سنة الله عز وجل في الأرض أن تعيش البشرية في أزمان وعصور وأيام وسنين تتقلب وتتغير الأوضاع والأمم فيها حتى تلقى الله سبحانه، قال تعالى في سورة الانشقاق عن تبدل الأحوال والأمور على البشر وصيرورتهم إلى الآخرة بعد الأولى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ﴾.
فلكل عصر ماضيه الذي يصبح جزءاً من تاريخ البشرية، وحاضره الذي يعايشه البشر بأنظمته ومستقبله وتمضي الأيام وتسير إلى نهاية محسومة ويبقى للإنسان ما عمل وما نفع به زمنه وقومه، فالله تعالى لم يخلق الإنسان سدىً بل هيأ له سُبل الهداية بنور الوحي في القرآن الكريم وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام. والعبرة بمن اتعظ فلا بد للمسلم أن يطلع ويقرأ ويفهم الإسلام من كتب الثقافة الإسلامية ليكتسب الوعي المطلوب ليفهم حقيقة الحقبة الزمنية التي خلقه الله تعالى فيها وليفهم معنى عيشه وما يدور في العالم بالنسبة لحاضر البشرية وماضيها وكيف سيكون شكل المستقبل حيث إن الحقيقة الثابتة، ومنذ أن خلق سيدنا آدم عليه السلام، هي سنة كونية أخرى من سنن رب العالمين ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحال البشر؛ ألا وهي سنة الصراع بين الحق والباطل، فقد جعل الله تعالى الإنسان خليفته في الأرض وسجد لسيدنا آدم عليه السلام الملائكةُ إلا إبليس اللعين الذي فسق عن أمر ربه!
قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾.
ومنذ بزوغ فجر الإسلام أصبح هذا الصراع صراعاً فكرياً بين أهل الإسلام وأهل الكفر، قال تعالى في سورة محمد: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ﴾.
فالمسلمون هم من حملوا أمانة الله ورسوله وهم من قبلوا برسالة رب العالمين وطبقوا شرعه وعاشوا مطمئنين حين كان الإسلام مرجعهم وكانت حياتهم حياة إسلامية وكانت معالجاتهم وتنظيمهم لأمور دنياهم تسير على أساس العقيدة الإسلامية وبنظام الإسلام وعلى طريقة ومنهج رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي أقام الدولة الإسلامية الأولى في العالم في المدينة المنورة، دولة الخلافة الراشدة، حتى ظهر الحق وساد العالم، وكان الحكم بالإسلام سيد الموقف واحتمى الناس - مسلمهم وكافرهم - بدولته القوية ذات العصر الذهبي الذي تنعمت فيه البشرية وسطرت به أروع تاريخ في العالم، فكان واقع الناس وماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم جميلاً لطيفاً بعدل رب العالمين، فكانت هذه الحقبة من الزمن في تاريخ العالم هي حقبة عكست معنى سنة الاستخلاف الحقيقي للإنسان على الأرض وظهور الحق وانحدار الباطل، والسبب في ذلك أن كفة الصراع الفكري مالت إلى الحق حين سادت الأفكار والمفاهيم الإسلامية المجتمعات وكانت أوامر الله تعالى ونواهيه هي القوانين والدساتير النافذة في الدولة وأجهزتها، وعاش المسلمون وغير المسلمين، وكانت حقبة الحكم النبوي ومن بعده الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين ثم الخلفاء الذين ساروا على النهج ذاته، فكانت أحوال البشر مستقرة إلا من الصراعات البشرية على الحكم وسوء تطبيق الشرع في ملك عضوض. ووصلنا اليوم إلى عصر الملك الجبري عندما شن الغرب الكافر حرباً استعمارية فكرية شرسة على المسلمين وغزت الثقافة الغربية عقول المسلمين وأبنائهم بأفكار الكفر وهدموا دولة الخلافة الراشدة في الثامن والعشرين من رجب الخير منذ مائة عام بأيدي الخونة الظالمين وانحرف مسار البشرية من جديد ليرجع الزمن إلى ما قبل الإسلام إلى عصر الجاهلية وواقعه الفاسد الذي تعيشه البشرية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً فانحطت البشرية حين تخلوا عن واجبهم في الالتزام بأوامر الله تعالى ونواهيه ولم يجدوا دولة تقوم برعاية شؤون الناس بالإسلام أو تنشره بالجهاد، لكن هذا العصر على وشك النهاية وعودة الخلافة لتصحيح مسار البشرية وعد من الله وبشرى رسوله e والعمل لتحقيق ذلك فرض على جميع المسلمين، فإن أردنا لمبدأ الإسلام أن يعمل فلا بد له أن يحكم والحق هو المنتصر.
فالإسلام هو الحل ودولة الخلافة الراشدة هي قوته الكامنة والقادمة، وجميع البشر يتوقون إليها لتغيير واقعهم الفاسد، ولمسنا ذلك من الثورات العارمة حول العالم، وعلى الأمة الإسلامية حمل أمانة الاستخلاف بالعمل لتحكيم شرع الله مرة أخرى، وهذه هي الحقبة الزمنية التي ستدخل فيها البشرية بعد عصر الملك الجبري فلننصر الإسلام لينصرنا الله تعالى.
قال تعالى في سورة النور: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
قال رسول الله e: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةٍ. ثُمَّ سَكَتَ». رواه أحمد.
قال تعالى في سورة الحج: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾.
بقلم: الأستاذة غادة محمد حمدي
رأيك في الموضوع