ما إن شاع خبر مقتل الفتاة إسراء الغريّب رحمها الله، وقبل أن تتضح معالم الملابسات الجنائية التي أحاطت مقتلها، وبمجرد أن شمّت بعض الجمعيات النسوية في الأرض المباركة وخارجها رائحة أن القتل ربما كان على خلفية شرف العائلة، حتى اشرأبت أعناق القائمين والقائمات على تلك الجمعيات، وبدأ الحشد الخبيث للمضلَّلين والمضلَّلات، للوقوف في وجه دعاة المحافظة على الشرف، والحريصين على سمعة المرأة وعرضها، ليتنفس الحقد الكامن على الإسلام وأهله، في محاولة يائسة للنيل من الشريعة التي تحافظ على قيم المجتمع، وعلى رأسها الشرف والعفة. وظهر ذلك الخبث بصور شتى، وبأعمال متنوعة، فاقت حدود الحدث نفسه أضعافاً كثيرة، وكان من ضمن الفعاليات التي قامت بها تلك الجمعيات المشبوهة، مسيرة نسائية في رام الله رفعت شعاراً خطيراً وخبيثاً يقول نيابة عن المرأة: (جسدي ملكي، ولا أحتاج رقابتك... ولايتك... رعايتك... شرفك)!
فتعالوا بنا نقف عند هذا الشعار، وننظر إليه من منظور إسلامي، لنرى بوضوح مخالفته الصريحة لأحكام الإسلام، وأنه افتراءٌ على الحق والشرع، وأعراف المسلمين المستقرة منذ قرون طويلة وعاداتهم المستقاة من شريعتهم الغراء.
- جسدي ملكي: إن جسد المرأة ليس ملكها، فمالك الجسد هو الله الذي خلقه، ولكنه سبحانه وتعالى قد سمح لصاحبة الجسد بالتصرف فيه أحيانا، ومنعها من التصرف فيه أحياناً أخرى، فمثلاً أجاز لها أن تتبرع ببعض من أعضاء جسدها إذا لم يكن واحدا، بل وأخذ مقابل مالي لقاء هذا التبرع، وأجاز لها أن تتحرك به فتمشي وتتعلم وتبيع وتشتري وتتاجر وتسافر وغير ذلك من التصرفات. ولكنه وضع ضوابط لهذه التصرفات بحيث تتم وفق معايير الاحترام والعفة، والبعد كل البعد عما يمكن أن يشكل خطراً على الأخلاق أو المس بشرفها المقدس. ومنعها الشرع من قتل نفسها، ومن كشف جسدها في الحياة العامة ما عدا الوجه والكفين، ومنعها من التفريط بعرضها سواء أكان ذلك بالكلام أو الخلوة أو السفر المنفرد أو الزنا منعاً باتاً، ورتب على ذلك عقوبات تصل حد القتل. ومنعها من أن تؤجر رحمها للحمل من رجل أجنبي عنها، ومنعها من أن تعمل في وظائف تشكل خطرا على الأخلاق كمضيفة الطيران وما شابهها من وظائف تعرضها لطمع الرجال الأجانب، ومنعها من استلام أي منصب من مناصب الحكم، وجعل شهادتها أحيانا نصف شهادة الرجل، وغير ذلك من الأحكام الشرعية التي أراد الله من المجتمع المسلم والحاكم المسلم وولي المرأة المسلم أن يراعوها حفاظا على هذه الجوهرة الثمينة شقيقة الرجل وقوارير البيوت ومصابيحه. والأدلة على وجوب المحافظة على المرأة أكثر من أن تحصى، وأكتفي بذكر بعضها: قال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. وأخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي e قال: «لا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ أنْ تُسافِرَ مَسِيرَةَ يَومٍ ولَيْلَةٍ ليسَ معها حُرْمَةٌ».
- لا أحتاج رقابتك: ليس الرجل جاسوساً على المرأة يراقبها كما يراقب الجواسيس أهل الريب، وليست المرأة مالاً مملوكاً حتى يتابع ويراقب لسلامة استثماره، بل المرأة أم وربة بيت وعرض يجب أن يصان، ولأن المرأة مظنة الاستغلال من مرضى النفوس وذئاب البشر، ولا تملك قوة الدفاع عن نفسها إن تعرضت لسوء، فإن الرجل هو القوة الضاربة التي تحيطها بسياج المحافظة ضمن معايير الرقابة المشروعة. أخرج الترمذي بسند حسن عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله e: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ».
- ولايتك: لقد قرر الشرع الحنيف مسألة الولاية بشكل واضح لا لبس فيه، فالمرأة يجب أن تبقى دوماً تحت ولاية، قبل الزواج أبوها أو من يقوم مقامه من أرحامها، وبعد الزواج زوجها، وإذا عدم الوالي من أب أو زوج فالقاضي وليها. وتلك مسألة لا يختلف فيها اثنان ولا ينتطح فيها عنزان. أخرج الترمذي بسند حسن عن عائشة رضي الله عنها أن النبي e قال: «أيُّما امرأةٍ نُكحتْ بغيرِ إذنَ وليّها، فنكاحُها باطلٌ، فنكاحُها باطلٌ، فنكاحُها باطلٌ، فإن دخلَ بها، فلهَا المهْرُ بما استحلّ من فرجِها، فإن اشتجروا، فالسلطانُ وليّ من لا وليّ لهُ».
- رعايتك: أما الرعاية فنوعان، رعاية تربوية وأخرى مالية، فالأولى واجبة على الأب وهي له ستر من النار، والثانية واجبة عليه باعتبار مسؤوليته عن الإنفاق عليها قبل زواجها، وواجبة على الزوج بعد زواجها، وليس عليها فرض العمل لكسب الرزق ولو كانت غنية، وليس عليها واجب الإنفاق على أحد حتى نفسها ومتطلبات معيشتها. أخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله e: «مَن كان له ثلاثُ بناتٍ أو ثلاثُ أخَواتٍ أو ابنتانِ أو أُختانِ فأحسَن صُحبتَهنَّ واتَّقى اللهَ فيهنَّ دخَل الجنَّةَ».
- شرفك: ويا لها من كلمة ذات قيمة عالية! وهل أغلى من الشرف في القيم الإنسانية؟ وإذا فقد الإنسان شرفه، فماذا بقي له؟ لعمري إن بطن الأرض خير له من ظهرها. وكما أوجب الشرع على الرجل المحافظة على شرفه، أجاز له القتل دفاعا عنه. ففي حديث المغيرة المتفق عليه أن سعد بن عبادة قال: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك النبي e فقال: «أتعجبون من غيرة سعد؟! لأنا أغير منه، والله أغير مني».
وختاماً أقول: إن الإسلام جعل للمرأة مكانة عالية في المجتمع، وحافظ على كيانها وشرفها وعرضها محافظةً تامة، وأحاط ذلك بسياجٍ من الأحكام الشرعية، وأناط تطبيق بعضها بوليها، وأناط البعض الآخر بالحاكم. فإن وجد الحاكم الذي يحكم بشرع الله فالمرأة في أمن وأمان، وإن غاب فإنها تصبح سلعة رخيصة، يتقاذفها تجار الأعراض في بحر لجّي من الدناءة والخسة والنذالة والسعي وراء المتع الرذيلة. فبالإسلام فقط تهنأ المرأة بالعيش الكريم، وبدولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة فقط ستنال المرأة حقوقها وتعيش كرامتها، وبالخلافة فقط سينصع طيب المجتمع من جديد في كل مناحي الحياة، بعد أن أسن وأفن تحت حكم الرأسمالية التي أهانت المرأة إهانة غير مسبوقة، وتسببت في شقائها وشقاء العالم أجمع.
ونقول للجمعيات النسوية في بلاد المسلمين: أنتم كيانات دخيلة على ديننا ومجتمعنا، وما أوجدكم إلا ذئاب الرأسمالية البشعة، فخير لكم أن تثوبوا إلى رشدكم، وتعودوا إلى حضن أمتكم، واتركوا عنكم هذه الترهات التي لا تجلب عليكم إلا العار والشنار، من قبل أن يأتي عليكم يوم لا مرد له من الله، يومئذ يتبرأ منكم الذين أوجدوكم والذين اتبعوكم، ﴿وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾.
رأيك في الموضوع