(مترجم)
في 17 من آذار/مارس 2021، عُقد أول حوار أمني في البلاد بعنوان "حوار إسلام أباد الأمني: معاً من أجل أفكار 2021"، تحت رعاية قسم الأمن القومي، وقد تحدث رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، والدكتور مؤيد يوسف، والجنرال باجوا في حفل الافتتاح، عن إعادة تعريف الأمن القومي لباكستان ورسم توجه جديد لباكستان.
وبحسب رأيهم، فإنه يجب على باكستان أن تستغل إمكاناتها الجغرافية الاقتصادية، وأن تتخلى عن الماضي الذي شكلته الصورة الجيوستراتيجية للبلاد والاعتماد المفرط على القوات المسلحة. ويتطلب الانتقال من الأمن المرتكز على الدولة التقليدي إلى الأمن غير التقليدي (البشري) استراتيجية جديدة. وجوهر هذه الاستراتيجية هو الأمن الاقتصادي، الذي من المفترض أن يجلب الازدهار للبلاد من خلال التواصل مع دول الجوار، وشراكات التنمية والسلام الإقليمي.
ومع ذلك، فإنه لا يمكن أن تنجح الاستراتيجيات إلا إذا تم تحديد رؤية الدولة بشكل جيد، وفي هذا الصدد، لا تزال المؤسسات الحكومية مشوشة ومغرمة بالمثل الغربية. لقد تبنى خان شعار "دولة المدينة" لكنه فشل في نقل أي صورة ولو موجزة عن هذه الرؤية! واستخدم خان أيضاً مصطلح "باكستان أولا" الذي يشير إلى انفصالها عن الماضي، رغم أن أفعاله تؤكد ذلك. فهل رؤية خان لباكستان هي لبناء دولة على غرار الخلافة الراشدة أم أنها تتعلق بصفقة سلام مع الهند تمكّن أمريكا والهند من تركيز طاقاتهما الجماعية ضد صعود الصين؟!
إنّ استراتيجية الرؤية السابقة هي إقامة دولة الخلافة الراشدة، التي ستقلب الدولة القومية، وتلغي الدستور، وتطبق الإسلام بشكل شامل، وتسعى إلى توحيد بلاد المسلمين، وتنطلق في اقتصاد للحرب، وتحمل الإسلام إلى العالم. وتُلزم الرؤية الأخيرة تبني استراتيجية تدور حول سياسة خارجية مبتورة، والتهدئة تجاه الهند مع احتمالات السلام بشروط مودي، وسن سياسات ليبرالية جديدة، وخضوع باكستان أكثر لواشنطن للوقوف إلى جانب أمريكا ضد الصين. فهل يبدو هذا السرد مألوفا؟
منذ خمسينات القرن الماضي، كانت استراتيجية باكستان الوحيدة هي تشكيل تحالف مع أمريكا مقابل منافع مادية لم تتحقق أبداً. وتسببت العواقب المؤلمة للعلاقة غير العادلة في إلحاق خسائر فادحة بوحدة أراضي باكستان، وتسببت في تقويض السيادة الاقتصادية والسياسية، وفي تقويض التنمية البشرية. وخلال الحرب الباردة، استخدمت أمريكا باكستان في المواجهة ضد التوسع السوفيتي. وفي الثمانينات، تلاعبت أمريكا في باكستان لإدارة الجهاد الأفغاني الذي أوقع السوفييت في حرب استنزاف أدت إلى هزيمتهم.
وعندما انهار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، تخلّت أمريكا عن باكستان وتركتها تحت رحمة سياسات الأسرة الدولية، ومن خلال تسليم واشنطن لسياسات صندوق النقد والبنك الدوليين. وقد أحدثت مؤسسات بريتون وودز دماراً في الاقتصاد الباكستاني من خلال التطبيق الأعمى للسياسات الليبرالية الجديدة التي فضّلت تراجع التصنيع في البلاد وشجّعت الاعتماد على الواردات الأجنبية، وزرعت بذور عدم التوازن المالي والعجز التجاري، ووقعت باكستان بشكل دائم في شرك الديون.
وبعد 11 أيلول/سبتمبر 2001، اشتبكت واشنطن مع إسلام أباد مرة أخرى، ودفعت باكستان مرة أخرى أثماناً باهظة لدعمها غير المحدود لحرب أمريكا العالمية على الإسلام. وبسبب ذلك فقدت باكستان عمقها الاستراتيجي في أفغانستان وهي الآن محصورة بين عدوين معاديين. وأسلحتها النووية معرّضة للخطر، وأصبحت كشمير أكبر سجن في العالم. والتكاليف الاقتصادية المتكبَّدة مذهلة، ويقدّر أحد التقديرات المتحفظة الخسارة الإجمالية للاقتصاد الباكستاني بمبلغ 100 مليار دولار.
وخلال هذه الفترة، كان جزء كبير من استراتيجية أمريكا يتمثل في استخدام باكستان لكسب الهند إلى مجال نفوذها. بينما في عام 1966، لم تتدخل أمريكا لدعم مصالح باكستان في إعلان طشقند، وظلت واقفة متفرجة في عام 1971، حيث قطّعت الهند أوصال باكستان. وتحت رعاية أمريكية، حرّضت باكستان على الانتفاضة الكشميرية في عام 1989. واستحوذت المقاومة الكشميرية على نسبة كبيرة من القوات المسلحة وأضعفت اقتصاد الهند بشكل كبير، لدرجة أن نيودلهي اضطرت إلى طلب مساعدة صندوق النقد الدولي. وقد مكّن هذا أمريكا من دخول الوسط السياسي الهندي ومهّد إلى صعود حزب بهاراتيا جاناتا الموالي لأمريكا من خلال تآكل شعبية حزب المؤتمر الموالي لبريطانيا في قضايا رئيسية مثل الأمن والاقتصاد. ولمساعدة حزب بهاراتيا جاناتا على الفوز في الانتخابات العامة عام 1999 بأغلبية جيدة، أصدرت أمريكا تعليمات لباكستان بالتخلي عن مكاسبها الاستراتيجية في مرتفعات كارجيل. ولأول مرة في تاريخ السياسة الهندية، خسر حزب المؤتمر مرتين متتاليتين، في عامي 1998 و1999 أمام حزب بهاراتيا جاناتا وحلفائه.
وقد أدى هذا إلى البدء بحقبة جديدة من التعاون بين أمريكا والهند، تقوم على اعتماد أمريكا للهند كوكيل رئيسي لها في شبه القارة الهندية على حساب باكستان، وأدى فشل أمريكا الاستراتيجي في احتواء الصعود المذهل للصين من خلال تدابير مثل محور أوباما لاستراتيجية آسيا وحرب ترامب التجارية، إلى زيادة القيمة الاستراتيجية للهند بشكل كبير وتقليص فائدة باكستان بالنسبة لصانعي السياسة الأمريكية. وتحتاج أمريكا الهند لمواجهة الصين وتريد إنهاء انشغال نيودلهي الأمني بكشمير. وتشير إدارة بايدن إلى "إقليم اتحاد جامو وكشمير" إلى أن أمريكا غير مهتمة بإلغاء مودي للمادة 370 كما طالب عمران خان. ومن المحتمل جداً أن يصبح خط السيطرة الفاصل بين البلدين الحدود الدائمة بين البلدين، وتشير الدلائل المبكرة إلى أن بايدن يريد تقليص التفوق التكنولوجي للصين في مجال الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي، وكذلك التنافس على مشروع (الحزام الواحد والطريق الواحد) الصيني. ويسعى بايدن لكسب الدعم لخطة "الديمقراطيات التقنية"، وهي خطوة جريئة في اتجاه إنشاء نظام تكنولوجي ثنائي القطب. وعلاوة على ذلك، تستكشف أمريكا أيضاً طرقاً لمنافسة مبادرة الحزام والطريق في الصين. وبالطبع لا غنى عن الهند لأمريكا لتنفيذ كلا المخططين، ولكن الحزام والطريق أكبر أهمية، حيث إن معارضة نيودلهي معروفة جيداً. ولهذا السبب، تعمل أمريكا على تأجيج نيران المعارضة في تركستان الشرقية، فهي على الحدود مع الهند وهي طريق البوابة إلى آسيا الوسطى، والهدف من ذلك هو إعاقة مسيرة الحزام والطريق باتجاه الشرق.
إنّ نفوذ أمريكا في أوراسيا على المحك، وفي هذا السياق، فإنه يجب تفسير إعلان باجوا/ خان لاستراتيجية جديدة. وهي استراتيجية ترغب في جعل باكستان مركزاً للنشاط الاقتصادي، والذي يتضمن ربط آسيا الوسطى غير الساحلية بموانئ باكستان الجنوبية في جوادر وكراتشي (الربط من الشمال إلى الجنوب)، وتسهيل التجارة بين الهند وإيران وأفغانستان وما وراءها (الاتصال من الشرق إلى الغرب)، ومن أجل تعزيز التحدي الهندي الأمريكي ضد مبادرة الحزام والطريق الصينية. وستلعب باكستان دور قناة العبور التي تجمع رسوماً ضئيلة، بينما تجني دول أخرى مثل الهند وأمريكا الثروات الهائلة. وهذا هو بالضبط ما أشار إليه السفير الأمريكي السابق مونتر عندما قال خلال الإجراءات "ستزداد أهمية باكستان الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، إذا أصبحت باكستان قوة اقتصادية حديثة" كما يفسّر حماس باجوا لدفن الماضي الجيوسياسي لباكستان والشروع في استراتيجية جيو اقتصادية جديدة لتحصين القوة الاقتصادية والعسكرية للهند، والتي ستعزز من طموحات أمريكا في الهيمنة على الصين.
يجب على المؤسسات الاستراتيجية الباكستانية أن تعارض بقوة أي استراتيجية تدور حول تحقيق الرؤية الاستراتيجية الأمريكية للمنطقة، من خلال تعزيز وإثراء الأصول الاستراتيجية للهند على حساب باكستان. وبدلاً من ذلك، فإنه يجب على المؤسسات الاستراتيجية أن تثق في القدرات الاستراتيجية لباكستان لتحقيق إقامة الخلافة الراشدة التي يريدها الباكستانيون والمسلمون في جميع أنحاء العالم. وبعد كل شيء، ألم تستخدم أمريكا الأصول الاستراتيجية لباكستان لهزيمة السوفييت في أفغانستان، وفي شن الحرب العالمية على الإسلام ودفع الهند نحو فلك أمريكا؟! وتريد أمريكا الآن استغلال الأصول الجيوسياسية والجغرافية الاقتصادية الباكستانية نفسها لبناء منصة قوية للهند، وأمريكا تسعى لإبراز الهند كقوة في قلب أوراسيا ووقف توسع الصين نحو الغرب.
بقلم: الأستاذ عبد المجيد بهاتي – ولاية باكستان
رأيك في الموضوع