تسعى سفينة التآمر المستمر على أهل الشام منذ انطلاق ثورتهم قبل أكثر من عشر سنوات إلى الرسو في محطتها الأخيرة، والتي تستهدف إجهاض حراك المسلمين فيها كما فعلوا من قبل في بقية الثورات الأخرى، فقد أرقت ثورة الشام المتآمرين وأرهقت كاهلهم، بسبب قوتها وتميزها عن غيرها بما امتلكته من حاضنة شعبية قوية، دفعت الدول إلى تغيير الكثير من الوسائل والأساليب في التعامل معها واستبدال أخرى بها، لكنها لم تغير في الأهداف ولا في الطريقة.
الغرب الذي خاض ثورة قبلنا وتخلص بها من الحكم الكهنوتي الكنسي الاستبدادي يعرف الطريق الذي تسير به أي ثورة في الوصول لأهدافها. ولذلك كانت دوائر صنع القرار تقف بالمرصاد للثورة بعد أن عرّفتها بأنها ثورة المسلمين وتستهدف إعادة الإسلام إلى الحياة مرة أخرى. ولذلك وجّهت مراكز الدراسات الاستراتيجية لتزويدها بكل ما يلزم من خطط سياسية تعيق تقدم الثورة وتقطع عليها الطريق. وكما أصبح معروفاً أن الارتباط بالدول الخارجية وأخذ المال السياسي هو البوابة التي ولجت منها الدول إلى داخل الثورة، مع أن هذا الأمر لم يكن بالسهولة التي تصوروها ولكنهم نجحوا في النهاية بالدخول، وهنا كانت البداية لفتح الطريق لتنفيذ مخططات المجرمين. وقد ساعد في ذلك دول عدة وعلى رأسها السعودية وقطر اللتان خف تأثيرهما بمسار الثورة بعد أن نفذتا مهمتهما وأغرقتا الثورة بالمال السياسي المسموم القذر.
ولأن كثيراً من الثائرين لا يمتلكون الحنكة السياسية الكافية لإدارة بوصلة الثورة وكشف ما يخطط لها من أعدائها المتربصين بها فقد سقطوا في فخ الارتباط والدعم الذي لم ينجُ منه إلا المخلصون الصادقون الذين تمت إزاحتهم عن التأثير الفعلي في قرار الثورة، في غمرة الاندفاع خلف المتسلقين الذين مكّنتهم مخابرات دول الارتباط من كل الإمكانيات التي تضمن تحكمهم بمفاصل الثورة وتنفيذ أجندات الدول للسير بها إلى حتفها، وهذا بإذن الله لن يكون.
وبالانتقال إلى الشق السياسي وإلى أين وصلت أمريكا وأدواتها من دول ومنظمات في سعيها لإجهاض الثورة وتثبيت أركان نظامها العميل في دمشق، فإن التركيز في هذه الفترة منصبٌّ على معالجة قضية شرق الفرات، (الأمانة) التي تسلمها حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي، والتي آن أوان إعادة تسليمها للنظام المجرم، وهو ما كشفه شاهين أحمد، القيادي فيما يسمى المجلس الوطني الكردي، أحد مكونات الائتلاف الوطني السوري الموالي للغرب، بأن نظام أسد اتفق مع حزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان العراق في بداية الثورة على انسحاب النظام من بعض مناطق شمال شرق سوريا وتسليمها لحزب الاتحاد الديمقراطي بهدف تحييد المكون الكردي عن الحراك الثوري، وتفرغ النظام للجبهات الأكثر سخونة، وبحسب أحمد فإن الاتفاق المذكور يتلخص في أنه إذا بقي النظام وتم القضاء على الحراك الثوري عندئذٍ لن يختلف الطرفان في إعادة الأمانة.
وكانت مصادر إعلامية نقلت عن مصدر في الإدارة الذاتية الكردية قوله إن مفاوضات تجري بين مسؤولين كبار في حزب الاتحاد الديمقراطي ونظام أسد برعاية روسية وبضوء أخضر أمريكي للتوصل إلى اتفاق في شمال شرق سوريا، وهو عين ما صرح به آلدار خليل القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي عن استعداده للتفاوض مع نظام أسد بشكل مباشر، ودعوته لنقل الحوار المتعلق بقرار مجلس الأمن 2254 من جنيف إلى دمشق، وهي خطوة متقدمة جداً لخدمة مصالح أمريكا التي وضعت هذا القرار للحفاظ على مصالحها ونفوذها في سوريا التي يمثلها نظام أسد.
الغائب الحاضر عما يجري شرق الفرات هو تركيا التي ساعدت كثيراً في الضغوط الأخيرة على الجانب الكردي للعودة لأحضان النظام عبر إعلانها عن عمل عسكري لم يأخذ الموافقة الأمريكية، بل تم استغلاله أحسن استغلال من روسيا وأمريكا في المفاوضات الجارية بين النظام والأكراد، فكانت وسيلة ضغط على الكرد ليس أكثر، في الوقت الذي تقوم أدواتها من حكومات وفصائل بممارسة كل أنواع الضغط الاقتصادي والأمني وحتى العسكري على كل مخلص في الثورة، في صورة من أبشع صور الثورة المضادة التي يتقمّصها هؤلاء الأدوات بغية الخضوع لمصالح الدول مقابل لعاعة من الدنيا، وليس آخر هذه الضغوط ما قامت به هيئة تحرير الشام من إخراح المستقلين في جبل التركمان تنفيذاً لرغبة تركيا في تطبيق القرارات الدولية الخاصة بهذا الشأن، وما تبع ذلك من مهاجمة الحراك الشعبي الرافض لما تقوم به الهيئة بهذا الخصوص. فقد خرج الناس في مظاهرة في باب الهوى قرب الحدود التركية استنكاراً لصنيع الهيئة، فما كان منها إلا أن قامت باعتقال عدد من المشاركين فيها.
ما يحصل في الشام بشكل عام ومنها المناطق المحررة في الشمال لا يختلف كثيراً عن بعضه، لأن من يدير الملف السوري واحد، فالجوع والفقر في عرف من يحارب الثورة ويسعى لإجهاض حراك أهل الشام هو من متطلبات الحلول السياسية الاستسلامية التي يريدون فرضها عليهم عبر الأدوات والصنائع، وحال مناطق النظام لا تختلف عن باقي المناطق بل أسوأ في ظل تدافع الشباب على دوائر الهجرة والجوازات للسفر والهروب من الجحيم السوري بدل مواجهته والخروج عليه، أما في مناطق الثورة شمالاً وهي معقد الأمل، فإنها تتركز فيها جموع الثائرين الذين يتزايد غليان حاضنتهم على القائمين والمتنفذين الخاضعين لما تمليه عليهم الدول ولو على حساب أهل الشام ومصالحهم.
إن الثورات تمر دائما بأطوار مختلفة وثورة الشام هي أم الثورات وهي التي بيدها تغيير وجه المنطقة والعالم إن أعمل ثوارها تفكيرهم خارج الصندوق وفكروا خارج ما يراد جرّهم إليه، فأهداف الأعداء مكشوفة جلية، فكان لا بد من الهمة والعزيمة في تحطيم ما يخططون له، ومن رجال ثابتي الخطا، ومخططات صادقة لمواجهة مكر الأعداء بهم.
إن من أولى أولويات المواجهة معرفة قوتك وقوة عدوك، ونحن في الشام بحمد الله نمتلك قوة هائلة مادية ومعنوية، ونمتلك أكثر من ذلك، القوة الروحية التي لا يمتلكها أعداؤنا، والتي تعتبر حاسمة في أي مواجهة، ومن يمتلكها هو منتصر حتماً بإذن الله، ولنا في تاريخنا الكبير والمشرف دروس وعبر، فمن يحمل الإسلام لا يهزم ولو تمالأ عليه أهل الأرض.
لقد خرجت ثورة الشام لله وفي سبيله، وقدمنا شهداءنا الأبرار بنفوس راضية ومسلّمة لله وعاهدنا الله بالعمل لإزاحة طاغوت الشام وإقامة حكم الإسلام، وهذا لن يكون إلا بالتفاف الحاضنة الشعبية حول قيادة سياسية تحمل مشروع الإسلام ودولته، فنحن في الشام لا ناصر لنا إلا الله، ومن تمسك بحبل الله فإن الله لن يخذله ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾، فالله يمكر لمن يتمسك بدينه وشريعته، ويمكر بأعدائه أمريكا وأدواتها ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين﴾. فلا خوف على أهل الشام، فرغم أن أعداءهم كثر وامتحانهم كبير إلا أن الله ناصرهم ولو بعد حين. قال تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
رأيك في الموضوع