في آخر شهر كانون الثاني/يناير الفائت قال مراسل هيئة الإذاعة والتلفزيون في كيان يهود روعي كايس: "إنّ مصر نصحتنا بوقف إطلاق النار في غزّة قبل شهر رمضان؛ حتّى لا ينفجر الوضع في المنطقة".
وفي أواخر شباط/فبراير الفائت صرّح الرئيس الأمريكي بايدن أنّ "(إسرائيل) ستوقف الحرب في شهر رمضان في إطار اتّفاق وقف إطلاق النار".
خمسة أشهر مضت على المجازر الرهيبة والتدمير المنهجي المستمرّ في محاولة لتحويل قطاع غزّة إلى ركام وأطلال ولتهجير أهله ومحوه من الخريطة، ثمّ مع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك يراود الفراعنةَ الخوفُ من انفلات الأمور من أيديهم. لماذا؟ لأنّه الشهر الذي ليس كسائر الشهور؛ إنّه ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾، الشهر الذي يتضاعف فيه شعور الروحانية عند المسلمين، ويكونون فيه أقرب إلى ربّهم، وأكثر تشوّقا إلى الجنّة ونعيمها، وأكثر استحضارا لسيرة نبيّهم ﷺ وسيرة أصحابه وسِيَر خلفائه الراشدين رضي الله عنهم. وفيه يكونون أكثر استذكارا للملاحم والفتوح والانتصارات التي سطّرها المجاهدون الذين كانوا ﴿لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾، والذين كانت خيولهم تقطع الوديان والقفار وتتسلّق الجبال وتنحدر في الوديان، عادياتٍ ضبحا، ومورياتٍ قدحا، ومغيرات صبحا، تثير النقع وتتوسط به جموع الأعداء، جهادا ﴿فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً﴾، فنصرهم الله تعالى، ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا﴾.
إنّه الشهر الذي شهد أعظم الانتصارات التي منّ الله بها على أمّة الإسلام، منذ أوّل غزوة في تاريخ الإسلام وحتّى زماننا الحاضر:
ففيه كان النصر العسكري الأوّل، في غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية للهجرة، التي نصر الله تعالى فيها القلّة من المؤمنين على الكثرة من المشركين، ﴿يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ والتي أعلنت للعرب ثمّ للعالم كلّه أنّ عصرا جديدا من الصراع بين الحقّ والباطل قد بدأ بانضمام السنان إلى اللسان طريقةً لحمل الدعوة إلى الناس.
وفيه فتح مكّة في السنة الثامنة للهجرة، يومها حطّم النبيّ ﷺ أصنام الكعبة وسقطت بلا رجعة دولة الشرك التي حاربت الإسلام منذ ولادته وحالت بينه وبين العرب، لتدين بعدها سائر العرب تباعا حتّى غدت الجزيرة دارا واحدة تدين بالإسلام وبالولاء لدولة النبيّ ﷺ.
وفيه معركة القادسية سنة خمس عشرة للهجرة بقيادة صاحب رسول الله ﷺ سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه، وكانت معركة فاصلة أجهزت على إمبراطورية المجوس فدخلت بلاد فارس وأهلها في دار الإسلام.
وفيه فتح بلاد الأندلس سنة ٩٢هـ بقيادة البطل طارق بن زياد الذي سجّل له التاريخ شرف عبور الإسلام إلى أوروبا بعد أن كانت دولته قد ترامت بين قارتي آسيا وأفريقيا.
وفيه معركة الزلّاقة في الأندلس بقيادة المجاهد يوسف بن تاشفين سنة ٤٧٩هـ، تلك المعركة التي وقت بلاد الأندلس من حملات الفرنجة وأخّرت سقوطها أكثر من قرنين من الزمان.
وفيه موقعة حطّين سنة ٥٨٤هـ، بقيادة السلطان الناصر صلاح الدين حيث حُطّم فيها جيش الفرنجة الصليبيين وأسفرت عن تحرير بيت المقدس بعد احتلاله قرابة تسعين عاما.
وفيه معركة عين جالوت بقيادة سلطان المماليك المظفر قطز سنة ٦٨٥هـ والتي كسرت إلى الأبد جيش المغول الذي عاث في الأرض قتلا وفسادا فقتل الملايين وهدم الحواضر وأسقط خلافة المسلمين في بغداد وقتل آخر خلفائها، فعذبهم الله تعالى بأيدي المجاهدين المماليك وأخزاهم ونصرهم عليهم وشفى منهم صدور قوم مؤمنين، وقد مهّدت هذه المعركة للظاهر بيبرس خليفة قطز إحياء الخلافة مجددا في القاهرة بعد ثلاث سنين من سقوطها في بغداد، كما مهّدت لطرد ما تبقّى من الفرنجة الصليبيين في بلاد الشام على أيدي بيبرس والناصر قلاوون والأشرف خليل.
ثمّ في زماننا الحاضر حرب رمضان سنة ١٩٧٣ التي تكاد تكون الانتصار العسكري الوحيد الذي حقّقته جيوش دول الطوق على كيان يهود، حيث تمكّنت من الانتصار على جيش الكيان فعبرت قناة السويس وحطّمت أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر"، كما حطّمتها مجدّدا في تشرين الأول/أكتوبر الماضي عملية طوفان الأقصى.
إنّه الشهر الذي يتوافد فيه أهل فلسطين المحتلّة إلى الصلاة في المسجد الأقصى فيمتلئ بمئات الآلاف من المصلين القائمين والركّع السجود، ليزدادوا أجراً وليكيدوا يهود المحتلّين.
لأجل كلّ هذه المعاني التي خبِرها أعداء الإسلام والمسلمين وعرفوها وقرأوا تاريخها يحذرون رمضان ويخشونه ويبغضونه ويحتاطون لموعد حلوله. فناشد طغاة الغرب وفرعون البيت الأبيض رئيس حكومة العدوّ النتن أن يوقف حربه على غزّة قبل حلول الشهر المبارك كي لا تنفلت الأمور من أيديهم ويحصل ما لا يحمدون عقباه.
وفي المقابل: هل سيكون هذا الشهر المبارك منطلقا لهذه الأمّة ولا سيّما أهل القوّة والشوكة فيها لتغيير المعادلة وقيادة جموع المجاهدين من أبناء هذه الأمّة، ليشدخوا نافوخ حلف اللئام من شياطين الغرب وركّاب العروش وكيان يهود ويبيدوا خضراءهم، ولتستعيد الأمّة سلطانها المغصوب، فتعيد للشرع سيادته في أرضها وتستأنف حياتها الإسلامية وتخرج من حال الذلّ والهوان الذي طال أمده وتمادى به الزمان؟
اللهم إنّا نسألك أن تجعلنا أهلا لهذا النصر والشرف العظيم، وأن تأخذ بأيدينا إلى موجبات نصرك الذي وعدته، إنّك أنت العزيز الناصر الجبّار المنتقم، فأعزّنا وانصرنا واجبر كسرنا وانتقم لنا وبنا من أعداء ساموا عبادك سوء العذاب.
رأيك في الموضوع