بعد عقد من ثورة الشام المباركة التي تمرد أهلها على المنظومة الدولية المجرمة التي كانت تدعم طاغية دمشق بكل الوسائل والأساليب وإعطائه المهل الدموية والضوء الأخضر لسحق الشعب الثائر، الذي خرج من المساجد مكبراً مهللاً بجموع حاشدة، يهتف: "قائدنا للأبد سيدنا محمد" و"لن نركع إلا لله"، ورافعا شعارات واضحة يحدد مطالبه فيها بإسقاط النظام.
واستجابت كل المحافظات نداء الفزعة وهتفوا بصوت عالٍ: "ما لنا غيرك يا الله"، استشعر الغرب الكافر خطورة المشهد، فهرع مسرعاً لهيئة الأمم المتحدة المجرمة، وعلى رأسها أس الإجرام أمريكا، لاحتواء المشهد، فأعطت المهل وعقدت المؤتمرات وحاكت المؤامرات، وأرسلت المراقبين العرب والدوليين، ورفعت الجاهزية العسكرية في المنطقة، وأعلنت الحرب على الشعب الأعزل الذي ما خرج بثورته إلا ليبحث عن كرامته المسلوبة عبر استعادة سلطانه وقراره، فأوعزت للطاغية بإحكام قبضته الأمنية وتحريك الجيوش من ثكناتها، وأعلنت الاستنفار العام بالمنطقة وحركت أساطيل عملائها بشقيهم: الأصدقاء" و"الأعداء"!
فشكلت حلف "أصدقاء الشعب السوري"، الذي أعلن نفاقاً وقوفه مع الثورة وفتح حدوده ومد حباله من دعم لوجستي وعسكري ومال سياسي قذر، وأنشأ غرف عمليات ليسهل عليه مصادرة القرارات وسلب إرادة الثوار، وصناعة رأس للمعارضة كمجلس وطني وائتلاف ليكونوا شهود زور على بيع التضحيات التي قدمها ويقدمها أهل الشام.
أما الحلف الثاني فهو الذي جاهر الثائرين بالعداء، بدءاً من جحافل المرتزقة من إيران وحزبها في لبنان ومليشياتها الطائفية إلى القوات الروسية التي صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن حجم وضخامة ترسانة الأسلحة التي استخدمتها قواته المجرمة وقامت بتجربتها على أرض الشام أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي، بل بمباركة منه.
وعلى الرغم من حجم الدمار واستخدام كافة أنواع الأسلحة من الكيماوي إلى البراميل المتفجرة والصواريخ قريبة وبعيدة المدى، إلا أن المتابع للتطورات بدقة يجد أن المعارك لم تكن تحسم عسكرياً، بدءاً من تسليم حمص وحلب مروراً بالغوطة الغربية والشرقية وحماة وشرق السكة، وصولاً لحوران ومؤخراً مناطق ريف حماة الشمالي وريف إدلب الشرقي. وظهرت حقيقة جلية أن الدول المجرمة عندما تعجز عن تحقيق أهدافها بالدبابات والطائرات تلجأ إلى المكر والدهاء السياسيين من مفاوضات وأعمال سياسية خبيثة.
حيث إنه وبعد كل صمود أسطوري تشهده ساحات المعارك وتعود قوات الطاغية المهاجمة مدحورة بين قتيل وجريح تظهر المفاوضات وتنتهي بنصر سياسي للطاغية المجرم، بعد كسره وتحطيمه عسكرياً، من القصير إلى يبرود وحلب وحمص والغوطة وحوران، وكانت دائما تباع التضحيات في سوق المفاوضين وتنقلب النتائج من خسارة عسكرية لنظام الإجرام إلى نصر سياسي له.
وإن ما نشاهده اليوم من ظاهرة التطبيع مع نظام الطاغية أسد ما هي إلا من باب محاولة تعويمه وإظهار نصر سياسي مزعوم له بعد الفشل العسكري الذي قادته روسيا بضوء أخضر أمريكي وأثبت فشله ثلة من الشباب الصادقين في حوران، الذين صمدوا لحصار دام أكثر من ثمانين يوما، فضحوا فيها الضامن الروسي وحطموا أسطورة إيران العسكرية ومرتزقتها، وكشفوا المخططات القذرة التي تهدف للقضاء على الثورة وأهلها.
أهلنا في الشام المبارك، أهل الثورة وأولياء الدماء:
اعلموا يقيناً أن النصر الوهمي السياسي الذي حققته الدول المتآمرة لإعادة الطاغية للواجهة السياسية ما كان ليحصل لولا وجود قيادة مصنعة مرتبطة وقادة متاجرين يزعمون تمثيلكم زوراً وبهتاناً.
وحتى تحفظوا تضحياتكم وأعراضكم ودماء أبنائكم عليكم باتباع خطوات مصيرية عدة، أهمها:
- إسقاط القادة المرتبطين السياسيين والعسكريين ومعهم الأجسام السياسية التي تزعم تمثيل الثورة وهي التي تسعى مع الأعداء لوأدها، من ائتلاف علماني إلى هيئة تفاوض إلى لجنة دستورية وغيرها، والبراءة منهم جميعا.
- تبني ثوابت لثورتكم المباركة بعدم القبول إلا بإسقاط النظام بدستوره وكافة أركانه ورموزه، وقطع العلاقة مع الدول المجرمة وإنهاء نفوذها، وعدم القبول إلا بالإسلام كنظام حكم يرضي الله ورسوله.
- السير مع المخلصين من أبنائكم الذين تعرفونهم وصدقوكم القول منذ اليوم الأول، والذين حذروكم من الفخاخ التي نصبها الغرب المجرم من اقتتال بين الفصائل وخطورة المال السياسي القذر وخطورة الارتباط مع الدول المجرمة.
- تبني مشروع سياسي مستنبط من كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي فيها عز الدنيا ونعيم الآخرة بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.
بقلم: الأستاذ محمد الحمصي
رأيك في الموضوع