يتضمن القرار بحكم القانون الجديد الصادر بتاريخ 18 آب/أغسطس 2017 إعادة اللاجئين المهاجرين في تركيا إلى بلادهم. والفقرة التي أضيفت إلى المادة رقم 26 من القانون رقم 2937 في القرار بحكم القانون رقم 694 المنشور في الجريدة الرسمية هي على الشكل التالي: "بناءً على طلب من وزير الخارجية واقتراح وزير العدل وموافقة رئيس الجمهورية يمكن إعادة غير المواطنين الأتراك المحتجزين أو المحكومين إلى دولةٍ أخرى أو استبدال السجناء والمحكومين في بلد آخر بهم؛ بشرط ضمان عدم التعذيب أو التعرض لسوء المعاملة أو عقوبةٍ تمس شرفه بسبب العرق أو الجنس أو الدين في الأحوال التي توجبها متطلبات الأمن القومي والمصالح الوطنية".
وقد اعتبرت وسائل الإعلام التركية أن هذه المادة في القرار بحكم القانون الجديد الذي نشر في الجريدة الرسمية ودخل حيّز التنفيذ في يوم الجمعة 25 آب/أغسطس هي قرارٌ صادرٌ لإعادة بعض الفارين المشتبه بأنهم من تنظيم غولن الإرهابي. لكن الوضع ليس كذلك البتَّة؛ فليس هناك رعايا أوروبيون أو أمريكان محتجزون أو محكومون في تركيا لمبادلة مشبوهي تنظيم غولن الإرهابي الفارّين بهم. ومعلوم أن 99% من المحتجزين أو المحكومين من الأجانب في تركيا هم من المسلمين القادمين من دول آسيا الوسطى والشرق الأوسط والشرق الأقصى. وهذا القرار بالتالي يتناول هؤلاء المظلومين والمهاجرين، وليس مقايضة رعايا أمريكيين أو أوروبيين مع انقلابيي 15 تموز الفارّين. فقد مرَّ عامٌ كاملٌ أو أكثر على محاولة انقلاب 15 تموز/يوليو، والفارون على هامش المحاولة الانقلابية يتجولون ويتحدثون ويعيشون كما يشاؤون في البلدان الأوروبية، وإن كان هناك معتقلون فلا يتم تسليمهم.
هل تتخيلون؟ إنه في دولةٍ يتم فيها محاولة انقلابٍ من قبل العسكريين العلمانيين الكماليين الموجودين داخل القوات المسلحة والمتقاعدين، وقتل ما يقارب 300 شخصٍ بوحشيةٍ، والتخطيط لاغتيال رئيس الجمهورية، ويتم فيها اعتقال رئيس الأركان العامة، والسيطرة على محطات الإذاعة والتلفزيون، وقطع البث فيها، ورغم ذلك كله يتجول المسؤولون عن هذه الأفعال بحريةٍ خارج البلاد! والحكومة التركية تطالب بهؤلاء الفارين، لكن الدول التي استقبلتهم لا ترغب بإعادتهم! إن هذا وضعٌ مخزٍ بحق تركيا؛ لأنها لا تملك كلمةً معتبرةً في الدول الأوروبية ولا في أمريكا.
بالمقابل لم يتلبَّس أحدٌ من المظلومين الضعفاء الذين يعيشون في تركيا كمهاجرين من تركستان الشرقية والأوزبيك والشيشان والقرغيز والطاجيك،... نعم لم يتلبس أيٌّ من هؤلاء بأية محاولة انقلابٍ على الدولة التي يعيشون فيها، ولا يخفى على العالم أجمع ظلم الرؤساء الدكتاتوريين الذين يتربعون على أنظمة بلادهم.
ورغم جلاء هذه الحقيقة؛ يصدر القرار بحكم القانون رقم 694، ويدخل حيز التنفيذ، وتقوم تركيا بموجبه بتسليم اللاجئين إلى حكومات بلدانهم الدكتاتورية. وتركيا تعلم جيداً أن كل مسلمٍ مظلومٍ من تركستان الشرقية سيتم تسليمه إلى الصين، وكل مهاجر أوزبيكي عاجزٍ يتم إرساله إلى أوزبيكستان؛ سيتعرَّض لأشد أنواع العذاب وسيعاقب بالسجن مدى الحياة أو ربما سيتم قتله من قبل حكومات بلدانهم الكافرة الظالمة الدكتاتورية.
وإن إضافة الفقرة رقم 2937 على القرار بحكم القانون إلى قانون جهاز الاستخبارات الوطنية تشير إلى أن عمليات إعادة ومقايضة اللاجئين ستنفذ من قبل وكالات الاستخبارات الدولية. فكل بلد يقوم بمحاكمة الذنب المرتكب ضمن حدود أراضيه وتحكم على المذنب بموجب قوانين هذا البلد. فإن كان للشخص ذنبٌ ارتكبه في بلدٍ آخر فإن وحدات الاستخبارات في هذا البلد تعمل على إيجاد الشخص وتسليمه لبلده. لكن اللاجئين المسلمين من آسيا الوسطى المحتجزين في مراكز الإعادة إلى أوطانهم في تركيا تمهيداً لتسليمهم إلى روسيا والصين والدول الدكتاتورية متهمون بانتمائهم الديني، وهم مطلوبون من قبل حكوماتهم الظالمة بسبب دعوتهم إلى دين الله.
وهنا أسأل: هل سيتم تطبيق المادة التي أدرجت في القرار بحكم القانون السابق أم لا، والتي تنص على شرط ضمان عدم تعذيب الشخص المسَلَّمِ إلى بلده أو تعرضه لسوء معاملةٍ أو عقوبةٍ تمس شرفه بسبب العرق أو الجنس أو الدين؟ وفي حال الإيجاب هل تخبروننا من أين سيحصل المسلمون الذين ستتم إعادتهم إلى روسيا والصين وأوزبيكستان وطاجيكستان وقرغيزستان وغيرها من الدول على ضمان الحماية؟ هل من روسيا أم من الصين أم من الطغاة الآسيويين؟ ونحن نعلم بالأساس أن تركيا قامت بتسليم المهاجرين الأوزبيك والقرغيز والطاجيك إلى الحكومات الظالمة والدول الكافرة مثل روسيا والصين. وبموجب هذا القرار يتعرض جميع المهاجرين في تركيا وفي مقدمتهم المحتجزون والمحكوم عليهم للتهديد، وتستهدف اتفاقيات التسليم بين تركيا وروسيا والصين اللاجئين المسلمين، ولا تدخر تركيا وسعها في تحقيق طلبات روسيا والصين الكفرة بتسليم المسلمين لها ولا تعمل على حمايتهم. والأسوأ المتوقَّع من تركيا التي خانت سوريا بتسليمها لنظام الأسد وإيران في الفترة القادمة؛ هو إعادة العلاقات مع النظام السوري وتسليمه بعض لاجئي سوريا. وما من شكٍّ بأن تسليم المسلمين للكفرة الظالمين ما هو إلا تسليم الشياه إلى الذئاب، ولا غرابة في ذلك؛ فالذي لا يخاف الله يُتوقَّعُ منه كلُّ شيء.
بقلم: محمود كار
* رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تركيا
رأيك في الموضوع