بعد عام 2016، تم إطلاق سراح سجناء سياسيين كانوا قد حكم عليهم في عامي 1999-2000 لأجل قولهم "ربنا الله" وأمضوا سنوات طويلة في السجون وقضوا زهرة شبابهم فيها. وبعد هلاك الرأس السابق للنظام الطاغية كريموف الذي مارس كل أشكال البطش والطغيان بحق حملة الدعوة، خاصة شباب حزب التحرير؛ حيث حكم على والد أحدهم ووالدته وابنه وابنته بالسجن لفترة طويلة، ودمر صحتهم وأفنى زهرة شبابهم، بل وقتل المئات من أبناء المسلمين الرجال، بدأ ميرزياييف الذي خلفه، بإطلاق سراح من انتهت مدتهم من هؤلاء السجناء، ما أدخل السرور والأمل على بيوت الكثيرين من المظلومين. ولكن ذلك لم يدم طويلا، حيث حدث تماماً ما كان يحدث خلال "نظام القمامة" الذي أنشأه كريموف، فقد بدأت مرة أخرى الغارات المفاجئة للأشخاص "المقنعين" وعمليات التفتيش والتعذيب والقمع والعنف. وفي بداية هذا العام تم القبض على 23 سجيناً سابقاً من مدينة طشقند، وقد انتهت محاكمتهم وصدرت بحق معظمهم أحكام بالسجن لفترات طويلة بموجب نظام خاص.
نعم، إن مصير شباب حزب التحرير الذين لم يخرجوا من السجون منذ عهد "نظام القمامة" حتى اليوم، يذكرنا حقاً بالأذى والمعاناة التي عاشها نبينا محمد ﷺ وأصحابه رضوان الله عليهم في طريق الدعوة. فعلى سبيل المثال، يمكننا أن نذكر فتنة المشركين لسيدنا بلال بن رباح، وخباب بن الأرت، وعمار، ووالديه... وقد ثبت الصحابة رضوان الله عليهم في مواجهة التحديات في مرحلة الدعوة في مكة، ونتيجة لذلك من الله عليهم بنعمته وأقيمت الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة.
وما أشبه اليوم بالأمس، فالقمع والعنف ضد المسلمين يتكرر اليوم وخاصة بحق حملة الدعوة في أوزبيكستان. ولكن الفرق هو أن الذين حاربوا النبي ﷺ والصحابة كانوا مشركين وأعلنوا عداوتهم للإسلام. وأما اليوم فهم الحكام الذين يحسبون أنفسهم مسلمين. ورغم ذلك نعرب عن أملنا في أن تدرك الحكومة الأوزبيكية هويتها فتغير سياستها المعادية للإسلام والمسلمين.
ولو نظرنا إلى السيرة النبوية فإن بعض الصحابة لم يظنوا أبدا بأن عمر بن الخطاب سوف يسلم، لأنه كان شديدا جدا ضد من يدخل في دين الإسلام. ومع ذلك فبفضل دعاء النبي ﷺ «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ؛ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوْ عَمْرِو بْنِ هِشَامٍ» آمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ولذلك، لا ينبغي للمرء أن يتفاجأ إذا اعتنق أحد معادي الإسلام الشرسين الإسلام... وإن أمام حكومة ميرزياييف أيضاً فرصة تاريخية لوقف اضطهاد الذين يحملون الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية، وإطلاق سراح المسجونين منهم. وبكل تأكيد بإمكانهم فعل ذلك إن أرادوا إصلاحا. ولهذا يكفيهم أن يفهموا ويدركوا ما هو مطلوب منهم اليوم بصفتهم مسلمين، وأنه لو كان نظام الإسلام قائما ومطبقا في الحياة فهذا يعني نصرهم وعزهم. وإضافة إلى ذلك، سواء من قضى ربع قرن من عمره في السجون، أو من حكم عليه مؤخراً، أو من لا تزال قضيته قيد التحقيق فإن أي واحد من هؤلاء السجناء السياسيين لا علاقة له أبدأ بالتهم التي تقدمها الحكومة ضدهم، والحكومة الأوزبيكية وقواتها الأمنية تعرف ذلك جيداً.
نقول لحكومة ميرزياييف، أنتم أبناء الديار التي نشأ فيها العلماء الكبار مثل الإمام البخاري والترمذي والعلامة برهان الدين المرغيناني والبيروني... وكان مصدر وجود هؤلاء العلماء هي العلوم الإسلامية النقية ونظام الإسلام الكامل. وما لم يعد الإسلام إلى الحياة كنظام، فلن ينشأ جيل مجيد وعلماء راسخون كما حصل في التاريخ. وحتى نكون جيلاً جديراً بشكر علمائنا وفقهائنا، فإن هذا لا يكون بالتفاخر بهم وزيارة قبورهم، بل بتعليم أبنائنا علوم التفسير والحديث والفقه التي ورّثوها لنا وتطبيقها في الحياة!
إن على الحكومة الأوزبيكية اليوم أن تتوقف عن اضطهاد شباب حزب التحرير الذين أدركوا تماماً أن الإسلام وحده هو الذي فيه الخير لبلدنا وشعبنا، وأن تطلق سراحهم من السجن فوراً، فهم الذين غايتهم هي إعادة الإسلام إلى الحياة، وسيكون أمرا رائعا لو استغلت الحكومة برئاسة ميرزياييف الفرصة المتاحة لها بشكل جيد وتساهم في تحويل بلادنا إلى بلاد العلماء الراسخين كما كانت بالأمس، ولهذا اتقوا الله أولاً وغيروا موقفكم الحالي تجاه حملة الدعوة الذين يسعون لتطبيق الإسلام كنظام وحمله إلى العالم. فإنكم إن فعلتم فلعل الله أن يبارك فيكم ويمن عليكم بعزة وسعادة الدارين!
﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾
بقلم: الأستاذ صلاح الدين الأوزبيكي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في أوزبيكستان
رأيك في الموضوع