لا يخفى على عاقل ما يمر به العالم اليوم من واقع فاسد ومصائب وأزمات لا حصر لها تعصف بالمسلمين في الشرق وفي الغرب وفي كل مكان، حتى بات الظلم والقهر والعجز سمة هذه السنوات العجاف، قرابة المئة عام بغياب دولة الإسلام التي أهدت البشرية عصرها الذهبي الذي لم يذق منه البشر إلا العدل والكرامة والعزة والعفة، أما اليوم فالواقع بقيادة الغرب وأمريكا أشبه بالمرض المزمن؛ وما أصعب الحياة اليومية في ظل هذه الظروف التي قهرت جميع البشر بمختلف عقائدهم وأعراقهم، ليأتي زبانية الإعلام ويروجوا للمظلومين عن الاحتفال بعيدٍ هنا أو هناك كأنه لا توجد معاناة في هذا العالم! فما هي حقيقة العيد الذي يُعرف بعيد الأم؟! فهل تحدث الإعلام عن هذا العيد قاصداً أمهات الشهداء في الشام وفلسطين وبورما وأوزبيكستان ومصر والسودان والعراق؟ هذه البلاد التي ترزح تحت ظلم الطواغيت وتعاني الأمهات فيها من إعدام أبنائهن ومن الاعتقالات والتعذيب! فعن أي أم يتحدث هذا العيد؟ وبمن يحتفل؟ أيحتفل بالأمهات الأرامل والمطلقات وأمهات الأيتام المتسولات والمهجرات المشردات واللاجئات والمعتقلات اللاتي يغتصبن وتُمتهن كرامتهن يوميا في سجون الطواغيت عملاء الاستعمار الغربي في بلاد المسلمين؟! أم تراه يحتفل بالأمهات المعنفات ضحايا العنصرية والنظرة الدونية في الغرب أو اللاتي تركهن أبناؤهن في دور العجزة وتركهن الأزواج أو الشركاء لأنهن مجرد خليلات للاستخدام والترك كما يحلو لهم وأصبحن مسؤولات عن الإنفاق على أسرهن بحجة المساواة بين الرجل والمرأة؟! أم تراه يحتفل برجل مثلي شاذ جعل من نفسه (أماً)؟!! أفليس الاحتفال بعيد الأم خاصاً بفئة مترفة ويتجاهل الأمهات المكلومات اللاتي يحتجن إلى حلول لمشاكلهن المستعصية الحقيقية؟!
على المسلمين أن يعوا جيدا حقيقة هذه الأعياد التي لا تعدو أن تكون ذراً للملح على الجروح النازفة لإيلامها ليس إلا! فهذا العيد وأي عيد يخرج من رحم الغرب الكافر هو عيد مشبوه بالنسبة للمسلمين، عيد مسخرة عند الحكام الطواغيت كما حصل في مصر وفازت راقصة ساقطة بلقب "الأم المثالية"!
وهذا العيد معروف، وهو عيد خاص بحياة الغرب فلقد "ظهر الاحتفال بعيد الأم أو يوم الأم (Mother's Day) في مطلع القرن العشرين، ويحتفل به في بعض الدول لتكريم الأمهات والأمومة ورابطة الأم بأبنائها وتأثير الأمهات على المجتمع. ويختلف تاريخ الاحتفال بعيد الأم من دولة لأخرى، فمثلا في العالم العربي يكون في اليوم الأول من فصل الربيع (أي 21 آذار/مارس)، أما في النرويج فيحتفل به في الثاني من شباط/فبراير، وفي الأرجنتين في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر". (روسيا اليوم)
إن عيد الأم هذا هو من إفرازات المبدأ الرأسمالي الذي جعل كل فرد ممن يعتنقونه لا يفكر إلا بنفسه ولا يهتم إلا بمصلحته، حتى تنكروا لعلاقة القرابة وتقطعت بينهم صلات الرحم، وألقيت الأمهات في دور المسنين التي هي أيضا من إفرازات وترقيعات الرأسمالية، فأوجدوا هذا اليوم ليتذكر أحدهم أمه ولو في السنة مرة، وكيف يتحدث عن الأم من لا يعرف معنى المرأة ومعنى مكانة المرأة؟! فهل المرأة الغربية سعيدة لتكون الأم في الغرب سعيدة؟ بل قلل الغرب الكافر من شأن الأم ودورها وأراد للمرأة أن تصبح أماً متخلفة ورجعية مع أنه، على بساطته، دور أساسي وعظيم ومصيري، فالأم مربية الأجيال والقادة. والأم المسلمة تعاني من حرب وهجوم ثقافي فكري شديد يُراد به أن تصبح مثل المرأة الغربية وأن تتخلى عن دورها العظيم وتخرج إلى سوق العمل، ثم تنتظر هذه الأم يوما واحدا في كل السنة لتمنح التقدير؟! أي ظلم هذا وأي قهر؟! فالقوانين الوضعية والمحاكم العلمانية في بلاد المسلمين تظلم المرأة، فالاحتفال الحقيقي للأم هو بتغيير هذه المنظومة الفاسدة.
نعم يجب أن تُقدر الأمهات ويجب أن يُحترمن، وتكريم الأمهات ضاربٌ في التاريخ لكنه اليوم تكريم مزيف على الطراز الغربي الفاشل السطحي وليس على أساس صحيح، ويجب أن يكون للمسلمين على أساس العقيدة الإسلامية والأحكام الشرعية، فالعواطف وحب الأم ليست تجارة مادية سنوية تزداد بها مبيعات الهدايا في ذلك اليوم! وقبله عيد الفلانتاين وعيد العمال وعيد الأب وعيد الحيوانات... وعيد.. وعيد.. مدعين معرفتهم بهذه العلاقة المقدسة بين الأم وأولادها وبين المرأة أساساً والمجتمع وبينها وبين النظام الحاكم! فلا يمكن أن يستمر الحال على ما هو عليه بالنسبة للمرأة والأم في هذا العالم البائس الذي تحكمه الرأسمالية الغربية اليوم! إذ يمر هذا "العيد" سنوياً ولم تحل مشكلة واحدة من المشاكل الحقيقية المصيرية التي تواجه الأمهات! فالأم في كل مكان هي حضن دافئ، وهي من تُشكل شخصيات رجال ونساء المستقبل، وبوعيها وحكمتها تستنير العقول... فيجب على الدولة والمجتمع أن يعينوها على القيام بدورها على أكمل وجه وأن يوفروا لها الأمن والأمان والطمأنينة والسعادة، حتى تكبر ويحملها أبناؤها ويحترمها المجتمع وتؤدى حقوقها الشرعية الكاملة!
إن ما تحتاجه المرأة عامة وما تحتاجه الأمهات خاصة في يومنا هذا هو تطبيق نظام الإسلام الذي حفظها وحفظ أبناءها بالعدل ووفر لها الحماية والكرامة وهيأ لها حياة إسلامية عزيزة لم يحصل فيها أن زادت معدلات الجريمة والاغتصابات والاعتقالات والقتل والـتهجير والإبادة! كانت تعيش الأم في مجتمع يحترمها ويحمي أولادها وتعيش في ظل دولة يعلمها دينها وأحكامه الشرعية، وتعلم زوجها أن يصونها ويكرمها، وتعيش في ظل نظام يوفر لها نفقاتها بحيث لا تحتاج إلى التسول ولا يتشرد أطفالها! وفّر الإسلام للأم الاكتفاء المادي والعاطفي. وما تحتاج إليه اليوم هو تطبيق الإسلام الذي جعل كل يوم من أيام العمر هو يوم المرأة حين جعل الجنة تحت أقدام الأمهات...
إن أغلى هدية على الإطلاق تحتاج إليها كل الأمهات من مختلف الأعمار هي أن يعمل المسلمون بجد واجتهاد لاستعادة عز ومجد الإسلام والتخلص من الأنظمة الظالمة التي حولت حياة الناس إلى حياة شقاء، ثم إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة لترتاح الأمهات ويسعدن بتطبيق الإسلام في كافة أنظمة الحياة، ويكفي الأم شرفاً أن (جاء رجل إلى رسول الله e فقال: إني أشتهي الجهاد، ولا أقدر عليه. فقال: هل بقي من والديك أحد؟ قال: أمي. قال: فاسأل الله في برها، فإذا فعلتَ ذلك فأنت حاجٌّ ومعتمر ومجاهد). حديث صحيح.
بقلم: الأستاذة غادة محمد حمدي
رأيك في الموضوع