ذكرنا في الحلقة السابقة توصيفا وتشخيصا لواقع الحياة التي يعيشها أهل مصر، ولواقع شعب مصر؛ من حيث حبه والتصاقه بالإسلام، رغم كل المؤامرات ضدّه، وتوصيفاً لواقع التسلط والتبعية والعمالة عند حكامه، ونهبهم للأموال والثروات.
إن هذا الواقع الذي يوشك على الانفجار، ويدفع أبناء مصر الأحرار الغيورين على الإسلام إلى البحث عن طريق الخلاص انطلاقا من أحكام الإسلام، قد جعل الغرب يركز جهوده بكثافة ضد مصر وأبنائها؛ حتى لا تصل الأمور إلى حدّ الانفجار، كما حصل في أيام الثورة سنة 2012. لقد قام الغرب وعلى رأسه أمريكا بوضع خطط ضد أهل الكنانة، حتى لا يصلوا إلى عملية تغيير جذرية صحيحة. فما هي هذه الأساليب والوسائل الماكرة التي وضعها الغرب لتطويق شعب مصر، والوقوف في وجهه، ومنعه من التحرر والانعتاق من التبعية والعمالة التي فرضها عليه حكامه، والخروج من هذا الكابوس الثقيل، والذل والهوان والفقر والحرمان، وهل يمكن أن ينجح الغرب فيها؟! أما الخطط والأساليب فأبرزها:
- التضليل الفكري والسياسي: ونقصد به إلهاء الناس أولا بأهداف جانبية لا توصل للخلاص ولا للتغيير الجذري؛ كلّما خلصوا من أمر فتحوا عليهم أمراً آخر غيره؛ ليبقوا في حلقة دوران فارغة يلهونهم فيها بالأهداف الوضيعة عن الغايات السامية العظيمة. ومن هذه الألهيات: الانتخابات، والتنافس على البرلمان الذي لا يمت للحكم وللقرارات السياسية بأية صلة، وذلك كما جرى في أعقاب الثورة لصرف الناس عن مساوئ النظام وجرائمه المتكررة والمتنامية. ومن التضليل الفكري والسياسي أيضا: الاتهامات المتكررة للجماعات الإسلامية بأنها سبب المشاكل والأزمات. وفي بعض الأحيان يعمل النظام على إثارة المشاكل في منطقة ما، وإلصاقها بالجماعات الإسلامية؛ ليصرف الناس عن حجم المأساة التي يعيشها هذا النظام من تبعية وعمالة وتردٍّ اقتصادي وقروض، وبيع الأصول الاقتصادية في البلد، وخصخصة المؤسسات العامة، وغير ذلك من جرائم ومن نهب وسلب لمقدرات البلد. ومن التضليل أيضا التخويف من ردة فعل الغرب من وصول الإسلام للحكم، وبأن الشعب سيواجه حرباً شاملة مع العالم، وأنه سيجوع ويعرى وسيعيش في عزلة عن العالم.
- تكبيل المؤسسة العسكرية: ونقصد بذلك الرقابة المستمرة على القيادات والضباط الفاعلين المؤثرين في الجيش، والتحرّي في إعطاء المناصب الحساسة لأصحاب الولاء للدولة، وعدم تمكين الجيش من الأسلحة في الثكنات العسكرية إلا ضمن أحوال معينة، وتحت رقابة شديدة، وضمن تقسيمات وجزئيات هنا وهناك؛ مسيطرٍ عليها ومراقبة بشكل دقيق. الإغراءات المالية والامتيازات لهذه المؤسسة؛ أي ربط القيادات بالأمور المالية المستمرة. إضافة إلى هذا وذاك تثقيف أفراد الجيش بثقافة خاصة لإخلاص الولاء للسياسيين والطاعة العمياء. أما الصف الأول فثقفوهم بثقافات خاصة في الدول الأجنبية، وتحت عيون المؤسسات العسكرية الغربية والكليات الحربية فيها. القبضة الحديدية والرقابة الصارمة لكل أمر في هذه المؤسسة، وتنفيذ عقوبات الخيانة العظمى لكل من يخالف أوامر الهيئة السياسية وأهدافها. وهذا الأمر تقوم به الدولة وأجهزة مخابراتها، والصف الأول من القيادات في الجيش؛ وذلك حرصاً منها على استمرارية التبعية والعمالة من هذه المؤسسة؛ لتنفيذ المشاريع الاستعمارية المنوطة بها من الحكومة. والأمر الثاني الذي من أجله يجري تكبيل المؤسسة العسكرية هو وجود عدد لا بأس به من القيادات المخلصة وجمهرة من العسكريين العاديين، وهذا الأمر يخيف قادة المؤسسة من الصف الأول، خاصة أنه حصلت محاولات مخلصة في السابق للانقضاض على العملاء السياسيين في الحكم.
- سيطرة المتنفذين على مفاصل الاقتصاد من السياسيين وضباط الجيش الكبار. ولا يخفى على المتابعين لشئون مصر الاقتصادية أن مفاصل الاقتصاد فيها يسيطر عليها المتنفذون في الحكم، والمقربون منهم من الجيش؛ من كبار الضباط والقادة الكبار. يقول الكاتب عبد الرحمن النجار في مقال نشر على موقع مجلة ساسة بوست بتاريخ 6 تموز/يوليو 2014: "إن تكليف الجيش بمشاريع البنية التحتية المحلية ليس سلوكاً جديداً من السلطات المصرية، ولكن تجدّد دور الجيش في الشؤون الداخلية للبلاد؛ وخاصة منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في تموز/يوليو من عام 2013 وتنصيب عبد الفتاح السيسي رئيساً للبلاد في حزيران/يونيو 2014"، ويقول: "وهناك ثمة ثلاث مؤسسات اقتصادية متخصصة، تدار فروعها بمعرفة وزارة الدفاع، تلعب دوراً مباشراً في المشاريع الاقتصادية المحلية للجيش: وهي: 1- جهاز مشروعات الخدمة الوطنية. 2- الهيئة العربية للتصنيع. 3- الهيئة القومية للإنتاج الحربي. وأما الأراضي الزراعية فإن الدولة تقدم امتيازات كبيرة للعسكريين المتنفذين في الجيش بامتلاك آلاف الهكتارات من الأراضي. يقول الكاتب مصطفى إبراهيم في موقع المعهد المصري للدراسات بتاريخ 6 كانون الثاني/يناير 2018: "سيطر النظام العسكري الحاكم على معظم إن لم يكن كل مظاهر الحياة الاقتصادية في مصر، وتعد أراضي الدولة المصرية من أبرز القطاعات التي يستحوذ عليها العسكر، وتمت تلك السيطرة على مراحل عدة، وصلت ذروتها عقب انقلاب 3 يوليو 2013". وبرز هذا الملف على سطح الأحداث بمصر في العقدين الأخيرين لحكم مبارك، الذي منح أركان نظامه ملايين الأفدنة لرجال الأعمال، ضمن صفقات شابها الفساد، وبعد الانقلاب منح العسكر لأنفسهم آلاف الأفدنة تحت شعار "للقوات المسلحة"، فضلاً عن وضع أيديهم على معظم أراضي الدولة، إضافة إلى منح السيسي حكاما عربا عشرات الأفدنة؛ في أماكن عدة في مصر بالمخالفة للقانون، كل ذلك في خطوات تُعدّ بكل المعايير إهداراً لمقدرات الشعب المصري، المالك الوحيد لهذه المقدرات والثروات حسب نصوص كل الدساتير والأعراف القانونية الدولية والإقليمية.
- الحرب الشرسة على أبناء الحركات الإسلامية، والحركات الجهادية في سيناء وغيرها. وهذه الحرب ليست جديدة في مصر، بل هي قديمة منذ أيام ثورة 1952، حيث اضطهدت الجماعات الإسلامية، وأعدم قادتها فيما سمي بحادثة المنشية، وذلك في سنة 1954، حيث اتهموا بعض قادة الإخوان المسلمين بمحاولة قتل الرئيس جمال عبد الناصر؛ ومن هؤلاء الذين نفذ فيهم حكم الإعدام: محمود عبد اللطيف، ويوسف طلعت، وإبراهيم الطيب، وهنداوي دوير، ومحمد فرغلي، وعبد القادر عودة. واستمر مسلسل الإعدامات بعد ذلك، حيث نفذ حكم الإعدام بقيادات جديدة بعد مقتل الرئيس السادات: منهم الضابط العسكري خالد الإسلامبولى، وحسين عباس، ومحمد عبد السلام فرج، وعبد الحميد عبد السلام، وعطا طايل حميدة. وما زال مسلسل الملاحقة والسجون للحركات الإسلامية؛ حيث يقبع المئات منهم في سجون مصر المتناثرة على امتداد أرضها. والهدف من هذه الحرب الشرسة هو حماية نظام العمالة وإبعاد شعب مصر عن تأييد الجماعات الإسلامية، وإرسال رسالة قوية لكل من يحاول الوقوف في مقابلة النظام والتصدي له، أو التفكير بالانقلاب عليه.
يتبع...
رأيك في الموضوع