انعقدت قمة منظمة شنغهاي للتعاون في أستانة، عاصمة كازاخستان، في الرابع من تموز/يوليو 2024، بحضور زعماء 10 دول يزيد عدد سكانها عن ثلاثة مليارات نسمة. وقد انضمت بيلاروسيا رسميا إلى المنظمة باعتبارها العضو العاشر، قبل القمة. بالإضافة إلى ذلك، زار القمة أيضاً رؤساء الدول المراقبة والشركاء في المنظمة، والعديد من رؤساء المنظمات الدولية. وفي ختام القمة، تم اعتماد "إعلان أستانة" والتوقيع على أكثر من 20 وثيقة.
وكان زعماء روسيا وكازاخستان وقرغيزستان وأوزبيكستان وطاجيكستان والصين قد وقعوا على وثائق حول إنشاء منظمة شانغهاي للتعاون في عام 2001، في سانت بطرسبرغ. وفي عام 2017، انضمت الهند وباكستان إليها. وفي عام 2023، أصبحت إيران عضوا كامل العضوية فيها. ويتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون 20 تريليون دولار. وتشكل البلدان الإسلامية في آسيا الوسطى الجزء المركزي من المنظمة. ولهذا السبب تدور الصراعات على الهيمنة بشكل رئيسي في هذه المناطق.
ومن المعلوم أن مكافحة الإرهاب والتطرف والانفصالية هي المهام الرئيسية لمنظمة شانغهاي للتعاون، ولكنها في الحقيقة تحارب الإسلام والمسلمين تحت شعار "الإرهاب والتطرف". وبهذا تحاول منع قيام دولة الخلافة التي تطمح إليها الأمة الإسلامية. وهذا ما يؤكده أيضاً الاتفاق الموقع في قمة أستانة بشأن مكافحة الإرهاب والانفصالية والتطرف في المنطقة للفترة 2025-2027. ليس الإرهاب والتطرف فقط، بل حتى "مكافحة الانفصالية" يتحمل آلامها المسلمون؛ فقد أصبح مسلمو القوقاز في روسيا ومسلمو الأويغور في الصين ضحايا "للانفصالية".
ليس هناك شك في أن الوضع المتوتر الحالي في السياسة الدولية يعمل على التقريب بين الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، وخاصة الصين وروسيا، اللتين تقودانها. وهذا ما يؤكده كلام زعيمَي البلدين في الاجتماع الذي عقد قبل القمة. فقد قال الزعيم الصيني في ذلك الاجتماع، إنه يجب على روسيا والصين تعزيز التعاون الاستراتيجي ومعارضة التدخل الأجنبي. وبدوره، أكد بوتين أن روسيا تدعم الصين بشكل كامل في حماية مصالحها.
ومع ذلك، يمكن ملاحظة أن نفوذ روسيا في المنظمة قد انخفض بشكل كبير مقارنة بالفترة التي تأسست فيها المنظمة. ففي البداية، عارضت روسيا بشكل غير مباشر تعزيز التعاون الاقتصادي في المنظمة من أجل منع الصين من زيادة نفوذها الاقتصادي في منطقة آسيا الوسطى. ولكن الحرب الأوكرانية أجبرت روسيا على التخلي عن هذا الاتجاه. وبعبارة أخرى، اضطرت روسيا نفسها إلى تعزيز العلاقات التجارية مع دول منظمة شنغهاي للتعاون. ويمكن ملاحظة ذلك أيضاً من خلال المبادرات الاقتصادية التي أثيرت خلال القمة في السنوات الأخيرة. ووفقاً لبوتين، زادت العلاقات التجارية مع الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون بنسبة 25% في العام الماضي.
بالإضافة إلى ذلك، يتم فتح ممرات جديدة لتعزيز روابط النقل في إطار المشروع الصيني "حزام واحد وطريق واحد". وبالنسبة للصين، توفر منظمة شنغهاي للتعاون الفرصة لتنفيذ هذا المشروع، وتعزيز نفوذها في آسيا الوسطى. ولهذا الغرض، تقوم الصين بتحويل الاتجاه السياسي والأمني للمنظمة إلى الاتجاه الاقتصادي. ومن المعلوم مما سبق أن الصين بدأت تأخذ دور "القيادة" من روسيا في منظمة شانغهاي للتعاون. وقد حوّلت الصين رؤساء دول آسيا الوسطى إلى بيادق لدعم سياساتها من خلال أخذ اقتصاد البلاد "رهينة".
الهدف الآخر لمنظمة شنغهاي للتعاون هو منع نفوذ الولايات المتحدة من دخول الدول الأعضاء. لأن الولايات المتحدة فتحت الطريق أمام طالبان للوصول إلى السلطة في أفغانستان، في عام 1996 وبدأت في تنفيذ خطط لاستخدامها في ألعاب جيوسياسية. وكان من الممكن أن تنتشر مثل هذه السياسة الأمريكية إلى المسلمين في آسيا الوسطى وتركستان الشرقية. ولذلك أسست روسيا والصين مجموعة "شانغهاي الخماسية" ضدها. إلا أن عضوية الدول التي تعمل لمصلحة أمريكا، مثل الهند وباكستان، تلقي بظلال من الشك على غرض المنظمة. فعلى سبيل المثال، علاقات الهند مع الصين ليست جيدة، بل هناك تنافس بين البلدين، والهند تنتهج سياسة الميل نحو الغرب.
إن منظمة شنغهاي للتعاون لا تخدم إلا مصالح المستعمرين. وقادة المنظمة لا يهتمون بمصالح "الأيتام" فيها. فعلى سبيل المثال، نظمت روسيا صراعاً دموياً على الحدود القرغيزية والطاجيكية خلف الكواليس سعياً لتحقيق مصالحها الاستعمارية، في خريف عام 2022، أثناء انعقاد قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند. ولم يكن للمنظمة أي دور في إيقاف هذا الصراع على الإطلاق.
وبالتالي، فإن منظمة شنغهاي للتعاون والمنظمات المماثلة ليست سوى فخ استعماري تم نصبه للمسلمين. ولا يمكن للمسلمين أن يتخلصوا من قبضة هؤلاء المستعمرين إلا بالاعتصام بحبل الإسلام. وإن الكفار المستعمرين وعملاءهم من حكامنا يعرفون ذلك جيداً، ولذلك يحاربون الإسلام والمسلمين باسم "محاربة الإرهاب والتطرف".
أيها المسلمون في آسيا الوسطى، لقد كان الرؤساء السابقون والحاليون يعملون على جعلكم عبيدا للمستعمرين، فاحذروا أن تتبعوا حكامكم في هذا الأمر، فأنتم مسلمون! لذلك ابحثوا عن طريقة للتخلص من الاستعمار في مبدأ الإسلام! وأنتم يا أيها الحكام! ارجعوا إلى دينكم واعملوا على رعاية مصالح الأمة الإسلامية، وليس مصلحة المستعمرين! واختاروا أن تكونوا أعزاء في الدنيا والآخرة، وليس التبعية للمستعمرين.
يقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾
بقلم: الأستاذ ممتاز ما وراء النهري
رأيك في الموضوع