المسلمون! بين مُطبل لا يفهم ومُضَلَّل لا يفقه ومخدوع لا يسمع ومستفيد لا يشبع! هذه حالة الأمة اليوم وهي تدفع ثمناً باهظاً في كل مرة يتولى هؤلاء مناصب سياسية قيادية يتحكمون من خلالها بمصائر عامة الناس الذين ينجرّون خلفهم بدون تفكير لتحل السذاجة والسطحية وعدم الجدية مكان الوعي الصحيح والحكمة وتحمُّل المسؤولية الشرعية في التعامل مع قضايا الأمة المصيرية! وذلك لأن المسلمين لا زالوا يعانون من تأثير الغزو الفكري الغربي الذي استعمر تفكيرهم ولوثها بأفكار الثقافة الغربية الاستعمارية الكافرة منذ قرن مضى، وأبعد عن عقولهم وقلوبهم أفكار الإسلام وعقيدته ومفاهيمه السمحة التي تجعلهم يفكرون بالطريقة الصحيحة، ويتخذون من هذا الدين العظيم نظام حياة كاملاً شاملاً كما أراده الله تعالى أن يكون. فالسياسة في الإسلام رعاية شؤون وعدل بين الناس وحقوق وواجبات والقيام بمسؤوليات شرعية محسومة ومعروفة، من يُفرط فيها يُحاسب، فالحاكم والمحكوم يخضعان لحاكمية الله تعالى المطلقة وسيادة شرعه وإرضائه سبحانه وتعالى.
إن ما تمر به الأمة اليوم في كل بلاد المسلمين شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً يكمن سببه في أنهم يتبعون قادة علمانيين تفوح منهم رائحة النفاق والمصلحة ويعومون على عوم الغرب الكافر الاستعماري ولا يعرفون من السياسة غير أنها لعبة الكراسي والتنافس على إرضاء الطواغيت واقتسام السلطة معهم، وهذا بات معلوماً للجميع خصوصاً بعد اندلاع الثورات ثم سرقتها، فكلما قامت ثورة وارتقى شهداء وسُفكت الدماء الطاهرة، احتوتها أمريكا والقوى الغربية واختزلتها في مفاوضات واتفاقيات وهمية بين "ممثلي الشعب الثائر" وبين "رموز النظام الساقط" ويرجع النظام العميل للغرب نفسه كما كان مرة أخرى! فحال الثورات في بلاد المسلمين كمن "يخرج من الباب ليرجع من الشباك"، ويُصاب الناس بالإحباط لفشل عملية التغيير بينما هم من فرطوا في ثورتهم وقبلوا بمسميات قبيحة علمانية لنظام الحكم كالدولة المدنية العلمانية أو دولة القانون بحجة تحقيق الحريات (وهي في الحقيقة الانحلال والفواحش) والأمن (وهو في الواقع حكم الناس بالقمع وقوة الحديد والنار) والعدالة (وفي الحقيقة ساد الظلم بالقوانين الوضعية وأصبح الغالب) بتطبيق الديمقراطية والرأسمالية الغربية الفاشلة التي أتعست البشرية وأفسدت الناس وأذلتهم باتباع شهواتهم وتاجرت باحتياجاتهم (بينما حصرت الإسلام في العبادات فقط) لأنها ببساطة من وضع أهل الكفر، فتاه الناس وأصبحوا أقرب للكفر منهم للإيمان!
وفي خضم كل هذه الأحداث الجسام هناك صوت عالٍ واعٍ يصدع بالحق تحاربه الأنظمة الحاكمة ويتجاهله الإعلام ويُعتم عليه حتى لا يصل للناس لإنقاذهم من براثن أهل الكفر والظلم والنفاق، هؤلاء المخلصون ومنهم حملة الدعوة في حزب التحرير الذين ظلوا يدعون إلى الحكم بما أنزل الله ويحفرون بأظافرهم الصخر بصبر وثبات في سبيل الإسلام ويقدمون التضحيات الكبيرة حتى تُفتح بينهم وبين أمتهم الأبواب لتنهض من كبوتها، هم سياسيون يعملون لاستئناف الحياة الإسلامية من جديد بإقامة دولة المسلمين، دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، يكشفون للمسلمين المؤامرات الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تُحاك ضدهم، لقتلهم وانتهاك أعراضهم وإفقارهم واحتلال بلادهم ونهب ثرواتهم، والأهم تُحاك لتجهيلهم بدينهم وتمييع ثقافتهم الإسلامية ليتخذوا من حياة الكفر منهجاً لهم وتبقى السيطرة للكفار على المسلمين على كل الأصعدة الحياتية. وهذه معادلة خاطئة لا تقبلها السنن الكونية ولا الموازين الربانية فالإسلام جاء ليسود وليعلو الحق فوق الباطل ويدمغه ويحكمه وليس العكس! هذه المعادلة غير مقبولة وعلى المسلمين الاستماع لصوت الحق الذي يذكرهم بآيات الله وكلام رسول الله e واختيارهم قادة وناطقين رسميين لهم.
هكذا فقط ستنجو الأمة من كيد المنافقين وإرهاب الظالمين فإن لم تلجأ الأمة للصالحين لتقلب الطاولة وتصحح المعادلة والقيام بتحمُّل مسؤوليتهم الشرعية في التغيير ورجوعهم للمطالبة بتطبيق منهج الإسلام وأنظمته وتنقيته من كل شوائب الكفر بالتزام الحكم الشرعي تجاه كل القضايا والقيام بفرض محاسبة الحكام والنهي عن المنكر والأمر بالمعروف على طريقة رسول الله e لتغيير الواقع بمنتهى الجدية حتى تُحل قضاياهم المصيرية، إن لم يقوموا بدورهم كانوا معرّضين للعذاب الشديد ومعرضين بإعراضهم عن الحق أن يختم الله على عقولهم وقلوبهم باستمرارهم في اتباع أنظمة الكفر والركون إلى الظالمين والسكوت عن غياب الحكم بما أنزل الله تعالى وإقصاء حملة المنهج القويم عن إيجاد الحلول الناجعة على أساس العقيدة الإسلامية لقضايا الأمة الإسلامية: قال سُبحانَه: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾. [الجاثية: 23]. وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً﴾. [الكهف: 57].
"القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً﴾. يقول عزّ ذكره: وأي الناس أوضع للإعراض والصدّ في غير موضعهما ممن ذكره بآياته وحججه، فدله بها على سبيل الرشاد، وهداه بها إلى طريق النجاة، فأعرض عن آياته وأدلته التي في استدلاله بها الوصول إلى الخلاص من الهلاك ﴿وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ يقول: ونسي ما أسلف من الذنوب المهلكة فلم يتب، ولم ينب. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾: أي نسي ما سلف من الذنوب. وقوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾ يقول تعالى ذكره: إنا جعلنا على قلوب هؤلاء الذين يعرضون عن آيات الله إذا ذكروا بها أغطية لئلا يفقهوه، لأن المعنى أن يفقهوا ما ذكروا به، وقوله: ﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً﴾ يقول: في آذانهم ثقلا لئلا يسمعوه ﴿وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى﴾ يقول عزّ ذكره لنبيه محمد e: وَإنْ تَدْعُ يا مُحَمَّد هؤلاء المعرضين عن آيات الله عند التذكير بها إلى الاستقامة على محجة الحق والإيمان بالله، وما جئتهم به من عند ربك ﴿فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً﴾ يقول: فلن يستقيموا إذا أبدا على الحقّ، ولن يؤمنوا بما دعوتهم إليه، لأن الله قد طبع على قلوبهم، وسمعهم وأبصارهم." (تفسير الطبري).
على المسلمين من العلماء ومن عامة المسلمين إعانة حملة الدعوة المخلصين بدون تردد أو خوف أو حرج والوقوف في صفهم وإعلاء صوتهم ويجب على أهل القوة والمنعة من الجيوش نصرة دعوتهم والعمل معهم في سبيل إعلاء كلمة الله ولإسقاط حكم الطواغيت، فهذا العمل هو تكملة ما توصلت إليه الأمة من وعي على مطالبها بعد الثورات وتحقيق النجاح الحقيقي بالتغيير الانقلابي الشامل والانسلاخ من أفكار الكفر؛ الوطنيات التي تقسم الأمة وسيطرة الغرب الكافر المستعمر على السياسة والاقتصاد والإعلام والقوانين والدساتير المطبقة في بلاد المسلمين؛ وذلك بجعل الحكم بيد من سيحكم بما أنزل الله ومن يسير على درب رسوله e، فالإسلام هو المرجع وعقيدته هي من ستوحد المسلمين وستُفشل مساعي الخائنين: قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً﴾. [النساء: 105].
فالالتزام بشرع الله والمطالبة بتطبيقه ليس تشددا أو تطرفا أو إرهابا، بل هو عمل المؤمنين للاستخلاف في الأرض بعد مرحلة الحكم الجبري الظالم التي أوشكت على الأفول، لكن يقوم بإحيائها المنافقون والكفار وتجار الثورات وسارقوها!
روى الإمام أحمد عن النعمان بن البشير رضي الله عنه أن رسول الله e قال: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضاً، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ الله أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيّاً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثمَّ سَكَتَ». رواه أحمد.
فيا أيها الذين آمنوا ما منعكم أن تطالبوا بالحاكمية المطلقة لله رب العالمين بالعمل لإقامة دولة الخلافة الراشدة دولتكم التي بها ترعى شؤونكم وتُحفظ عقيدتكم وتنهضون بفكر الإسلام ووعيه فيرضى عنكم رب العالمين وتفوزون في الدنيا والآخرة؟!
بقلم: الأستاذة غادة محمد حمدي – ولاية السودان
رأيك في الموضوع