 24-25]. لقد فتحت أمة الإسلام معظم أرجاء الأرض في فترة لم تتجاوز العشرين عاما في ظلّ إمكانات بسيطة، ووسائل نقل بطيئة، وأدوات حرب وقتال أيضا بدائية، وهذا لم يتحقق لأقوى الأمم اليوم؛ رغم كل ما وصلت إليه من تقدم علمي وصناعي وتكنولوجي؛ والسبب هو المبدأ السامي المتميز على كل المبادئ والأديان على وجه الأرض؛ باتصاله بالله عز وجل، والذي كانت تحمله الأمة في فتوحاتها، وتقبله الشعوب وتطمئن له، وتؤمن به بسرعة، وتستقبل حامليه من الفاتحين ليحملوه هم بدورهم مرة أخرى ويدعموا الجيوش الفاتحة في طريقها لفتح جديد.
أما ما يتعلق بالزاوية الأولى: وهي مكانة المسجد الأقصى المبارك وما حوله في عقيدة أمة الإسلام: فإن الأقصى وأرضه المباركة قد خصه الله عز وجل بافتتاحية سورة كاملة في كتاب الله، سميت سورة الإسراء نسبة لإسراء الرسول الأكرم ﷺ إلى المسجد الأقصى المبارك في مرحلة عصيبة من تاريخ الدعوة الربانية؛ ليكون هذا الإسراء إلى هذا المسجد المبارك تسرية لقلب الرسول ﷺ، ويكون كذلك بشرى بفتح هذا المسجد مستقبلا؛ أي ليكون هذا الحدث بشرى بقيام دولة الإسلام التي تحمل هذا الدين، وتقوم بالفتوحات العظيمة ومنها المسجد الأقصى. فهذا المسجد كان له تاريخ ومكانة مميزة، وأيضا اقترن بالبشرى العظيمة، بشرى الفتح المبشرة أيضا بقيام دولة الإسلام قريبا في عهد صحابة رسول الله ﷺ؛ التي تقوم بهذا الأمر الجلل.
فالأقصى وأكنافه؛ بهذا الوصف وهذه المعاني السامية، هو جزء من عقيدة أمة الإسلام، وفيه البشرى إلى يوم الدين في مسألة الفتح. فهذا الفتح لا يقف أمره عند عهد صحابة رسول الله ﷺ، وإنما يبقى هذا المعنى إلى يوم الدين؛ أي أن الأقصى كلما غاب مكانه عن الأمة؛ بأن يقع تحت سطوة الكفار، فإن ذلك مُؤْذنٌ بعودة الأمة مرة أخرى قويةً عزيزة لتقوم بتحريره وإعادته إلى المكان الذي أراده الله عز وجل لهذا البيت. وهذا بالفعل ما حصل في عهد الصليبيين، وفي عهد المغول ثم الصليبيين مرة أخرى. وهذا ما سيحصل أيضا بإذن الله قريبا في عهد اغتصاب اليهود وتدنيسهم لهذا المسجد العظيم.
لقد تحققت البشرى الأولى بالفتح في عهد الفاروق عمر رضي الله عنه، وجاء خيرة الصحابة لهذه المهمة العظيمة على رأسهم قادة الفتح: أبو عبيدة بن الجراح، ويزيد بن معاوية، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، فنفذوا أولا وصية رسول الله ﷺ امتدادا لبعث أسامة بن زيد، وهو على فراش مرضه الأخير قبل وفاته ﷺ. وجاء عمر الفاروق رضي الله عنه من المدينة المنورة ليتسلم مفاتح القدس إكراما لهذا المسجد وما حوله من أرض مباركة مطهرة طيبة، وبذلك تحرر هذا المسجد، تماما كما تحرر البيت العتيق من رجس الشرك والأوثان وخرافات النصارى.
رأيك في الموضوع