إن المتابع لأحداث الساحة الشامية في الآونة الأخيرة، يرى تمايز الصفوف بين من أرادوا حرف مسار الثورة المباركة، وبين من يعملون بجدٍ لإعادته إلى السكة الصحيحة.
هو صراعٌ بين أدواتٍ تستعملهم الدول المتآمرة لإجهاض ثورة مباركة، غايتها إسقاط النظام الجبري وتحكيم نظام الإسلام المتمثل بدولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وبين أصحاب السلطان والقرار من رجال عاهدوا الله بالسير على طريق خير الأنام ومواجهة النظام العالمي الفاسد واستبدال نظام الإسلام ودستوره به.
ثورة الشام وبعد 13 عاماً مضت على انطلاقتها وصلت إلى نقطة مفصلية حاسمة وهي النقطة الأكثر أهميةً في تاريخها والتي عليها سيحدد مصير هذه الثورة المباركة، فإلى أين تسير الثورة، وما هو القادم؟ هذا ما ستدلّنا عليه المعطيات من الواقع الذي وصلت إليه.
إن ثورة الشام الآن، في أشدّ مراحل الصراع؛ فقد تسلّط على قرار الثورة قادة مرتبطون بمنظومة الغرب، الذين يسعون لهدم الثورة المباركة وإخضاعها للمقررات الدولية والحلول السياسية التي تقتضي مصالحة نظام أسد المجرم، فقد أغلقوا الجبهات وضيّقوا على أهل الثورة في كافة المجالات ومنعوا أصوات الحق من أن تعلو، فغيّبوها في السجون والمعتقلات التي لا تختلف كثيراً عن سجون النظام المجرم، ولا يخفى علينا آخر أفعالهم الشنيعة من اعتقال القادة العسكريين، وتعذيبهم في المسالخ البشرية وقتلهم تحت التعذيب، وهذا ما استدعى المخلصين من أبناء الثورة المباركة، بأن يسارعوا لتدارك الموقف، والوقوف في وجه هذه الانتهاكات التي لا تمثّل ثورتهم، وتناقض المبادئ الأساسية لثورة العزّة والكرامة، فانطلقت من جديد شعلة الثورة وتجددت في نفوس الثائرين مجددّين العهد مع الله في المضي لإسقاط الظالمين وإسقاط كل من يقف عائقاً وعثرةً في طريقهم الذي رسمه الشهداء بدمائهم الزكية وهو متابعة السير لإسقاط نظام الإجرام وتحكيم نظام الإسلام.
وفي هذه المرحلة يتوجب علينا توضيح أمور مهمة عدة بناء على تجارب مرّت بها ثورتنا العظيمة، فالحذر في هذا التوقيت أمرٌ مهم جداً، لأن محاولات إجهاض الثورة ما زالت مستمرة، ولن تتوقف لأن طريق الحق مليءٌ بالأشواك والعوائق التي بإذن الله ستحطمها سيول الصادقين وتجعلها هباءً منثوراً.
ستعمل هذه الأدوات على بثِّ وترويج الأفكار التي من وظيفتها أن تضيّع الهدف وتشتت الأذهان وتحرف المسار، فمثلاً يتم طرح فكرة "الإصلاح" كما كان زمن النظام المجرم، فهل أمثال هؤلاء المجرمين يُعمل على إصلاحهم؟! أم أن الواجب اقتلاعهم واجتثاث جذورهم الفاسدة؟
وأيضاً لا بد من الحذر الشديد من "التفرقة" سواء المناطقية أو الفصائلية، فكما هو معلوم لدينا أن هذه الأدوات الإجرامية وباستخدام ذرائع عدّة أوقعوا العديد من الخلافات المصطنعة بين الفصائل الثورية لإيقاعها باقتتالات داخلية لا تخدم سوى مصالح أسيادهم، وأوجدوا شرخاً بين المجاهدين الذين كانوا في سابق الأيام على ثغرٍ واحد، وقاموا بتقسيم المناطق المحررة أيضاً إلى ضفّتين لزيادة التفرقة ووضعوا المعابر والفواصل بينها لزيادة المعاناة والتفرقة، وهذا ما سيستخدمونه ذريعة في قادم الأيام، محاولين جعل القضية صراعاً بين أطراف متنازعة في المنطقتين كي يخمدوا عزيمة الثائرين، ولن يقفوا عند هذا الحد، بل سيعملون على ترويج فكرة المصالحة والحلول السياسية، وضخّها بقوة، وقد بدأوا بخطوات عملية بهذا الاتجاه لعلمهم باقتراب زوالهم على أيدي الصادقين الثابتين على أرض الشام.
هذه أهم النقاط التي كان لزاماً علينا أن نتوخى الحذر منها. والآن ما هو الطريق السليم، وكيف السبيل لتجنّب العقبات في هذه المرحلة التي تعتبر مرحلة تحديد المصير؟ وهذا يكون بالعودة لثوابت ثورتنا المباركة؛ وأولها إسقاط النظام المجرم بدستوره وكافة أركانه ورموزه ومؤسساته السياسية والعسكرية، وقطع الارتباطات الخارجية، وإقامة حكم الإسلام على أنقاض الحكم الجبري، فهذه الثوابت هي بوصلة الثورة، ولتحقيق هذا كان لا بد من إزالة جميع الأدوات التي تعمل لصالح الغرب الكافر وتخدم بذلك النظام المجرم.
ولقد رأينا الحراك المبارك لأهل الشام الذي انطلق ليعيد للثورة بريقها وقوتها، وهو خطوة عملية لإزالة المجرمين والقادة المرتبطين الذين يقفون عائقاً في طريق إسقاط نظام أسد المجرم. وثانياً التوّكل على الله وحده؛ فالثورة التي قامت تحمل مبدأ الإسلام وعقيدته لا يمكن أن تنتظر نصراً من أعداء الله ولا يمكن أن تقبل الدعم من أحد. ولقد رأينا مصير من اتخذ من دون الله ولياً وتمّلق الدول من أجل الدعم كيف أصبح مصيره وكيف ألقى بنفسه في هاوية سحيقة.
إذاً فالخطوة العملية هي الاعتصام بحبل الله المتين، وتوحيد الأهداف والجهود السياسية والعسكرية هو نقطة الفصل، وهذا ما سيعيد بوصلة الثورة إلى اتجاهها الصحيح نحو إسقاط النظام العلماني المجرم والإطاحة بالحكم الجبري في عقر داره في دمشق، ومن ثم إقامة حكم الإسلام، المتمثل بدولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة بإذن الله تعالى، على أنقاضه.
ونؤكد لأهلنا في أرض الشام الطاهرة، أن الصراع بين أهل الحق وبين أهل الباطل ماضٍ إلى قيام الساعة، وأنه مهما حاولت أنظمة الكفر وعلى رأسهم عرّاب المصالحات النظام التركي إجهاض هذه الثورة فلن يستطيعوا، لأن من يغالب الله يُغلب، وهذه الثورة المباركة تسير بهدى الرحمن ومعيّته ولن يضرها من خذلها، والله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم ﷺ قد بشّروا المؤمنين بالنصر والتمكين وأن الثبات والصبر على الابتلاء هو من مقومات النصر، قال الله تعالى: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وقال نبيّنا الكريم ﷺ: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً» رواه الترمذي.
بقلم: الأستاذ علي معاز
رأيك في الموضوع