أعلنت اللجنة الاقتصادية العليا للحوثيين عبر بيان لها في 05/10/2022م، أنها قامت بتحرير مخاطبات نهائية لجميع الشركات النفطية المحلية والأجنبية العاملة في مجالات النفط المختلفة الإنتاجية من حقول النفط، والناقلة له إلى عرض البحر استعداداً لتصديره، والعاملة على تسويقه وبيعه في الأسواق العالمية، بالتوقف عن ممارسة جميع تلك الأعمال نهائياً. وقالت اللجنة الاقتصادية (تأسست في 2018م برئاسة نائب رئيس الوزراء للشؤون التنموية والاقتصادية حسين مقبولي الأهدل، يقوم بأعمال رئيس اللجنة الآن محافظ بنك صنعاء هاشم إسماعيل)، قالت "إن عملها هذا جاء كإجراء قانوني يستند إلى الدستور والقوانين اليمنية النافذة، التي تلزم بحماية وصيانة الثروات الوطنية، بالاستناد إلى اتفاقيات المشاركة التي أقرها مجلس النواب، وكذلك قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ذات الصلة". فماذا وضع الحوثيون أهدافاً يسعون لتحقيقها من وراء القيام بهذه الخطوة؟ وماذا كان واجباً عليهم أن يقوموا به؟
في البداية نقول إن عبد الملك الحوثي في ختام خطابه في الذكرى السنوية الثامنة لــ21 أيلول/سبتمبر المنصرم، قد خاطب الشركات النفطية لوقف أعمالها في اليمن، في ظل الحرب والحصار، خصوصاً أن العائدات النفطية والغازية لم توجه لصرف مرتبات موظفي القطاع الحكومي المتوقفة منذ العام 2017م، ورددها بعده مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى، وبعده التقفتها اللجنة الاقتصادية العليا، وباشرت توجيه الخطابات للشركات النفطية العاملة في اليمن.
يريد الحوثيون من وراء القيام بهذا العمل السياسي أن يضعوا الملف الاقتصادي على جدول أعمال البحث في المفاوضات القادمة برعاية دولية غربية، بعد أن لمسوا استبعاده في جولات المباحثات السابقة. ليستبعدوا تبعات تردي حالة الناس المعيشية في ظل انعدام الرواتب، الضارة بهم، وإدراج أتباعهم المدنيين والعسكريين في كشوفات المرتبات. والمضي قدماً في ترسيخ حكمهم في صنعاء. ويوافق الحوثيون على صرف رواتب الموظفين الحكوميين، وفق آلية إشرافية واضحة ومتفق عليها من الأمم المتحدة، وفق قرار مجلس الأمن 2451.
كما يهدف الحوثيون من وراء القيام بذلك العمل، بعد أن انفردت عدن بجميع القطاعات النفطية المنتجة للنفط والغاز في مأرب وشبوة وحضرموت والمهرة، الضغط على الشركات النفطية الأوروبية العاملة في اليمن والحصول على إتاوات من الشركات النفطية العاملة في اليمن مقابل استمرارها في العمل "تحت مسمى إعادة صياغة إبرام الاتفاقيات مع الشركات النفطية العاملة في اليمن"، نظير التلويح الخفي لها بإدخال شركات نفطية أمريكية متخفية بمظهر آسيوي كوري وإندونيسي - للتنقيب عن النفط في الأحواض الرسوبية في القطاعات المطروحة للتنقيب عن النفط - اسْتُبْعِدَتْ في السابق من الحصول على امتيازات للتنقيب عن النفط في القطاعات النفطية المطروحة من وزارة النفط بصنعاء.
توجيه خطابات تحريرية حوثية للشركات النفطية العاملة في اليمن، يشبه استهداف شركة أرامكو النفطية السعودية بعدد من الهجمات العسكرية، التي أوقفتها الهدنة منذ 2 نيسان/أبريل الماضي. لكن هل الوقت اليوم يسمح بتكرار سيناريو الهجمات العسكرية نفسه ضد الشركات النفطية الأوروبية داخل اليمن؟ هذا ما ستثبته الأيام القادمة.
مع أن وجود النفط في اليمن يعود إلى بدايات القرن المنصرم "إبان بقاء اليمن في كنف الخلافة العثمانية"، تلتها أعمال استكشافية عنه في الصليف على شواطئ البحر الأحمر، تُوِجَتْ بحفر بئر استكشافية فيه، وقد حضر إلى الصليف في 1928م كرين نجل الدبلوماسي الأمريكي المشارك في تسويات نهايات الحرب العالمية الأولى. تلاه حفر بئر استكشافي في ثمود بحضرموت في 1960م من شركة بان الأمريكية، فيما أعلن الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن عن وجود النفط بعرض البحر في بئر شرمة بالقرب من المكلا بمحافظة حضرموت. إلا إن استكشاف النفط وإنتاجه بمحافظة مأرب، قد قامت به في 1984م شركة هنت الأمريكية المملوكة لأسرة بوش، وفي محافظة شبوة بعد أحداث 13 كانون الثاني/يناير 1986م من الروس، ثم في حضرموت والمهرة. ومن المتوقع عودة الاستكشافات النفطية في الصليف من الشركات الأمريكية، منذ وصول الحوثيين صنعاء في 2014م.
تقدر كمية النفط في عموم القطاعات النفطية المنتجة مليون برميل يومياً، ما عدا الغاز الذي يكون مصاحبا للنفط وكانت الشركات تحرقه في الجو بموافقة النظام القائم، إلا أن أهل اليمن يعانون من اتساع رقعة الفقر، واستغلال الأمم المتحدة والمنظمات الغربية الدولية المشبوهة لهذا الملف، لتوسيع تدخلاتها في اليمن، وتُوَجَّهُ إليهم المعونات الدولية، ويدفع اليمن تجاه طلب القروض من البنك وصندوق النقد الدوليين، اللذين يشتركان مع الشركات النفطية الأجنبية بهدف شراء أصول اقتصادية في اليمن وعلى رأسها القطاعات النفطية، بحجة استيفاء القروض المقدمة له منهما، وعجزه عن سدادها!
إن واقع حال الشركات النفطية العاملة على استكشاف وإنتاج وتسويق النفط في اليمن، مثل بقية حال البلاد المنتجة للنفط في العالم، يذهب 51% من قيمته لصالح تلك الشركات، يضاف إليها قيمة تكلفة الإنتاج لصالح الشركات المنقبة بمبالغ طائلة تُقَدِّرُهَا تلك الشركات. ثم إن تلك الشركات تصبح مؤثرة في القرار السياسي للبلاد التي تعمل فيها، نظير اعتماد تلك البلاد في ميزانياتها على نسب تقترب من 100%، فيصبح أمر البلاد مرهوناً بمدى ما تقدمه تلك الشركات للخزينة العامة لأنظمة الحكم فيها. أما حصة الأنظمة من عائدات النفط، فإنه مقسم لثلاثة أثلاث: الثلث الأول يذهب نظير شراء أسلحة لحماية تلك الأنظمة في معترك المتغيرات السياسية، ويقبع الثلث الثاني في البنوك الغربية لتشغيل اقتصادياتها، فيما يعود الثلث الأخير للخزينة العامة بعد أن يمر على أيدي اللصوص الحكوميين.
لقد كان حريا بالحوثيين ألا يستندوا إلى دستور وقوانين ولوائح من سبقهم من حكام السوء، ولا يرضوا بأقل من طرد جميع الشركات النفطية العاملة في اليمن، ويلغوا عقودها الباطلة شرعاً، القائمة على تملك حصة في الحقول النفطية. فالنفط في الإسلام ملكية عامة لا يجوز تحويله إلى ملكية دولة أو ملكية خاصة لأهله، فما بالك بتمليكه للشركات النفطية الأجنبية الغربية الاستعمارية؟!
من هنا تأتي جدية أن يعمل المسلمون على إقامة كيان سياسي لهم يحكمهم بالإسلام ويجمعهم ويزيل عنهم الحدود التي صنعها الغرب صاحب تلك الشركات النفطية، وليس أمامهم سوى إقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع