عقد "مركز الحوار العالمي - كايسيد" منتدى الحوار العالمي في لشبونة الثلاثاء ١٤ أيّار الفائت، بمشاركة ١٤٠ شخصيّة، من بينهم قيادات دينية ورؤساء دول حاليون وسابقون وقادة في الأمم المتّحدة.
من أهمّ ما ورد في خطابات المؤتمر أنّ تحقيق جداول أعمال التنمية العالمية يتطلّب "إحداث تحوّل في قلوب الأفراد وعقولهم والمجتمعات في شتّى أنحاء العالم".
ووصف رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماتيو رينزي، جهود وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان في تعزيز السلام العالمي بـ"المهمّة"، وأكّد أنّ "رؤيته تعزّز الحوار في منطقة الشرق الأوسط والعالم". وقال إمام وخطيب المسجد الحرام الدكتور صالح بن حميد في كلمته: "نمدّ أيدينا للتعاون بين كلّ القوى الفاعلة… لنبني (السلام المنشود) ونحافظ على كرامة الإنسان في كلّ بقاع العالم... من أجل إعلاء القيم الإنسانية والحقّ بالعيش الكريم (لكلّ الناس بسلام)". وأضاف: "إنّ الحوار أصبح ركيزة أساسية وضرورية لتحقيق (السلام العادل والشامل)، وترسيخ القيم الأخلاقية في المجتمعات كلّها، وتعزيز ثقافة الحوار ومبادئه يعدّ خطوة أساسية نحو تحصينها من (التطرّف والكراهية)". وتطرقّ المنتدى إلى المدّ المتصاعد للتطرّف والصراعات العنيفة، والدور المهمّ الذي يضطلع به الحوار بين أتباع الأديان في التصدّي لهذه التحدّيات، إذ يُنظر إلى "القيادات الدينية، المعترف بها لسلطتها وللثقة بها داخل المجتمعات، على أنّها شخصيّات رئيسة" في سدّ الفجوات التي تغذّي مثل هذه الصراعات. ورأى مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علّام أنّ "تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات ضرورة ملحّة لضمان (وحدة نسيج المجتمع الإنساني) وإنقاذ الأجيال المقبلة من الوقوع في براثن التطرّف والكراهية والعنف والتعصّب". وحذّر المتحدّثون من أنّ "التحالفات التي تحقّقت بشقّ الأنفس والتي ترمي إلى (دعم السلام) تتعرّض لضغوط كبيرة". كما سيُطلب إلى المشاركين دعم حتمية الحوار في سياق متحوّل، وستشمل مجالات التركيز التعليم (وبناء السلام بقيادة المرأة)...
وبالعودة إلى موقع كايسيد لمعرفة مفهومها للحوار نجد التعريف التالي:
"يُعرّف الحوار عموما، بأنه عملية تشاور متبادلة هدفها السعي وراء تحقيق التفاهم المشترك عبر بوابة الاستماع الفعال والعاطفي من أجل اكتشاف أوجه التشابه وفهم الاختلافات في وجهات النظر المتنوعة. والحوار ليس مجرّد مناظرة أو مناقشة عادية ولا يتعلّق بتاتا بإقناع الآخرين بالموافقة على وجهة نظر الآخر أو تغيير ما يؤمنون به، إنّما يرمي الحوار إلى تخطّي عقبات سوء الفهم وتبديد الصور النمطية من أجل تعزيز التفاهم المتبادل".
وفي موضوع الحوار الديني تقول كايسيد:
"الحوار بين أتباع الأديان لا يتعلّق بكسب من غيَّروا ديانتهم أو الفوز بالمناقشات الدينية، إنّما يهتمّ باكتشاف أوجه التشابه والاختلاف بين مختلِف وجهات النظر الدينية والإيمانية بوصفها وسيلةً لتعزيز الثقة وبناء مجتمع ذي هدف مشترك عبر الحدود الدينية، وعبر بوّابة الحوار بين أتباع الأديان، فإنّه يمكن للمجتمعات الدينية التغلّب على الاختلافات المتصوَّرة والحقيقية للتصدّي جماعيّاً للتحدّيات في سياقاتها المحلّية أو الوطنية أو الإقليمية أو العالمية، مثل خطاب الكراهية أو الظلم أو التدهور البيئي".
هذا التعريف للحوار يتّضح فيه أنّ الغاية منه إنّما هي تهميش الفوارق بين الديانات والمبادئ المختلفة والمتباينة، بحيث يفقد معتنق الدين هويّته وخصوصيّته ويصبح مستعداً للتعامل مع المخالف وكأنّه موافق له، وأنّ ما يُمايِز بين أتباع الديانات من اختلافات إنّما هو مجرّد فوارق هامشية وضئيلة لا ترسم خطوطا فاصلة بين المختلفين.
وعلى الرغم من أنّ هذه المؤتمرات تعلن أنّ الحوار يشمل جميع الديانات دون استثناء، إلّا أن المتابع لها يجد أنّ التركيز إنّما هو على الإسلام والمسلمين، وأنّ المستهدف في هذه المؤتمرات بشكلٍ أساسي هو الأمّة الإسلامية، لماذا؟ لأنّ الأمّة الإسلامية بخلاف سائر أتباع الديانات في عصرنا هذا هي الأمّة الوحيدة التي ما زال دينها يشكّل الملهم الأكبر والمحرّك الأساس لها في جميع جوانب حياتها. فعلى الرغم من الجهود الهائلة التي بذلها الغرب في بلاد المسلمين منذ حوالي قرنين من الغزو الفكري والحضاري لفصل الدين عن الحياة والمجتمع والدولة، فإنّ الأمّة الإسلامية عادت مجدّدا وعلى نحو ارتقائي إلى بناء نظرتها إلى الحياة والعالم من حولها والأحداث السياسية على العقيدة الإسلامية واستلهام انتمائها الحضاري الإسلامي. هذه الهوية الحضارية التي ما زالت الأمّة تحتفظ بقدر كبير منها، بل مضت منذ عقود في استعادة ما فقدته منها، هي السرّ وراء المناعة التي ما زالت تحتفظ بها في مواجهة الهيمنة الغربية عليها. فما زالت بفعل إيمانها بكتابها وسنّة نبيها ﷺ ترفض قبول كيان يهود على أرضها، وتجاهد لإخراج المحتلّ من أفغانستان وتتطلّع للتخلّص من الأنظمة العميلة وكيلة المستعمر في بلادها، وترفض العلمانية والانحلال الخلقي والرذيلة والشذوذ، وما زالت ترتاب من كلّ تدخّل للكافر المستعمر في بلادها. لذلك كان لا بدّ من إعادة برمجة عقول المسلمين، ووفق ما ورد في مؤتمر كايسيد هذا "إحداث تحوّل في قلوب الأفراد وعقولهم والمجتمعات" لتصبح مستعدّة لقبول كلّ هذه الرزايا تحت عناوين برّاقة وفضفاضة مثل الحوار وقبول الآخر والانفتاح والتعايش والسلام والتسامح. ولا بدّ أن تأتي هذا المفاهيم على لسان "القيادات الدينية المعترف بها، لسلطتها وللثقة بها داخل المجتمعات على أنّها شخصيات رئيسة" كما ورد في مضامين مؤتمر كايسيد أيضا.
إنّ الأصل في الحوار بين حَمَلة الأفكار والأديان المختلفة ليس البحث عن العناصر المشتركة فيما بينهم والوقوف عند هذا الحدّ، ليجامل بعضهم بعضاً وليقولوا للناس نحن متّفقون على كثير من القضايا، بينما الحقيقة أنّهم مختلفون في الأسس وفي القضايا الجوهرية. بل إنّ الأصل في هذه العلاقة أن يعرض كلّ منهم ما عنده من عقائد وأفكار ناصباً الأدلّة والبراهين العقلية عليها توصّلاً إلى إثبات الحقّ والحقيقة. وعليه فإنّ الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم من الناس، حرصاً عليهم وإخلاصاً لهم، أن يدعوهم جميعاً، دون أيّ شكل من أشكال الإكراه، إلى الإسلام بوصفه رسالة الله الخاتمة للرسالات السابقة؛ وذلك من خلال نصب الأدلّة والبراهين العقلية القاطعة الدالّة عــلى أنّ القرآن هو كتاب الله وأنّ محمّداً هو رسول الله ﷺ. قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾. وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾. وهذا هو المعنى نفسه الذي دلّ عليه قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾.
رأيك في الموضوع