حزب الله في لبنان هو حزب إسلامي، قائمٌ على أساس الفقه الجعفري، ومذهب الإثنى عشرية، تأسس عام 1982م، قام في أصل تأسيسه على الأيديولوجية الخمينية وولاية الفقيه، كما جاء في خطاب قديم لأمينه العام الحالي السيد حسن نصر الله: "مشروعنا الذي لا خيار لنا أن نتبنى غيره، كوننا مؤمنين عقائديين، هو مشروع دولة إسلامية وحكم الإسلام، وأن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة وإنما جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى، التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق، الولي الفقيه الإمام الخميني...".
في سنة 1982م كانت منظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان ترسل عمليات فدائية باتجاه شمال فلسطين. غزى كيان يهود لبنان سنة 1982م لطرد منظمة التحرير الفلسطينية. وخلال احتلال يهود للبنان بعد اجتياحه سنة 1982م، ثم انسحابه في حزيران سنة 1985م، واستمراره في احتلال جنوب لبنان، مُشكلاً حزاماً أمنياً محاذياً لشمال فلسطين، خلال هذه المدة برز دور الحزب بوصفه منظمةً مسلحةً لطرد يهود من جنوب لبنان، حتى خرج كيان يهود من الجنوب سنة 2000م، بعد فشل نظرية الحزام الأمني، وتكبده خسائر كبيرة تحت ضربات الحزب في الجنوب، أو ما بات يُعرف بالمقاومة الإسلامية في جنوب لبنان.
بعد اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في 30/9/1989م، والذي طالب "بحل كل المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية"، وطلب من الحكومة "نشر الجيش اللبناني في المنطقة الحدودية المتاخمة (لإسرائيل)"، بقي الحزب محافظاً على ترسانة أسلحته وسيطرته على المناطق في جنوب لبنان، على طول الحدود مع كيان يهود، بدعم إيراني سوري! على أساس استمرار وجود كيان يهود في مزارع شبعا حتى بعد انسحابه سنة 2000م.
لم تتخذ الحكومة اللبنانية أي خطوات لنزع سلاح الحزب لأنها تعتبره منظمة مقاومة شرعية، بناءً على ما يُسمى البيان الوزاري سنة 2009م الذي أقر ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، والذي أعطت الحكومة بموجبه غطاءً شرعياً لسلاح الحزب، وما زال، رغم شبه توقف للعمليات العسكرية ضد كيان يهود منذ حرب 2006م على لبنان، هذه الحرب التي تلاها توقيع اتفاق بين لبنان وكيان يهود وفق قرار مجلس الأمن رقم 1701. وافقت الحكومة اللبنانية بالإجماع على القرار، وفي اليوم ذاته صرَّح أمين عام الحزب حسن نصر الله، أن قواته سوف تحترم وقف إطلاق النار!
بعد اندلاع الثورة السورية، إبان ثورات الربيع العربي، كان تدخل الحزب واضحاً، في مساندة النظام السوري لقمع ثورة الناس هناك! هذا الدعم الذي جاء بطلبٍ إيراني واضح بإلزام حزبه في لبنان بالتدخل لمنع سقوط النظام، رغم أن الحزب كان موقعاً مع السلطة اللبنانية ممثلةً برئيسها ميشيل سليمان ما عُرف بإعلان بعبدا الذي أقر في 2012م، وتضمن في أحد بنوده "تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية"، وذلك لمنع التدخل في مجريات الثورة السورية.
تنصّل الحزب لاحقاً من إعلان بعبدا ورفض الالتزام بمضامينه، لصالح التزامه سياسات إيران ومرشدها الأعلى وتوجيهاته! وهذا ما جعل أطرافاً سياسية عدة داخل لبنان تُظهر عداءها للحزب، بعد تفرده بقرارات ورطت لبنان في مشاكل إقليمية لصالح أجندة إيرانية - كما يقول المعادون للحزب - على رأسها الدخول في مجريات الثورة السورية.
نتيجة الدعم الإيراني المتواصل للحزب سياسياً ومالياً وعسكرياً، بات الحزب قوةً لا يستهان بها أمام القوى الأخرى التي سُحب سلاحها ولو ظاهرياً، حتى صار للحزب كتلةٌ سياسيةٌ - بالتعاون مع حركة أمل وزعيمها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري - ذات وزن يستطيع تعطيل قرارات كبرى، من مثل انتخاب رئيس للجمهورية، ويمرر قرارات سيادية، دون الحاجة للتصويت عليها، من مثل اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع كيان يهود!
لقد أصبح حزب إيران يشكل رقماً صعباً في المعادلة اللبنانية، لا سيما مع ارتباطه مع إيران - الدائرة في فلك أمريكا - ارتباطاً عضوياً بشكل لا يستطيع الانفكاك عنه، ويغلب على الظن أن ذلك أثر بشكل كبير على تدخل حزب إيران في مجريات عملية طوفان الأقصى، ليبقى تدخلاً متحفظاً، بناءً على قواعد اشتباك مطاطة مع يهود، وعلى قاعدة "وسع بنوسع"! كما قالها أمين عام الحزب، وذلك نتيجة عدم وجود رغبة إيرانية-أمريكية بخوض معركة إقليمية واسعة النطاق مع كيان يهود، والإبقاء على حرب "داخلية" بين كيان يهود والفصائل الفلسطينية في الداخل وعلى رأسها حركة حماس! في محاولة لكبح جماح الجناح العسكري فيها، ودخولها في مفاوضات حل الدولتين، الذي تروج له أمريكا في المنطقة، لصالح مصالحها الغازية والنفطية الكبرى على شواطئ المتوسط، وخطوط التجارة الدولية في مواجهة الصين! وعلى أساس هذه الإرادة الإيرانية المنسقة مع الإدارة الأمريكية، والتي صرح بها وزير الخارجية الإيراني الراحل عبد الأمير اللهيان في مناسبات عدة، خلال زيارات متزامنة مع زيارات المنسق الأمريكي أموس هوكشتاين إلى لبنان! باتت عمليات حزب إيران تميل إلى الشكلية لناحية أنها لا تستخدم قوتها الحقيقية! بحسب تصريحات مسؤولي الحزب وعلى رأسهم نعيم قاسم نائب الأمين العام للحزب، رغم الدمار الكبير الحاصل في الجنوب والشهداء من أهل الجنوب، بل وقيام الحزب بلجم حركة التنظيمات الفلسطينية في الجنوب اللبناني، من مثل حماس وحركة الجهاد، إلا برشقات صاروخية محدودة، تكاد تكون انعدمت في الآونة الأخيرة! ما يشير إلى رغبة حزب إيران بعدم انفلات الأمور من بين يديه ويدي إيران!
وكذلك على ما يبدو، رغم ما قد يكون من رغبة للحزب بالمشاركة الفاعلة في معركة طوفان الأقصى منذ بدايتها حفاظاً على سمعته، إلا أنه فوق الإرادة الإيرانية الرافضة، والتي تمثلت حتى بالرد الإيراني العسكري الهزيل على كيان يهود! فوق هذه الإرادة، فإنه على ما يبدو أن حزب إيران يدرك أن حجم العداء الداخلي له، لا سيما من نصارى لبنان عموماً، وبعض المسلمين، سيستخدم ضده فيما لو أدخل لبنان في معركة إقليمية كبرى، ما قد يؤدي إلى خسارة ما يراه إنجازات صنعها في اختراق كيان الدولة اللبنانية وأجهزتها خلال السنوات الأخيرة بسبب ضعف بنيان الدولة.
إذاً، فالإرادة الإيرانية المنسجمة مع الدوران في الفلك الأمريكي، بعدم توسيع الحرب، ورغبة حزب إيران بالمحافظة على "مكتسباته" الداخلية، ووجود قوى متحفزة للانقضاض على الحزب داخلياً، جعلت حزب إيران يكون براغماتياً في عدم المشاركة بفعالية في معركة طوفان الأقصى، رغم امتلاكه قدرات تفوق بعشرات المرات، إن لم يكن أكثر، قدرة حماس والفصائل الفلسطينية المقاتلة!
إن انعدام المبدئية في الفكر، وانعدام المبدئية في السير، والارتباط بالمال السياسي، والسياسات الإقليمية العميلة والتابعة، لا يلبث أن يفتك بأي منظمة أو حركة أو حزب! وإنّ ركوب خيل الإسلام الطاهرة ثم العمل بغير الإسلام، لا يلبث أن يُوقع بصاحبه في مهاوي الردى، حتى لو جاءته الفرصة. ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾!
رأيك في الموضوع