- يشهد العالم حربا مسعورة على بلاد المسلمين لم يسبق لها مثيل، تحت مسمى "الحرب على الإرهاب" تشارك فيها جميع دول العالم بلا استثناء، تنهب ثروات بلادهم وتدمر كل مقوماتهم.
- ويشهد حروبا بالوكالة يديرها عملاء وقادة جيوش مرتزقة لا يعرفون سوى مصالح المستعمر.
استبداد وظلم وقهر، جوع وفقر، شعوب يقودها مَنْ إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر.
- كما يشهد تحكم الدول الكبرى في مصير الشعوب، بينها صراع مرير على النفوذ والمصالح.
تحت وطأة هذا الواقع يفرض نفسه سؤال: هل الفرصة متاحة الآن للمسلمين لإقامة الخلافة؟
وما يجعل الأمر عسيرا كون الخلافة ليست أي دولة، إنها البديل الحضاري الذي يهدد وجود الرأسمالية ويجعل الصراع معها صراعا حضاريا، صراع وجود لا قبول فيه للآخر، لا ينتهي إلا بإزالة الآخر من الوجود، فهو صراع عقائدي مبدئي.
- أما الظروف هل هي متاحة لإقامة الخلافة أم لا؟
فقبل الإجابة نريد أن نذكر بأننا نحن المسلمين مكلفون بالعمل لإقامة الخلافة في كل الأحوال، وأننا نؤمن بأن الله هو وحده الذي بيده النصر وإليه يرجع الأمر كله، وإذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون، فعلينا العمل وعليه نتوكل. ثم نحن على موعود الله بالنصر والتمكين، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
ثم إن بحث القوى المادية والظروف الدولية يأتي في المقام الأول من أجل الوعي على الواقع الدولي، وعلى متطلبات الحكم والدولة، والإعداد لكل أمر عدّته، فالغاية عظيمة والعداء عظيم وكيد الكفار لا ينقطع.
- وللإجابة على هذا السؤال لا بد من دراسة المحاور التالية:
1- الموقف الدولي:
وعند استعراضنا للموقف الدولي نجد التفرد الأمريكي وتسلط أمريكا على القرارات الدولية وهيمنتها على المنظمات الدولية، تحت شعار "من ليس معها فهو ضدها"، وهذا استعداء لدول العالم وتقديم مصلحة أمريكا على مصالحها، فجعل الصراع والتآمر في صلب العلاقات الدولية، كل يكيد للكل، وخلق صراعاً دولياً على النفوذ يشاهَد في كل بؤر الصراع في العالم.
فنجد صراعا بين أمريكا والصين، وبينها وبين شركائها في حلف الأطلسي. كما نجد اضطرابا في العلاقات الأمريكية الروسية، يصل حالة العداء. ونجد عداء مستحكما بين أوروبا وروسيا.
ثم إن انسحاب أمريكا باعتبارها قائدا للحلف الأطلسي من أفغانستان ترك أثرا بليغا على دول الحلف ونظرتها لمستقبل الحلف، ولبديل أوروبي عنه، وهذا ينذر بتفكك الحلف.
إن تحالف أمريكا وبريطانيا وأستراليا وصفقة الغواصات النووية التي اعتبرتها فرنسا طعنة في ظهرها أثر وسيؤثر على علاقات دول الاتحاد الأوروبي فيما بينها، وعلى علاقاتها بأمريكا، وخاصة علاقة فرنسا ببريطانيا.
كما نشاهد صراعا دوليا على مناطق النفوذ تجسد في حروب بالوكالة وانقلابات عسكرية.
هذا حال الموقف الدولي وما عليه من خلخلة واضطراب وتعارض المصالح، وحالة عداء بين الحلفاء.
2- المبدأ الرأسمالي المتحكم في العالم:
فصل الدين عن الحياة، وجعل مقياس الأعمال النفعية وإطلاق الحريات، والتحرر من كل القيم، ونشر الإلحاد والتحلل والشذوذ أوجد مجتمعات مفككة تفتك بها أمراض مجتمعية خطيرة من قومية وعنصرية وتيارات يمينية متطرفة وعصابات الجريمة المنظمة والمخدرات، مزقت المجتمعات وأفقدتها لحمتها وتماسكها وجعلتها مجتمعات هزيلة ضعيفة لا تقوى على مواجهة الأزمات والتحديات.
إن المبدأ الرأسمالي النفعي بإطاره السياسي الديمقراطي وازدواجية معاييره، والغاية تبرر الوسيلة، خلق صراعات داخل المجتمع وبين الدول، فأوجد قيما أخلاقية وإنسانية وروحية مدمرة أغرقتهم في مستنقع من الوحل منتن.
إن الأساس الفاسد للمبدأ الذي أقام عليه اقتصاده (الندرة النسبية) صنع أزمات وأوجد حلولا بشعة وحشية وأنتج رأسماليين جشعين واحتكارت قاتلة.
خلاصة القول إن المبدأ الرأسمالي خزان شرور وصانع مآسي الشعوب، أينما وطئت قدمه أوجد الدمار والخراب والفساد ونشر الفقر والجوع والاستعباد. أوجد أزمات تعصف بالنظم الرأسمالية وأظهر عجزها عن حل المشكلات التي تواجه اقتصاداتها وأمراض مجتمعها، فلا تكاد تجد دولة في العالم إلا وأرهقتها الديون، وتفشت فيها الأمراض.
إن الحرية والديمقراطية والعلمانية والعولمة التي كانت هي الحل، أصبحت هي أصل الداء وأس البلاء.
3- حال الأمة الإسلامية:
إن الناظر في حال الأمة يجد:
- صحوة إسلامية في عموم بلاد المسلمين، وارتفاع منسوب الوعي عند الأمة صنعته الأحداث.
- عداء للمستعمر وأدواته.
- ثورات تجتاح بلاد المسلمين تريد تغييرا حقيقيا، ما أضعف الحكام وأفقدهم سندهم وجعل نفوذ الاستعمار في مهب الريح.
- يجد مشروع الخلافة قد أصبح له رأي عام وقوى شعبية تؤيده في جميع البلاد الإسلامية، وتلهفا للعيش في ظل الخلافة وتحكيم الشرع.
- يجد حزبا مبدئيا تبنى إعادة استئناف الحياة الإسلامية، ولم يقف عند شعارات فضفاضة، وصاغ مشروعا إسلاميا متكاملا مفصلا، دستورا وأنظمة تفصيلية تنظم الحياة بأدق تفاصيلها داخليا وخارجيا، وتبنى قضايا المسلمين أينما وجدوا وحمل لهم إسلاما عالميا لا يعترف بحدود ولا ألوان ولا أعراق، وأعد أتباعه كقادة ورجال دولة، وسلحهم بثقافة الإسلام، فأوجد فيهم القدرة العجيبة على فهم السياسة وإدارة الدولة باقتدار إدارة عقائدية مبدئية، ما أرعب الكفر كله وعملاءه فخاض معهم حربا لا هوادة فيها.
خلاصة القول:
- نعيش صراعا دوليا بين دول استعمارية متناحرة فيما بينها على المصالح.
- نعيش سقوط المبدأ الرأسمالي وعجزه عن حل مشكلاته، وسقوط قيمه وفشل دوله.
- نعيش سقوط الحل العسكري للسيطرة على الشعوب.
- نرى مجتمعات غربية وعلى رأسها أمريكا الدولة الأولى، منقسمة على نفسها متشظية لا رابط بين مكوناتها، استفحلت فيها العنصرية القاتلة، مجتمعات هزيلة بلا انتماء ولا ولاء، لا تملك أسباب الحياة، لا قبل لها بأهل الإسلام.
- نرى حكاما منقطعة جذورهم، هزيلة عروشهم، سندهم عصا جندي ينخره السوس.
- وفي المقابل نرى إسلاما صاعدا يملك طاقات جبارة لا قبل للكفر بها إن هي استظلت بخلافة راشدة وقيادة مخلصة مؤهلة.
- نرى فرصة ذهبية تقول للمسلمين هذا زمانكم قد أظلكم فهبوا هبة أسد الشرى واقهروا عدوكم وأقيموا خلافتكم، فالشرف ينتظركم وأنتم أهل له.
- آمنا بخالق الكون ومدبره بيده مقاليد الأمور، ناصر أوليائه ومذل أعدائه، وعد ووعده الحق، حكم وحكمه الفصل. نسأل الله أن يشرح صدور المسلمين عامة وأهل القوة خاصة لنصرة دينهم وإقامة خلافتهم، فيضعوا أيديهم بأيدي إخوانهم في حزب التحرير، فيشرفنا الله وإياهم ويجري نصره على أيدينا وأيديهم، فنفوز بعز الدنيا وكرامة الآخرة.
بقلم: الشيخ سعيد رضوان أبو عواد (أبو عماد)
رأيك في الموضوع