ينتقل لبنان من أزمة إلى أزمة؛ فبعد أن كان الناس في أزمة الدولار، وهبوط قيمة أموالهم، ونهب البنوك لهم، تلتها الأزمة الصحية التي عصفت بلبنان والعالم، ثم فقدان السلع من الأسواق، وصولاً إلى أزمة المحروقات وبخاصةٍ مادة المازوت التي تشكل عصب الحياة للبلد، والتي أدخلت البلد في ظلام دامس، وأوقفت الأفران التي توفر مادة الخبز الأساسية لكل الناس، بل عطلت أو كادت مظاهر الحياة، علاوة على عدم توفير الكهرباء من الدولة إلا بشكل طفيف يصل للصفر في بعض المناطق!
وكلما أتت أزمةٌ ظن الناس أنها أصعب الأزمات، فإذا بالأزمة التي تليها أشد وطأة وأصعب تأثيراً! وأخيراً وليس آخراً أزمة البنزين، التي تراوح بين رفض المركزي توقيع الاعتمادات واحتكار الموزعين وأصحاب المحطات، وبروز سوق سوداء صارت تبيع حتى بسعر أعلى من السعر فيما لو رفع الدعم! وبروز علاقة فاسدي الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان بالتهريب والاحتكار، والذي تجلى واضحاً فيما بات يعرف بكارثة عكار؛ حريقٌ أودى بحياة العشرات، وإصابات بحروق شديدة، نجمت عن مداهمة الجيش لصهاريج مخزنة معدة للتهريب تعود لمحسوبين على التيار الوطني الحر الذي ينتمي له رئيس الجمهورية، الذي يزعم في كل لحظة هو وصهره رئيس التيار محاسبة الفساد والمفسدين!
نعم إنَّ لبنان من الناحية الاقتصادية يعيش أزمةً حقيقيةً؛ أولاً على صعيد فساد المنظومة المتبعة في النظام والمعالجات أساساً والتي أسفرت عن إغراق البلد في ديون تصل إلى قرابة 100 مليار دولار؛ وثانياً فاسدون يقودون دفة نظام فاسد يسيرونه لملء جيوبهم وبطونهم حتى لو عانى الناس البؤس والجوع والذل، لأن هؤلاء ليسوا من صنف الناس، بل يصح فيهم وصف «قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ».
لكن السؤال، هل واقع الأزمة الاقتصادية والفاسدون هما السببان الوحيدان لتفاقم الأزمة في الآونة أو الأيام الأخيرة؟!
إن الواقع الملموس يقول: إنَّ ما يحصل هو ضغوطاتٌ ممنهجةٌ ومدروسةٌ، يتقاذفها فاسدو الطبقة السياسية، لكن لماذا؟!
أولاً: وصولاً لتطبيق ما يسمونه الإصلاحات التي يفرضها صندوق النقد والبنك الدوليين، من أجل إقراض لبنان، والمتمثلة في تعويم العملة، وتحرير السوق، ورفع الدعم عن السلع وبالأخص المحروقات، وخصخصة شركات القطاع العام، وتقليص وظائفه، والتي تجعل البلد - الذي اكتشف فيه النفط والغاز - رهينةً للصندوق والبنك الدوليين، ومن ورائهما الغرب المستعمر عموماً، وأمريكا خصوصاً التي تُحكم قبضتها على القرار السياسي ورجالاته في لبنان من كبيرهم إلى صغيرهم. ومثل هذه السياسات الممنهجة المدروسة توفر الجو المناسب لاستسلام الناس وتسليمهم بما يظنونه قدرهم!
وثانياً: الإلهاء الممنهج بلقمة العيش، وصفيحة البنزين، ورغيف الخبز، وحبة الدواء، وانقطاع التيار الكهربائي عن الناس، في ظل صيف حار يسرق النوم من عيونهم، فترى الإنهاك قد بلغ مبلغه من الناس، فلا يفكرون بشيء إلا تأمين حاجياتهم الأساسية لهم ولعائلاتهم، مما وفر الأجواء المناسبة للسياسيين فعادوا لطرح المحاصصة الطائفية، وتقاذف الوزارات بين فاسدي السلطة، وجلسات تطول وتطول بين ميقاتي وعون. وكل ذلك ولا تكاد تسمع معترضاً على ذلك من عموم الناس، إلا أصواتاً خافتةً أو عاليةً بعض الشيء على وسائل التواصل تملأ الأجواء سباباً ولعناً للسياسيين وأتباعهم، الذين يتكشف فسادهم القاتل - بكل ما في الكلمة من معنى - في كل لحظة؛ لكن على الأرض، الناس منهكةٌ متعبةٌ، صارت أو تكاد تقر بكل توجهات رفع الدعم وما شاكلها، فقط من أجل الخلاص من هذه الضغوطات الخانقة التي دخلت كل بيت، إلا بيوت الطبقة السياسية الفاسدة وأتباعها.
والمتابع يرى كيف أن الأمور ممنهجة، فعلى سبيل المثال، ها هو نقيب أصحاب المولدات يصرخ متحدياً الدولة، أنها بإمكانها تقديم الكهرباء للناس على الأقل لمدة ثماني ساعات يومياً بل أربع عشرة ساعة، وأن مخزون الوقود لتوليد الكهرباء عند الدولة يكفي لشهر أيلول، وهذا يخفف من العبء على المولدات الخاصة ريثما تُحل أزمة المازوت. فلماذا تقنن الدولة في هذا الظرف إلى حد الوصول إلى صفر تغذية كهربائية في بعض المناطق؟! وبواخر المازوت الموجودة على الشواطئ اللبنانية، يماطل المركزي في اعتمادها، حتى يصل الناس إلى عنق الزجاجة، ثم يقوم باعتمادها، بعد أن يتخبط لبنان وأهله في الأزمات! وهذا يتكرر مرات ومرات!
وبتنا نسمع من السياسيين - المحسوبين على الحكم والمعارضين - قولهم: بأن الحل هو برفع الدعم لجعل أسعار السلع أغلى من سوريا، أو باستقدام الشركات الأجنبية لتسيطر على شركات القطاع العام، أو أن الحل الوحيد والسحري هو بيد صندوق النقد الدولي! وهذه التصريحات صارت بشكل علني وواضح؛ أنَّ الطريق للحل هو رفع الدعم، وأمثلهم طريقة يريده تدريجياً!
وفي ظل هذه الأزمة الشديدة الخانقة، التي لا تترك للناس مجالاً للتحرك أو للتفكير الجاد، مما جعل نغمة المحاصصات على الحكم، وتقاسم الوزارات تعود بكل قوة.
إنَّ جرأة هؤلاء على العودة لهذه النغمة بعد ثورة الناس، لم يكن ليكون لولا حالة الناس القاهرة، التي أوجدها هؤلاء الفاسدون لتمرير أجندة أسيادهم تجار النفط والغاز والبشر، ولأجل البقاء لمزيد من الوقت على رأس بلد يرون أنهم ما زالوا قادرين على نهبه.
لذلك نقول: إن الحاصل من أزمات هو سياسةٌ ممنهجةٌ مدروسةٌ توصل الناس إلى ما يريد هؤلاء وأسيادهم! وهو التسليم لهم بالأمر الواقع وبواقعهم، فهل إلى خروجٍ من سبيل؟
- نعم؛ إنه العمل بكل قوة لاجتثاث هذه المنظومة الفاسدة المفسدة من رأسها لأخمص قدميها.
- عدم تضييع القوة في استئساد الناس بعضهم على بعض بل توجيه هذه القوة لتُسقط هؤلاء دون استثناء.
- الصبر والمصابرة فيما بين الناس، فالصبر يكون مع الشدة، يقول الله عز وجل: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾.
- ثم الارتباط بالمخلصين من أبناء لبنان، الذين يربطون عملهم وجهدهم بعمل محيطهم في البلاد الإسلامية، من أجل إخراج لبنان وغيره من عنق الزجاجة التي وضعنا فيها هؤلاء الفاسدون العملاء المستولون على السلطة في بلادنا.
وحتى يأذن الله تعالى بفرجه والذي نراه قريباً بإذن الله، يجب على أهل لبنان المحافظة على مقعدهم في صف الأمة والعاملين لنجاتها، والثبات في بلاد الشام، مع السعي لتغيير الواقع الفاسد، ودوام إعلان رفضه ونبذه.
رأيك في الموضوع