لقد تحدثنا في الحلقة السابقة عن التناقضات والانحرافات التي مرت بها حركة النهضة عبر ثماني سنوات مضت؛ من بداية الثورة. وإننا من باب الغيرة على دين الله، والحرص على مصالح الأمة وكيانها نذكر بالحقائق التالية:
الحقيقة الأولى: لقد أرشدنا ربنا عز وجل أن سبب الرفعة والنهضة الصحيحة، والغنى وبحبوحة العيش، والأمن والأمان هو بالإسلام، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الأنفال: 29] وقال سبحانه: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً﴾ [نوح: 10-12] وقال جل جلاله: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف: 96]. وإن الأمة تتنكب طريقها؛ إن هي ابتعدت عن درب ربها عز وجل. قال تعالى: ﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً﴾ [الطلاق: 8-10]. وإن تونس وغيرها من بلاد عاشت تحت جناح الخلافة سنوات طويلة فنهضت وسمت، حتى صارت تطاول الثريا في كل المجالات.
الحقيقة الثانية: لقد عاشت بعض بلاد المسلمين في فترات من التاريخ بعيدة عن دين الله عز وجل؛ فأصابها ما أصابها مما نحن فيه اليوم؛ من فرقة وتمزق وفقر، وتناحر وتقاطع وتدابر. وذلك مثل الفترة التي سبقت القائد العظيم موسى بن نصير، وقائده طارق بن زياد، والقائد العظيم أبو بكر بن عمر، وقائده يوسف بن تاشفين. وما لبثت الأمة أن نهضت مرة أخرى، ووقفت على أقدامها أمام كل التحديات. وفي هذا عبرة لنا في بلاد المغرب الإسلامي؛ حيث إن كثيرا مما أصاب من سبقنا في تلك الفترة يصيبنا، ولا طريق لنا للخلاص إلا بالطريق الأصيل نفسه؛ الذي سار فيه أسلافنا رحمهم الله ورضي عنهم.
الحقيقة الثالثة: إن بلاد المسلمين اليوم بشكل عام، وبلاد المغرب ومنها تونس بشكل خاص، تعيش بُعداً عن الله عز وجل. والسبب هو تبعية حكامها للدول الكافرة، وتطبيقهم لأنظمة مخالفة لدين الأمة ومبدئها؛ وبُعد الكثير من الحركات الإسلامية العاملة في بلاد المسلمين عن دينها القويم، وانخراطها في علمانية الواقع العفنة، كالنهضة في تونس، والحزب الإسلامي في باكستان، والرفاه والتنمية في تركيا، والجماعة الإسلامية (العدالة) في المغرب... وغير ذلك من أحزاب ابتعدت عن أصالة دينها، ورتعت كما رتع غيرها في العلمانية والديمقراطية، وحقوق الإنسان والحريات الكاذبة.
الحقيقة الرابعة: إن تونس اليوم تعيش بالفعل فراغا سياسيا حقيقيا؛ لم يملأه لا الأحزاب العلمانية، ولا حركة النهضة؛ والسبب هو أن تونس تتردى نحو الأسفل، ويزيد ارتهانها للاستعمار، ويزيد فقر أهلها يوما بعد يوم، وتزداد المحسوبيات والسرقات والتحكمات الاقتصادية.
وفي الختام: فإننا نتوجه بنداء حار إلى المسلمين في تونس الخضراء بشكل عام، وإلى أتباع وأنصار حركة النهضة بشكل خاص؛ نقول لهم: بأن الأمة هي الأقوى، وأن الرأي العام في تونس هو لصالح الإسلام، ولصالح تطبيقه في الدولة والمجتمع. فعليكم أن تأخذوا على أيدي القادة في هذه الحركة، وأطرهم على الحق أطرا، وقصرهم على الحق قصرا؛ كما أوصى بذلك رسول الله e فقال: «كَلَّا، وَاللَّه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، ولتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، ولَتَأْطرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، ولَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ ليَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ» رواه أبو داود.
فإن أصالة الإسلام تدعو للتميز وللمفاصلة، قال تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾ [هود: 112-113]. ولا يقبل الإسلام بالذل والارتماء في أحضان العلمانيين، أو المشركين من الدول الكافرة. ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة؛ حيث رفض الميل للكفار عندما عرضوا عليه أن يعبدوا إلهه عاماً، ويعبد آلهتهم عاما فأنزل الله عز وجل قوله: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون]. وإن على كل من يريد النهضة على أساس الإسلام أن يحمل الإسلام مشروعا سياسيا للأمة، وأن يوجد الحاضنة الشعبية حوله على أساس هذا الإسلام.
وأخيرا فإننا نقول: يقول رب العزة جل جلاله: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ * لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ الرعد: 17-18]. إن الباطل مهما طال واستطال فإنه حتما سيتهدم، وإن الحق ظاهر لا محالة. قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: 5-6].
وخاتمة الختام: لقد منّ الله عز وجل على أهل تونس الخضراء؛ بحزب أصيل لا يعرف المهادنة، ولا التلون ولا السير في ركاب الغرب ومشاريعه، بل إنه حزب قائم على الأصالة والتأصيل لدين الله عز وجل، وهو يقف ندا لكل هذه الأحزاب والحركات الهابطة؛ البعيدة عن دين الأمة وأصالتها وتاريخها، ويدعو الأمة بصوت عال: بأن طريق الحق هي طريق القرآن وسنة المصطفى e، وأن بلاد المغرب يجب أن تعود كما كانت؛ في ظل القادة العظام من أبناء هذه الأمة الكريمة.
نسأله تعالى أن يكرم أمةالإسلام بحكم الإسلام عما قريب لتعود هذه الأمة كما وصفها ربها سبحانه بقوله: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾ [آل عمران: 110].
رأيك في الموضوع