الرأسمالية مبدأ عقيدته فصل الدين عن الحياة، وينبثق عنه نظم ثلاثة هي: الديمقراطية لتنظيم الحياة السياسية، والرأسمالية لتنظيم الحياة الاقتصادية، والحريات لتنظيم العلاقات الاجتماعية. فالديمقراطية هي رعاية شؤون الناس من منظور فصل الدين عن الحياة، مما أدى إلى سيطرة مفهوم المصلحة على العلاقات واختفاء القيم والمثل العليا بين الناس والمجتمعات والدول.
وهذا هو الحاصل فعلا في الدول الرأسمالية وعلى رأسها أمريكا، فمثلا: الانتخابات في أمريكا تخضع لآليات - مثل ما يسمى نظام النقاط أو الرجال - تمكن أصحاب الشركات الاحتكارية الكبرى من التحكم في نتائجها لتسير في اتجاه خدمة مصالحهم، وإذا كان الأمر هكذا في أمريكا فهو في الدول التابعة لها أسوأ! ففي مصر وعلى مدار ثلاثين عاما كانت نتائج الانتخابات دوما تقترب من الـ99 بالمائة لصالح مبارك، وبعد الثورة في 25 يناير وكسر حاجز الخوف الذي ظل جاثما على صدور أهل مصر - جاء الصندوق برجل يظن الناس أنه سيطبق الإسلام، وهذا معناه أن الحس الإسلامي أصبح ملموسا في الشارع، فاستشعرت أمريكا بالخطر على مبدئها ومصالحها، وهنا وقفت أمريكا بالمرصاد، وسخرت كل طاقاتها وأدواتها وعملائها داخل مصر للحفاظ على الحياة السياسية داخل إطار الكفر (فصل الدين عن الحياة)، فأزاحت حكومة الإخوان الضعيفة - من وجهة نظرها - وغير القادرة على الوفاءبالمحافظة على النظام الرأسمالي ومصالح أمريكا وكيان يهود، وأتت برجل المخابرات العسكرية - السيسي - ووضعته في سدة الحكم عن طريق خداع الناس بما أسماه تفويضا ضد الإخوان "الخونة الذين باعوا مصر" حسب قوله، فأريقت بهذا التفويض الدماء، وكبتت الحريات، وخاض بعدها ثلاثة استحقاقات: (الانتخابات الرئاسية، والاستفتاء على الدستور، وانتخابات البرلمان) التي باءت كلها بالفشل، واتسمت بالمشاركة المتدنية من الناخبين؛ فالدستور والبرلمان والرئيس لم يتم اختيارهم وفق أغلبية من الشعب؛ بل إن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية في يوميها الأول والثاني لم تتعد 15%! مما اضطرهم لتمديدها ليوم ثالث بعد ثورة إعلامية على الشعب المصري وتخويفه بفزاعة الإخوان و(الإرهاب) تارة، والتلويح تارة أخرى بفرض غرامات على من لم يشارك في العملية الانتخابية، فكانت النتيجة هي 47% في اليوم الثالث، وبنسب متقاربة أيضا خرجت نتائج الاستفتاء على الدستور وانتخابات البرلمان.
فإذا كان هذا هو حال الانتخابات في ظل فشل الإخوان المسلمين في إدارة البلاد، وفي ظل الوعود الوردية التي أطلقها السيسي ليعد أهل مصر فيها بالتقدم الاقتصادي وتحسين وضع الناس والنهوض بهم، فكيف ستكون نتيجة الانتخابات في ظل التدهور الذي وصلت إليه البلاد على يد النظام على المستوى الاقتصادي والسياسي والأخلاقي؟ ومن مظاهر هذا التدهور الغلاء الذي يعيشه عامة الشعب المصري، والبطش والقهر الأمني الذي مس طائفة كبيرة منه، والانحلال الأخلاقي، والفساد الذي عم البلاد والمؤسسات، مما أدى إلى تدهور شعبية السيسي لأدنى مستوياتها. فالانتخابات في ظل تلك الأجواء مخاطرة لن تكون في مصلحة السيسي لو تمت بشكل نزيه ومغامرة لا تحمد عواقبها لو تم التلاعب بنتائجها؛ فقد تؤدي إلى فضح النظام أكثر، وكسر حاجز الخوف مرة ثانية، وتهديد مصالح أمريكا. فلم يعد أمام أمريكا ونظامها العميل في مصر للخروج من مأزق الانتخابات غير استخدام البرلمان - الذي جيء به في الأصل للتصديق على قرارات الحاكم باسم الشعب زورا وبهتانا - لتعديل الدستور بتمديد فترة الرئاسة إلى ست سنوات بدلا من أربع سنوات. فأمريكا ما زالت في حاجة للسيسي وخاصة لقبضته الأمنية كي يمكنها وشركاتها من مص ما تبقى من دماء في عروق أهل مصر؛ وذلك بتطبيق سياسات صندوق النقد الدولي، وكذلك هي في حاجة له لتنفيذ سياستها الدولية؛ المتمثلة في السيطرة على ثروات ليبيا وإنهاء الأزمة السورية التي شيبت أوباما بسبب حمل الثوار لمشروع الخلافة على منهاج النبوة، وكذلك تمكينها من تنفيذ رؤيتها لقضية فلسطين بما يخدم مصالحها في المنطقة.
وهكذا تلعب أمريكا وعملاؤها عن طريق الديمقراطية بالشعب؛ فتمدد للسيسي أو تأتي بغيره، المهم أن تحافظ على نظام الكفر (الرأسمالية) قائما وعلى مصالحها.
إن المشكلة ليست في التمديد للسيسي أو رحيله، بل المشكلة في النظام الرأسمالي الجاثم على صدور العباد والبلاد، يتناوب عليه عملاء كثر، يطبقونه خدمة وطاعة لأعداء الأمة. هؤلاء العملاء إن هم إلا أدوات في يد الغرب يمددون لمن شاؤوا منهم، ويلقون بمن شاؤوا في مزبلة التاريخ، مثل: صدام والقذافي وبن علي ومبارك ومن قبلهم شاه إيران الذي قال: "لقد ألقت بي أمريكا وكأني فأر ميت تلقي به من النافذة". ولا سبيل لنهوض المسلمين إلا بإزاحتهم لهذا النظام، واستئناف الحياة الإسلامية؛ بإقامة الخلافة التي أمرهم الله بها؛ فالخلافة هي النظام السياسي المنبثق من العقيدة الإسلامية؛ نظام قائم على جعل السيادة لله، فهو الآمر والناهي، وأن السلطان للأمة، فهي من تختار الحاكم، ويبقى حاكما للأمة ما دام جاعلا السيادة لله، أذلك خير أم الرأسمالية التي تجعل السيادة للبشر والسلطان لأعداء الأمة يتلاعبون بها ويختارون لها من يحكمها؟!
بقلم: حامد عبد الله
رأيك في الموضوع