بمناسبة مرور عشر سنوات على إنشاء (بيت العائلة المصري) والذي يعنى بالتقارب بين الأديان وبالذات بين الكنيسة القبطية والأزهر، تحدث شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بكلام لم يستوف فيه الحقيقة ولم يبينها على الوجه الأكمل وقد جاء جل كلامه للتعليق على ما يسمى (الإبراهيمية) أو (الدين الإبراهيمي) الذي ابتدعته عقول الإمارات والبحرين بالتعاون مع يهود، ولأن تصريحات شيخ الأزهر جاءت للإمساك بالعصا من المنتصف والتلاقي مع الكنيسة في منتصف الطريق لذلك كان يتحدث بدبلوماسية على حساب الدين وكأني به يريد أن يرضي الله سبحانه والكنيسة معا وكان مما قاله: "إن ما تسمى الإبراهيمية والدين الإبراهيمي هي دعوة إلى مصادرة حرية الاعتقاد وحرية الإيمان"، "فالله خلق الناس ليكونوا مختلفين" على حد قوله، "وإن اجتماع الخلق على دين واحد أمر مستحيل" وغير ذلك من العبارات التي تظهر أن الشيخ أحمد الطيب لم يتحدث لبيان دين الله والنظرة الشرعية تجاه النصرانية واليهودية وأن الله بعد نزول الإسلام لم يرض دينا غير الإسلام.
إننا ندرك أن الأزهر لم يعد كما كان وأنه أصبح مؤسسة سياسية بامتياز مع أن عمره زاد على عشره قرون وقد تخرج منه كبار العلماء قبل أن يصبح مؤسسة دينية لا تفتي إلا على مقاس الحاكم كما هو شأن إخوانه في منظمة العالم الإسلامي وهيئه كبار العلماء في السعودية ولجان الفتوى وغيرها وإننا إزاء تصريحات شيخ الأزهر التي خلط فيها السم في الدسم نقول:
أولا: إن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن وبعث فيه النبي عليه الصلاة والسلام ليكون مهيمنا على كل الأديان والعقائد، ومعنى الهيمنة أن يكون الإسلام قاضيا على كل الشرائع قبله والآيات في ذلك أكبر وأكثر من أن تخطئها عين أو تعتريها شكوك، وقد جاءت الآيات الدالة على أن الله سبحانه بعد محمد ﷺ لم يرض للبشرية أي دين آخر وإلا يكون رضا بمنكر تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فلا يعقل أن يطلب من الناس الإسلام ولا يرضى لهم الكفر ثم يقال "إن الله خلق الناس ليكونوا مختلفين"، فكلام الطيب كان كأنه يجعل الخلاف في العقائد والأديان بعد الإسلام أو قبله علة الشارع من خلقه للناس مع أن الأمر ليس كذلك بل غاية ما يفهم من الآية أنها جاءت وصفا لحالة وستبقى هذه الحالة إلى قيام الساعة فلا يقال إذن بأن الآيات المحكمة التي جاءت تنعى على أهل الكفر عقائدهم وتسفه ما هم عليه من العقائد الباطلة والشرائع الداحضة، بل تأمر المسلمين بحمل الإسلام لهم بالجهاد، ثم يقال إن الله خلق الناس عقائد وديانات شتى، لذلك ليس لنا أن نبين لهم ونطلب منهم الدخول في الإسلام، لا يقال ذلك. ومع أن الإسلام لا يحمل غير المسلمين على الإسلام حملا ولا يفتن الناس عن عقيدتهم إلا إنه مطلوب من المسلمين أن يحملوا الإسلام للناس ويبينوا لهم زيف ما يعتقدون ويعبدون، فليس معنى أننا لا نحمل الناس على الإسلام أن لا نحمله لهم، وهذا أمر تواتر ولا يحتاج إلى ذلك والفتوحات والمعارك التي خاضها النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته من بعده تشهد على ذلك، فقد كانت لنشر الإسلام وتطبيقه.
ثانيا: هنالك فرق بين كون الشارع طلب تنفيذ الأحكام الشرعية والحكم بالإسلام في البلاد التي قام المسلمون بفتحها وبين كونه يريد تغيير عقائد الناس وفتنتهم عن دينه وما سميته أنت حرية العقيدة، فالحكم بالإسلام في البلاد التي فتحها المسلمون واجب ولا كلام، فلا يجوز أن تحكم بلاد المسلمين بغير الإسلام يا شيخ الأزهر، وليس لذلك علاقة بحرية العقيدة وليست داخلة في البحث أصلا، فكون النظام الذي يجب أن يطبق على الناس هو الإسلام حصرا وأنظمة الإسلام ودستوره وقوانينه فقط فإن هذا أمر، وحرية العقيدة لغير المسلمين أمر آخر، فلماذا يجري الخلط بين المسألتين؟ ولماذا لم تبين في (بيت العائلة) أنه لا يجوز أن تحكم مصر ولا غيرها من بلاد الإسلام إلا بالإسلام؟ وأن كون مصر يسكنها غير مسلمين فإن ذلك لا يغير في المعادلة شيئا وأنهم، أي الأقباط، قد عاشوا في ظل دولة الإسلام ثلاثة عشر قرنا شهدوا فيها عدل الإسلام وأنظمة الإسلام وتطبيق الإسلام وكانوا في ذمة المسلمين، بل إنه عليه الصلاة والسلام أنجب من مارية بنت شمعون القبطية رضي الله عنها وأرضاها ابنه إبراهيم وقد عاشت في بيت النبوة حتى وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يعش أهل الذمة في ظل المسلمين ظلما يجعلهم يطلبون الحكم أو المشاركة فيه بل عاشوا في ظل عدل الإسلام ونظامه طوال فترة الخلافة الإسلامية فمن شاء آمن ومن شاء بقي على دينه وعقيدته لا يفتن عنها ولا يجبر على تركها، ولكن النظام المطبق على الجميع هو الإسلام فقط.
ثالثا: كان ينبغي لشيخ الأزهر وقد أخذ عليه وعلى إخوته من العلماء أن يبين الحقيقة كاملة لا نصفها أو ربعها ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾ فالديانة الإبراهيمية التي أوحاها الشيطان إلى أوليائه في الإمارات والبحرين ويهود لسنا نرفضها لأنها تخالف حرية العقيدة والمعتقد فقط، فهذه الدول وغيرها لا شأن لها بالخالق من قريب أو بعيد ولا تسعى لجعل الناس على ملة ودين إبراهيم أو غيره من الأنبياء، وإلا فإن إبراهيم عليه السلام وصى بنيه ويعقوب ﴿يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾، وإلا فإن إبراهيم جاء على لسانه في كتاب الله ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾، بل إن الله جعل الكلمة الباقية في عقب إبراهيم هي لا إله إلا الله، فهل يعقل من يروجون للديانة الإبراهيمية المدعاة التي أوحت بها أمريكا للإمارات والبحرين ذلك؟ كان ينبغي لشيخ الأزهر وهو في موقعه من البلاد الإسلامية أن يبين أن الديانة الإبراهيمية الجديدة هي لتفكيك الدين لا لقبوله وليست لها علاقة بإبراهيم ولا محمد ولا المسيح ولا حتى بأبي جهل وإنما يريد منها أصحابها أن يلبسوها لباس الدين ليضحكوا بها على السذج من الناس والبسطاء من أبناء المسلمين. كان ينبغي لشيخ الأزهر أن يبين أن الإسلام يجب أن يعلو بأحكامه ونظامه كل بلاد المسلمين وأن البلاد والعباد لم تعش خيرا منذ أن تآمر الغرب والشرق على هدم الخلافة. ليس في ديننا ما نخجل منه يا شيخ الأزهر فقد حملنا العدل والنور في كل مكان دخلناه، فلماذا تبين عقيدتك على استحياء وخجل؟! ولماذا تظن أن (قبول الآخر) و(محاورة الآخر) على اصطلاحاتكم هو بإمساك العصا من المنتصف؟!
وأخيرا إننا ندرك واقع الأزهر يا شيخ الأزهر، فقد أراد له الحكام في مصر أن يكون مؤسسة دينية على غرار الفاتيكان لا علاقة له بالسياسة إلا بالقدر الذي يستفيد منه الحاكم وليس هذا حال الأزهر فقط وإنما هو حال هيئة كبار العلماء في السعودية ولجان الفتوى وزراء الأوقاف في البلاد الإسلامية، وإننا ندرك دائما ونوجه النصيحة لكم في الأزهر وغيره، وقد قال أحدهم "اتق زلة العالم فإنه يزل بزلته عالم"، فالأمر عظيم والخطب جلل والأمانة في رقابكم، وإن هؤلاء الذين تكتمون عنهم الحق فإنما تعينونهم على باطل وسيتعلقون برقابكم يوم القيامة ويقولون يا رب إن هؤلاء ما صدقونا النصيحة ولا بينوا لنا أمر دينهم بل إنهم رضوا منا ديننا وعقيدتنا.
فاتق الله يا شيخ الأزهر فالأمانة عظيمة!
رأيك في الموضوع