الآن، في القرن الواحد والعشرين تجري لعبة كبيرة جديدة على آسيا الوسطى. هؤلاء اللاعبون هم: روسيا والصين وأمريكا والاتحاد الأوروبي، وهناك صراع جيوسياسي بينهم. فلماذا تحظى آسيا الوسطى بهذا القدر الكبير من الاهتمام من هذه القوى الاستعمارية؟ الحقيقة هي أن المنطقة لديها احتياطيات ضخمة من النفط والغاز والذهب والنحاس واليورانيوم والمعادن الثقيلة والمعادن الأخرى. بالإضافة إلى ذلك تمر طرق العبور والاتصالات عبرها. ولبحر قزوين فيها أيضاً أهمية جيواقتصادية. وهذه المنطقة ذات أهمية جيوسياسية حيث تعتبر مهمة في العلاقات التجارية وغيرها بين دول أوروبا وآسيا والشرق الأوسط. إن مدى أهمية هذه المنطقة يمكن معرفته من كلام السياسيين الغربيين أيضا. فعلى سبيل المثال قال الجيوسياسي البريطاني هيلفورد ماكيندر في بداية القرن العشرين: "من يحكم آسيا الوسطى سيحكم أوراسيا، ومن يحكم أوراسيا سيحكم العالم بأسره". والسياسي الأمريكي زبيغنيو بريجنسكي كتب في كتابه "رقعة الشطرنج الكبرى" أن الهيمنة العالمية للولايات المتحدة تعتمد على "إلى متى وكيف ستستمر هيمنة أمريكا على القارة الأوراسية".
وآسيا الوسطى هي إحدى طرق "المنافس" لروسيا. لهذا السبب تحاول روسيا الحفاظ على نفوذها في المنطقة من خلال منظمة شنغهاي للتعاون والاتحاد الاقتصادي الأوراسي والاتحاد الجمركي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي. كما تمتلك روسيا قواعد عسكرية في طاجيكستان وقرغيزستان.
والصين تخترق آسيا الوسطى من خلال إعطاء القروض والاستثمار. فعلى سبيل المثال إن ديون أوزبيكستان للصين وحدها تجاوز 3 مليارات دولار. وقد أعلنت الصين عن مشروع عالمي الحزام والطريق لإعادة بناء طريق الحرير القديم. وآسيا الوسطى هي طريق عبور بري مهم للصين يربط بين روسيا والاتحاد الأوروبي. هذا هو السبب في أن الصين بدأت بسرعة في إقراض دول المنطقة لتطوير البنية التحتية للنقل. بالإضافة إلى ذلك تعد آسيا الوسطى منطقة استراتيجية مهمة للصين حيث تقع على حدود تركستان الشرقية.
كما تولي أمريكا اهتماماً خاصاً لآسيا الوسطى، فبينما تحاول الخروج من "المستنقع الأفغاني" تنظر إلى اتجاه آسيا الوسطى في إطار أهداف الاستراتيجية الأمريكية 2019-2020. وأحد هذه الأهداف هو تعزيز حدود سايكس بيكو في المنطقة. تنص وثيقة الاستراتيجية على أن أمريكا خصصت 90 مليون دولار لحماية هذه الحدود، كذلك تقدم قروضاً لدول المنطقة من خلال البنك الدولي والبنك الآسيوي. على سبيل المثال وفقاً لوزارة المالية اعتباراً من آذار/مارس 2021 بلغت ديون أوزبيكستان للبنك الدولي وحده 3.7 مليار دولار. تدخل أمريكا أيضاً آسيا الوسطى ثقافياً. يتضح هذا من خلال كلمات الاستراتيجية: "يزور الناس في آسيا الوسطى المراكز الأمريكية 1.4 مليون مرة في السنة لتعلم اللغة الإنجليزية والتعرف على الثقافة الأمريكية واكتساب المهارات اللازمة".
وتريد أمريكا إعطاء أوزبيكستان وكازاخستان دوراً رائداً في المنطقة. فيعتقد إيديولوجي مفهوم "آسيا الوسطى الكبرى" ف. ستار أن أمريكا يجب أن تدرك الدور القيادي لأوزبيكستان وكازاخستان. كما تساعد دول آسيا الوسطى أمريكا على الخروج من المستنقع الأفغاني. على سبيل المثال في 11 آب/أغسطس التقى المبعوث الخاص للرئيس ميرزياييف إلى أفغانستان عصمت الله إرغاشيف ونائبة وزير خارجية تركمانستان فيبا خوجييف في قطر مع أحد قادة حركة طالبان الملا عبد الغني باردار. وأعلن ذلك متحدث باسم طالبان.
في آسيا الوسطى أيضاً من المتوقع حدوث مواجهة حادة بين أمريكا والصين في المستقبل القريب. تهتم الصين بالسلام في المنطقة من أجل تنفيذ مشروعها "حزام واحد وطريق واحد". ويمكن لأمريكا أن تحبط المشروع الصيني من خلال تصعيد الحرب الأهلية في أفغانستان وبالتالي إثارة القلق في آسيا الوسطى. يُظهر مسار الأحداث أن أمريكا لديها أيضا خطة لخلق تدفق للاجئين إلى آسيا الوسطى. لأن الأمم المتحدة دعت الدول المجاورة لأفغانستان إلى فتح حدودها أمام اللاجئين.
يحاول الاتحاد الأوروبي أيضاً كسب النفوذ في آسيا الوسطى. حيث يركز الاتحاد الأوروبي بشكل أكبر على غرس وجهات النظر والأفكار الغربية بين الشباب. ولهذه الغاية خصص الاتحاد الأوروبي 9.6 مليون يورو لمبادرة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) والتي سيتم تنفيذها في مناطق مختارة من أوزبيكستان في 2020-2024. كما خصص الاتحاد الأوروبي 134 مليون دولار لمساعدة آسيا الوسطى.
من خلال هذه الديون تربط هذه القوى الاستعمارية البلدان مما يؤدي إلى خراب الاقتصاد وإغراق الناس في الفقر والحرمان. وهذا ما يؤكده الواقع المرير في بلادنا. أي أن الشر فقط يأتي من الكفر! إن النخبة الحاكمة في بلادنا لا تهتم إلا بإرضاء أسيادها المستعمرين والاحتفاظ بعروشها!
على الرغم من أن هذه القوى الاستعمارية تصارع بعضها بعضاً على آسيا الوسطى إلا أنها متحدة ضد الإسلام. هؤلاء المستعمرون قلقون من صحوة الأمة الإسلامية وخاصة المسلمين في آسيا الوسطى؛ لهذا يخصصون ملايين الدولارات لمحاربة الإسلام! لكن الأموال التي ينفقونها ستكون عليهم حسرة.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾
بقلم: الأستاذ إسلام أبو خليل – أوزبيكستان
رأيك في الموضوع