وبالرغم من أن رئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت قد أعلن رفضه التوقيع على اتفاق للسلام مع نائبه السابق رياك مشار في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ووصف كير الاتفاق بالسيئ وقال لدى مخاطبته مجلساً لشيخ قبيلة الدينكا إنه (لن يستسلم أبداً للضغوط من المجتمع الدولي للتوقيع على اتفاق مع مشار) صحيفة آخر لحظة 06 نيسان/أبريل 2015م، إلا أن الرجل قد استسلم للضغوط الأمريكية خشية من العصا التي يلوح بها الأمريكان عندما قال أوباما مهددا سلفاكير ومشار (إذا فوتا هذا الهدف، أعتقد أنه يتعين علينا عندها أن نمضي قدما في خطة أخرى، وأن نعترف بأن هؤلاء القادة غير قادرين على صنع السلام المطلوب) الجزيرة نت. ومضى أوباما في تهديده أكثر من ذلك عندما قال في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريم ديسالين، الذي استضاف المحادثات، يوم الاثنين 3 آب/أغسطس 2015م (إذا لم نر تطوراً مهماً بحلول الـ 17 سيتعين علينا عندئذ أن نبحث عن الوسائل الأخرى لفرض ضغط أكبر على الطرفين)...
وهكذا نرى تحكماً واضحاً من قبل الأمريكان في مجريات الأحداث بجنوب السودان فهم الذين يحددون متى تنتهي الحرب ومتى تبدأ، ويرغمون المتحاربين على توقيع اتفاقيات ولو كانت على جماجم البشر.
وإن أخطر ما جاء في تلك الاتفاقية كونها نسخة من اتفاقية نيفاشا التي فصلت جنوب السودان عن شماله، وإن المتتبع لبنودها يستطيع أن يجزم أنها اتفاقية نيفاشا في موضوع الثروة والسلطة، مع إجراء بعض التعديلات وتغيير في بعض الأسماء بما يتماشى والواقع الجديد.
ومن المعلوم بداهة للمتتبع لما يحدث في المنطقة أن من مصلحة أمريكا أن تعمل على بناء دولة في جنوب السودان مستقرة حتى يتسنى لها نهب وابتلاع ثرواتها البكر، الأمر الذي يتطلب قدراً من الاستقرار الأمني والسياسي في دولة الجنوب التي لم يتجاوز عمرها الثلاث سنين، ويعتبر فصل الجنوب من أكبر إنجازات أوباما في فترة حكمه فلا تريد أمريكا أن يتحقق الفشل في مشروعها الاستعماري هذا وفي عهد أوباما نفسه، ولذلك تسعى الإدارة الأمريكية جاهدة لتتويج عملها بانفصال الجنوب بعمل آخر وهو فتح البلاد أمام مصاصي دماء الشعوب والأمم من أصحاب الشركات الكبرى، ولذلك سعت أمريكا للضغط على كل الأطراف المتناحرة في محاولة منها لاحتواء الموقف وإشراك رجل أوروبا المدلل رياك مشار في الحكم بعد أن فقدت الأمل في استئصاله وكسر شوكته عن طريق عملائها مثل موسوفيني وغيرهم في المنطقة، ولهذا رأت أنه لا بأس من تقسيم السلطة بين الأطراف المتناحرة للحيلولة دون تفرد رياك مشار بمقاليد الأمور، خاصة أن الجيش الشعبي الحكومي أصبح في وضع يرثى له.. ولذلك فإن الاتفاق الأخير يفهم في هذا الإطار، فهو خطوة في الطريق للسيطرة على موارد الجنوب وتهيئة الأجواء للشركات الرأسمالية العملاقة حتى تستطيع مص ثروات البلاد.
وخلاصة الأمر فإن فكرة التفاوض مع من يحمل السلاح ضد الدولة لأجل تحقيق مكاسب سياسية، هي فكرة شيطانية استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تسخرها لخدمة مصالحها في الكثير من البلاد، ولهذا يجب تنبيه الأهل في جنوب السودان إلى أن هذه الاتفاقية التي وقعت برعاية أمريكية ومباركة من بيادقها في المنطقة، هي اتفاقية لا علاقة لها بمعاناة أهل الجنوب لا من قريب ولا من بعيد وهي شكل من أشكال (المحاصصات) والترضيات السياسية القذرة لإسكات صوت الرصاص هنا أو هناك، ولهذا فليس من المتوقع أن تصمد كثيراً طالما أنها تجعل من المصلحة علة لها تدور حولها فإذا انعدمت المصلحة ارتفعت مرة أخرى أصوات البنادق والرصاص.
وفي الوقت الذي يسعى فيه جنرالات الحرب في جنوب السودان لأخذ العفو والمغفرة من البيت الأبيض ترى شعبهم يحصده الجوع والحرب والأمراض، مما يلقي بالمسؤولية على أهل السودان قاطبة والمسلمين منهم بخاصة تجاه الدماء التي تهراق وتلك الأرواح التي تزهق فكلها أمانة في عنق المسلمين، وهنا يجب على السياسيين والمهتمين بأمر هذا البلد، وما يحدث في المنطقة، أن يسارعوا في تقديم قضية عودة الجنوب إلى جسم الأمة، وأن يسارع الإخوة في القوات المسلحة لاتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل توفير الأمان إقليمياً ومحلياً فقد حان الأوان للقيام بالمواقف الكبرى التي ستذكرها الأجيال والأزمان إذا تقدم الإخوة في القوات المسلحة لتبني هذه القضية المحورية من قضايا الأمة، فعندها فقط سيذكركم التاريخ، وليعلم الجميع أنه لا خلاص لنا إلا بالمسارعة لاسترداد جنوب السودان إلى حظيرة الأمة الإسلامية، فليكن ذلك ضمن استراتيجية حيوية متكاملة يعمل لها الجيش حتى تقام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تجعل من المحافظة على النفس من الغايات العليا، فتحرك جيشها لأجل تحرير المقهورين والمستعبدين من أهل الجنوب ومن سكان العالم قاطبة.
بقلم: عصام الدين أتيم - الخرطوم
رأيك في الموضوع