إن المسارعة نحو النار، نحو جهنم والعياذ بالله، من أولئك المترفين المنعمين من أهل الفساد الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، لهو إشارة لكل ذي لب وصاحب غيرة ونخوة على الدين وعلى أمة الإسلام من أن يصيبها ما أصاب الذين من قبلها من هلاك وتشرذم واحتراب، فكان الدافع إلى كتابة هذا المقال الغيرة على الدين والتحذير من المترفين الذين ليس لهم شغل ولا عمل إلا إغراق المسلمين في أوحالهم ومستنقعهم الآسن. حيث قال ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ» رواه مسلم. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾.
لقد أخذ الترف والترفيه والتعلق بزينة الحياة الدنيا وشهواتها مأخذاً لدى المترفين، واستحوذ على عقولهم لدرجة أنهم أصبحوا ينظرون إلى أحكام الإسلام على أنها تفسد عليهم متعتهم وبهجتهم، فاتخذوا كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وراءهم ظهريّاً وتولوا وأعرضوا، حتى وصل الأمر ببعضهم أن لا يترك طاعة الله تعالى وحسب، بل بارزه بالمعاصي، فكان الرقص والغناء، وكانت الميوعة وكان التعري والترخص في فعل الحرام في اتباع سنن من كان قبلنا، فكان المترفون وهم من أبطرتهم النعمة وسَعة العيش، في ظل أنظمة الحكم الفاسقة الظالمة الخاطئة أن ألهتهم عن طاعة الله عز وجل، فتجاوزوا كل الحدود حتى سمحوا بدخول الكفار إلى أرض الإسلام حاملين ثقافاتهم وأفكارهم الهادمة للدين والمتعارضة مع الشرع الحنيف، مخالفين قول الرسول ﷺ: «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ»، وقال: «لَا يَجْتَمِعُ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ» أخرجهما أحمد في المسند، حديثان صحيحان.
فهذه الهيئة العامة للترفيه في نظام آل سعود، تقيم مهرجان الرياض تحت مسمى (بوليفارد الرياض) وتأتي إليه بكل ساقط وماجن وخليع ليفسدوا أبناء المسلمين وبناتهم، مستقدمين الشركات الأجنبية والكافرة لتسويق الخلاعة والميوعة والمنكر في أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو سمة هذه الأمة وشعارها وصفة خيريتها لقوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾.
إن معسكر النفاق ممعن ومصرّ على حرف أمة الإسلام عن دين الله عز وجل، الإسلام الذي رضيه لهم حيث أنزل الله ذلك في كتابه العزيز: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. وهذا الإفساد من معسكر أهل النفاق لا يقتصر على نظام آل سعود فحسب، بل يشترك معهم مهرجان جرش والعقبة وروابي في الأردن وفلسطين، حتى قال بعض المترفين عن صناعة الخمور في الأردن إنها بترول الأردن، حتى طالب آخرون بإنشاء كازينو قمار في العقبة وعمل حفلات للشواذ تحت رعاية سفيرة أمريكا، وهذا ينسحب على جميع أنظمة الحكم في الدول العربية. أما تدبرنا القرآن العظيم: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً﴾.
إن السكوت على هذا الواقع الذي علا فيه التحوت على الوعول، ونطق في الناس الرويبضة، لينذر بطوفان عذاب لا ينجو منه إلا من أنكر وعارض وتكلم، حيث جاء في الحديث الشريف عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: «يَكُونُ فِي آخِرِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ» قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا ظَهَرَ الْخُبْثُ» رواه الترمذي حديث صحيح. وقال تعالى: ﴿فَلَولا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّة يَنهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فى الأَرْضِ إِلا قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ واتَّبَعَ الَّذِينَ ظلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وكانُوا مجْرِمِينَ * ومَا كانَ رَبُّك لِيُهْلِك الْقُرَى بِظلْم وأَهْلُهَا مُصلِحُونَ﴾. فهل لا يزال في الأمة القليل الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فلا يرضى ولا يتابع؟ حيث قال ﷺ: «إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» رواه مسلم. فواجبٌ على كل مسلم أن ينهى عن الفساد في الأرض وأن يتصدى للمفسدين المترفين حكاماً وبطانة، سواء من وزراء إعلام وثقافة وهيئات ترفيه، لا همّ لهم إلا الدياثة وبث الانحلال في الأمة، فالنجاة أيها المسلمون للقليل الذي ينكر هذه المنكرات، فالإجرام كل الإجرام أن يُتّبع المجرمون المترفون.
وهذا حث لأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تحذر أولاً، وأن تتصدى ثانيا لطوفان المترفين ولحفلات الترفيه التي أساسها الدياثة وغايتها القضاء على قيم الإسلام العليا.
وهذا الطوفان الذي يقوده معسكر الكفر الغربي وينفذ برامجه المترفون في أنظمة الحكم في بلاد الإسلام جميعهم، وراء عدم استجابة الدعاء من الصالحين، وتأخر نصر هذه الأمة، قال ﷺ: «لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُسَلِّطَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ فَيَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ» رواه مسلم. أيها المسلمون، ليحرص كل واحد على أن يكون من أحباب رسول الله ﷺ، وإن فاتتنا صحبته، فلندرك أن نكون من الحواريين له ﷺ، نتمسك بهديه ونتبع سنته حتى نملك الإمكانيات التي تعيننا على التصدي لطوفان المترفين، حيث أخرج مسلم في صحيحه، قال ﷺ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ». وقيل إن الحواريين هم من يصلحون للخلافة، وهم الذين نقوا من كل عيب وهم أنصار الدين وأنصار النبي الأمين محمد ﷺ. وأنقل لكم أقوال رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ، حيث قال: إن الفعاليات والاحتفالات في الرياض ستكون في أربع عشرة منطقة، على مساحة أربعة إلى خمسة ملايين متر مربع، تشمل سبعين حفلة غنائية عربية وغربية وثلاثمئة وخمسين عرضاً ومسرحية، إلى غير ذلك من أصناف الفساد وألوان الإفساد في الأرض. والسيرك العالمي من هوليوود، وهذا النداء الأخير في القرآن الكريم لوجوب التصدي لطوفان المترفين المفسدين في الأرض، الذين يفسدون ولا يصلحون، قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ﴾.
فهذا الخطاب قيل على سبيل التهكّم، أين المفر يا مترفون أيها اللاهون، عن ذكر الله وعن الإسلام، إلى أين تركضون؟ هل تنجيكم اليوم أمريكا أو روسيا؟ ارجعوا إلى ترفكم ولهوكم، فهنا السؤال عن كل هذا الفساد واللهو الحرام حيث لا ينفع الندم، لقد غرتكم الدنيا وغركم الحكم والسلطان، وغركم المال والبترول حتى تخليتم عن القرآن الذي فيه عزكم وذكركم وشرفكم يا من تخليتم عن كل ذلك.
ارجعوا إلى قول الرسول ﷺ: «أَلَا إِنَّ رَحَى الْإِسْلَامِ دَائِرَةٌ، فَدُورُوا مَعَ الْكِتَابِ حَيْثُ دَارَ، أَلَا إِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّلْطَانَ سَيَفْتَرِقَانِ، فَلَا تُفَارِقُوا الْكِتَابَ، أَلَا إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَقْضُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مَا لَا يَقْضُونَ لَكُمْ، إِنْ عَصَيْتُمُوهُمْ قَتَلُوكُمْ، وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ أَضَلُّوكُمْ». رواه الطبراني في الكبير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، فهل بعد بيان الله عز وجل بيان؟!
بقلم: الأستاذ سعيد الكرمي (أبو عبد الرحمن)
رأيك في الموضوع