بقلم: الأستاذ حمد طبيب – بيت المقدس
تحدثنا في الحلقة السابقة عن سياسة الإغراءات والعروض التي مارستها أمريكا، بمساعدة عملائها في المنطقة لتطويع كيان يهود؛ لفرض أوضاع التهدئة كمرحلة أو مقدمات لإيجاد الحلول لقضية فلسطين، وإيجاد التطبيع الشامل مع كافة دول المنطقة المحيطة والقريبة من كيان يهود مستقبلا عندما تتفرغ أمريكا لذلك. ولم تقف سياسة أمريكا عند حد الإغراءات والعروض، بل إنها أيضا مارست بعض الضغوطات المبطنة على حكومة يهود، بطرق مباشرة وغير مباشرة ومن هذه الضغوطات:
1- التقارب السعودي الإيراني: فلا شك أن هذا التقارب هو ضد سياسات وتطلعات كيان يهود، بل إن حكومة نتنياهو تعتبر ذلك تهديداً لها بطريق غير مباشر. فقد ألقت المعارضة في كيان يهود باللوم على الحكومة بعد موضوع التقارب؛ فقد صرح رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت في 13/3/2023م: "إن الاتفاق يعد فشلا ذريعا من جانب حكومة نتنياهو، نابع من مزيج من الإهمال السياسي والدبلوماسية الخارجية، والضعف العام والصراع الداخلي في (إسرائيل)". كما عبر رئيس كتلة المعارضة يائير لبيد عن الموقف نفسه، إذ قال إن الاتفاق بين طهران والرياض "فشلٌ كامل وخطير في السياسة الخارجية للحكومة (الإسرائيلية)"، معتبرا استئناف العلاقات بين البلدين بمثابة انهيار لجدار الدفاع الإقليمي، الذي بدأت حكومته في بنائه ضد إيران. وأوضح الكاتب أرئيل كهانا، في مقال بصحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، أن تطورات الأحداث "تشعل أضواء التحذير على خريطة الشرق الأوسط من كل صوب؛ إيران تفتح سفارتها في الرياض بعد سبع سنوات من إغلاقها... الإمارات، التي طبعت معنا، تبتعد خطوة إضافية عن الولايات المتحدة، وتترك باستعراضية قوة حفظ النظام الأمريكية التي يفترض بها أن تحرص على أمن الملاحة في الخليج العربي، كما يجري الحديث عن أن مصر، الدولة الأولى التي وقعت على اتفاق سلام مع (إسرائيل)، بدأت محادثات مع طهران نحو إقامة علاقات".
2- الإيعاز للدول المجاورة لممارسة ضغوطات عن طريق التهديد بإنهاء التطبيع. فقد حذرت وزارة الخارجية القطرية في بيان لها، من تلاشي فرص السلام واتساع دائرة العنف بسبب تصعيد يهود المستمر في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ودانت الإمارات اعتداءاتهم على مدينة جنين ومخيمها. ودعت الخارجية الإماراتية كيان يهود، في بيان صدر عنها يوم 20/6/2023، إلى خفض التصعيد، وعدم اتخاذ خطوات تفاقم التوتر والعنف في الأراضي الفلسطينية. وحذرت وزارة الخارجية الأردنية من عواقب هذا التصعيد الذي لن يؤدي إلا إلى المزيد من التدهور والعنف، وأكد المجالي موقف الأردن الرافض لهذه الاعتداءات، ولجميع الإجراءات الأحادية التي تقوض جهود تحقيق التهدئة، مشدداً على ضرورة تحرك المجتمع الدولي بشكلٍ فوري وفاعل لوقف هذا العدوان، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة كافة. والحقيقة هي أن هذه المواقف وإن كانت لا ترتقي إلى الحدّ الأدنى من الإنكار على كيان يهود أفعاله، ولكنها تصب في دائرة الضغوط الدبلوماسية عليه؛ لإنهاء دائرة العنف والعمل على التهدئة، وكل ذلك هو تحت مظلة أمريكا وبتوجيهاتها؛ لأنها هي من مهد الطريق للتطبيع مع كيان يهود.
3- الإيعاز لمصر برعاية موضوع المقاومة في قطاع غزة عن طريق تزويدها سرا بأسلحة ومعدات حسب ما تراه مصر، وكذلك بتزويدها بالأموال عن طريق التهريب من رفح المصرية. والحقيقة هي أن موضوع تزويد مصر بأسباب الاستمرارية للمقاومة واضح غير مخفي، وتعلم به مخابرات يهود، وتعلمه أمريكا وبرضاها، وهدفها من ذلك كما أسلفنا هو السيطرة على المقاومة، وتسييرها في الوجهة السياسية المطلوبة. وهذا الأمر يشبه إلى حد بعيد ما فعلته تركيا بالفصائل العسكرية في الشام، حيث أصبحت في النهاية رهينة مخططاتها، أي لا تخرج عن سياسات أمريكا. والحاصل أن المقاومة في غزة أصبحت من أدوات الضغط على يهود، ومن أدوات السيطرة على إرادة الشعوب في تطويع الرفض اليهودي تماما كما هو حال السلطة ومنظمة التحرير داخل الشطر الثالث من فلسطين.
4- السماح لحزب إيران في لبنان بممارسة سياسة التهديد والوعيد لكيان يهود، وموضوع هذا الحزب وتسليحه بصواريخ بعيدة المدى، تطال كل مدن يهود، هو عملية مدروسة من الجانب الأمريكي. فأمريكا تعتبر حزب إيران من أدوات الضغط على كيان يهود، ومن أدوات تنفيذ سياساتها في منطقة الشام؛ حيث دخل مع تركيا وإيران في عملية إجهاض ثورة الشام، وما زالت قواته موجودة هناك. فما يمارسه حزب إيران بقيادة نصر الله يصب في دائرة التطبيع لدول المنطقة، وإيجاد الحلول لقضية فلسطين، عن طريق التهديد والوعيد. وإذا اقتضى الأمر الدخول في مناوشات مع يهود تكون محدودة الزمان والمكان. وقد هدد حزب إيران اللبناني بالفعل كيان يهود في أكثر من مرة كان آخرها في 14/4/2023 حيث جاء في تصريح له بمناسبة الاحتفال المركزي الذي ينظمه إحياءً ليوم القدس العالمي: "يجب دعم الضفة الغربية ليس فقط الدعم المعنوي والسياسي ولكن دعمها بالمال، ويجب أن نعمل له جميعاً". وعن الوضع في سوريا قال نصر الله: "الموقف السوري من الاعتداءات (الإسرائيلية) قد يتبدل في أي وقت من الأوقات، وحسابات العدو الخاطئة؛ قد تظهر نتائجها في أي لحظة". لافتاً إلى "ضعف أمريكا في المنطقة أمام تعاظم قوة محور المقاومة". وكان حذر من قبل في مقابلة تلفزيونية في 26 كانون الثاني 2019، كيان يهود من التمادي في ضرباته على سوريا، معتبراً القصف الأخير على أطراف دمشق وجنوب البلاد "تطوراً خطيراً". وفي حوار مباشر أجرته معه قناة الميادين التلفزيونية المؤيدة لحزب إيران وجّه نصر الله، "رسالة لـنتنياهو، بأن تكون حذراً في التمادي فيما تقوم به في سوريا"، مضيفاً "لا تخطئ التقدير، ولا تأخذ المنطقة إلى حرب أو مواجهة كبرى". وكان وزير جيش يهود يوآف غالانت قد توعد في 7/8/2023 بإعادة لبنان إلى العصر الحجري؛ في أي حرب يدخلها مع حزب إيران، وذلك بعد تكرر المناوشات مع الحزب اللبناني على الحدود بين البلدين خلال الأسابيع الماضية. ورد نصر الله في 10/8/2023 على تهديدات وزير جيش يهود فقال: "إذا هاجمتنا (إسرائيل)، فسوف نعيدها إلى العصر الحجري". وأشار نصر الله إلى أنه منذ حرب لبنان الثانية عام 2006، ضعف جيش يهود قائلا: "في حال نشبت حملة ضد المقاومة فلن يكون هناك كيان اسمه (إسرائيل). وما يمنع (إسرائيل) من مهاجمة لبنان هو حقيقة أن أي اعتداء سيواجه ردا قاسيا".
هذه بعض الأمور في ممارسة ضغوطات على كيان يهود من خلال المحيط والدول المجاورة، فهل تنجح سياسة أمريكا في مشروع التهدئة كمقدمات لإيجاد الحلول مستقبلا، وإيجاد وترسيخ أسس التطبيع مع باقي دول المنطقة كالسعودية وسوريا وغيرهما، وإقناع حكومة نتنياهو بذلك، أم أن الأمور ستتجه نحو التصعيد، وبالتالي انفلات الأمور داخليا وخارجيا تجاه لبنان وسوريا؟ وحتى نجيب عن هذا السؤال يجب أن ندرك الأمور التالية:
يتبع...
رأيك في الموضوع