يواجه البشير منذ 19/12/2018م موجة احتجاجات تعد الأطول والأقوى منذ تربعه على سدة الحكم منذ 30 عاماً، بدأت في شكل غضب على التردي الاقتصادي لكنها سرعان ما تحولت إلى مطالبات بتنحيه هو ونظامه عن سدة الحكم، وما زالت الاحتجاجات تتواصل هنا وهناك في مدن السودان.
صحيح أن حدة التظاهرات قد خفت، نتيجة لبعض العوامل، فالشعارات فضفاضة وغير واضحة، مع عدم وجود هدف واحد يوحد المتظاهرين، ومحاولة بعض العلمانيين الحديث حول فصل الدين بعد سقوط النظام.
إن الشعارات الفضفاضة التي يرددها الشباب مثل (حرية، سلام، عدالة) ليس لها فهم معين، فما هي الحرية التي يقصدون؟ وكيف تتحقق؟ وما رأي الإسلام في هذه الحرية التي ينادون بها، هل هي ضد العبودية؟ أم هي ذات الحرية الغربية مثل حرية العقيدة والردة وعدم تطبيق الحدود، والحرية الشخصية حرية العهر والدعارة، أم حرية الرأي وسب الدين وسب الذات الإلهية؟ لذلك كان لا بد من طرح شعارات حقيقية واضحة بدلاً من شعارات فضفاضة حمالة أوجه تتوافق مع الحلول التي لا تريد الإسلام ولا أحكامه، فالإسلام غني بكلمات ومصطلحات لها معانٍ شرعية تغني عن الكلمات الموبوءة، إذ إن الإسلام قد وضح كل شيء وفصله وبينه كما قال الله تعالى لنبيه الكريم e: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾.
لذا من الأمور التي يجب إدراكها والوعي عليها هي محاولة البعض حرف الثورة عن مسارها، ويظهر ذلك فيما أُثير عن فصل الدين عن الحكم والسياسة، فقد نشر موقع كوش نيوز بتاريخ 14 شباط/فبراير 2019م (شدد ممثل تجمع المهنيين السودانيين، د. محمد يوسف المصطفى، على أهمية حسم قضايا الأخطاء التاريخية وعلاقة الدين بالدولة، وقال إن الدين موروث أساسي للسودانيين، لذلك لا نقول فصل الدين عن الدولة أو العلمانية، إنما تحرير الدين من الدولة منعاً لاستغلاله وحتى يؤدي دوره في المجتمع). وهذا الخط بلا شك يؤدي إلى إضعاف الثورة أو انحرافها، فحكومة البشير علمانية منذ مجيئها بانقلاب 1989م، وقد رفعت بعض شعارات الإسلام دغدغت بها مشاعر المسلمين في السودان لتكسب شرعية للبقاء في الحكم، ولكن سرعان ما انكشفت للناس حقيقة هذا النظام الذي منع وزير إرشاده الحديث بالإسلام في الأسواق والأماكن العامة، وقد عزلت الحكومة عدداً كبيراً من أئمة المساجد التي تصدع منابرها بالحق، فنظام الإنقاذ في السودان هو نظام علماني؛ ففي الحكم يطبق النظام الجمهوري الديمقراطي، وفي الاقتصاد يطبق روشتات صندوق النقد والبنك الدوليين، هذا فضلاً عن تحليل الربا وإجازته في البرلمان مراراً وتكراراً، وفي مجال الاجتماع فإن كثيراً من نقاط سيداو مطبقة فعلياً في الحياة العامة، يظهر ذلك في صالات الأفراح والحدائق العامة، وقد تبرأت الحكومة مما يسمى بقانون النظام العام الذي هو في الأصل لم يكن إسلاماً، وإنما كانت بعض الأحكام التي وضعت بهوى الحكام وأمزجتهم، وليس باعتبارها أحكاماً شرعية تؤخذ بالدليل الشرعي، لذلك عندما هاجمت السفارة الأمريكية مادة الزي الفاضح خضعت لها الحكومة وبدأت في التغيير والتبديل، أما في الإسلام فلا تبديل لحكم شرعي كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً﴾.
أما محاولة بعض القيادات في المعارضة تدويل الحراك كعادة هذه القوى المرتبطة بالمستعمرين، فالحكومة من جهة تواصل حواراتها مع أمريكا فيما يسمى (بخمسة + واحد) والمعارضة تتوسل إلى أوروبا التدخل لمساعدتها للإطاحة بالنظام، فقد التقى وفد من المعارضة بالمشرع البريطاني اللورد التون رئيس سابق للجماعة البرلمانية عن السودان وجنوب السودان في 14/2/2019م،، وقبله التقى مسؤول العلاقات الخارجية بتحالف "نداء السودان" بالمبعوث البريطاني الخاص للسودان وجنوب السودان كريس تروت، وقال رئيس الوفد إنهم يأملون أن تعزز بريطانيا وفرنسا تشكيل لجنة تحقيق دولية بشأن قتل المحتجين خلال الدورة العادية الأربعين القادمة لمجلس حقوق الإنسان والتي ستبدأ في 25 شباط/فبراير. (نقلاً عن سودان تريبيون السبت 16/2/2019م).
وأما الأسباب التي خرج الناس من أجلها فما زالت موجودة؛ فما زالت صفوف الناس أمام محطات الوقود، والبنوك والمصارف، وأمام المخابز، مع غلاء الأسعار، وتواصل انهيار الجنيه، ليصل سبعين جنيها مقابل الدولار في المعاملات النقدية، وبالشيك وصل 83 جنيها للدولار. فأسباب الثورة قائمة ولكن عدم وضوح الهدف الذي يجتمع حوله الثائرون، وتدخل بعض العلمانيين لمحاولة إقصاء الدين عن الحراك برغم أنه محرك أساسي لأهل السودان، فهذه المسائل تحتاج إلى وضوح وبيان، لتكون الثورة محصنة وواعية، وواضحة المعالم للناس، فلا بد أن تكون هناك فكرة يجتمع حولها الثائرون ويضحون من أجلها.
ولأن أهل السودان مسلمون فإن الفكرة الوحيدة التي تجمعهم هي الإسلام وأحكامه وشريعته السمحة، مع العلم أن حكومة البشير هي حكومة علمانية قبيحة، فصلت الدين عن الحكم، وحاربت مظاهر الإسلام، بمنع الأحاديث العامة في الأسواق والميادين، وحظرت الندوات في القاعات، وكان آخرها المهرجان الخطابي الحاشد الذي كان للعلماء والقيادات الإسلامية وأئمة المساجد الذي كان بعنوان: (مستقبل السودان بين العلمانية والشريعة الإسلامية) حيث كان في الأصل أن يكون في قاعة الشهيد الزبير فمنعته الحكومة، لتؤكد حربها للإسلام تماهياً مع الأجندة الأمريكية فيما يسمى بالحرب على الإسلام باسم (الإرهاب)، فتم تحويله إلى ساحة مكتب حزب التحرير/ ولاية السودان، واحتشد فيه العلماء والقيادات الإسلامية وعامة الناس وقدمت فيه كلمات طيبة قوية تجتمع على فرضية الخلافة وأهميتها ووجوب العمل لها، فوجود فكرة واضحة المعالم يجتمع حولها الثائرون، أمر مهم وأساسي، كما هي الصلاة التي عندما يؤذن الأذان يجتمع كل المسلمين في بيوت الله، ويؤدون الحركات والأقوال ذاتها بشكل منتظم بديع؛ لا يخرج عن ترتيبه أحد؛ لأنها فكرة واضحة المعالم. وكذلك الثورة لا بد أن تكون الفكرة التي يجتمع حولها الثائرون فكرة واضحة، مثل إزالة النظام الجمهوري الديمقراطي، وإقامة نظام الإسلام، عبر دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. فهذا يفضح النظام الحاكم، ويفوِّت الفرصة على سارقي الثورات من المستعمرين وأعوانهم في بلادنا ويجعل الثوار واعين على مطالبهم وأهدافهم.
بقلم: الأستاذ محمد جامع (أبو أيمن)
مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع