أعلن الفريق البرهان رئيس المجلس السيادي في 4/7/2022م انسحاب الجيش من المفاوضات السياسية التي تقودها الآلية الثلاثية من بعثة الأمم المتحدة في السودان والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد، ليترك المجال للقوة المدنية لتشكيل حكومة كفاءات. وأشار البرهان إلى أنه بعد تشكيل الحكومة التنفيذية سيتم حل مجلس السيادة وتشكيل مجلس أعلى من القوات المسلحة والدعم السريع يكون مسؤولاً عن مهام الأمن والدفاع وما يتعلق بها من مسؤوليات تستكمل مهامه بالاتفاق مع الحكومة التي يتم تشكيلها.
قبل الخوض في تفاصيل الخطاب لا بد من أن نشير إلى من يمتلك السلطة في السودان، فمنذ انقلاب جعفر النميري في الستينات دخل النفوذ الأمريكي إلى السودان، واستمر بعد انقلاب عمر البشير وما زال في السلطة عبر دعم بعض قادة الجيش وتنفيذهم للأجندة والتعليمات الأمريكية. يتضح ذلك هذه الأيام في تدخل السفارة الأمريكية والقائم بأعمالها وعبر مبعوثيها وإشراف مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية مولي في، في كل تفاصيل الحياة السودانية، ومن قبل يؤكد ذلك انفصال الجنوب والدور القذر الذي لعبته أمريكا، وشهد بذلك الرئيس البشير في لقائه مع موقع سبوتنيك الروسي في 25/11/2017م حيث قال: "ما حصل في السودان بأن ينقسم، الانقسام هذا كان بضغط وتآمر أمريكي والخطة هي تدمير السودان وتقسيمه إلى خمس دول، هذه هي الخطة الأمريكية". واليوم قيادات العسكر تسير في الطريق ذاته وهو تنفيذ الأجندة الأمريكية بغض النظر عن الذل والفقر الذي يعيشه.
أما من الناحية الأخرى فإن السفارة البريطانية تشرف على القادة السياسيين المدنيين بشكل كبير، حيث كانت حكومة حمدوك والأحزاب الداعمة لها ترتمي في أحضان السفارة البريطانية، وبرعاية السفير البريطاني عرفان صديق؛ الذي كان يتحدث كأنَّه الحاكم الفعلي للسودان، وكيف تسربت الأخبار أن السفير البريطاني هو الذي كتب خطاب حمدوك إلى الأمم المتحدة لطلب بعثة أممية لحكم السودان، واليوم السفير البريطاني جايلز ليفر يرعى الحراك المدني ويطلب من العسكر عدم التعرض للمتظاهرين، ويزور القادة المدنيين في بيوتهم، وتنظم السفارة الاحتفالات لهم، والغائب يترك كرسيه فارغاً ويكتب اسمه، بمنتهى الوقاحة والعمالة!
هذه هي حقيقة الصراع في السودان بين الطرفين المتشاكسين؛ المدنيين والعسكريين، ولا أقول كل أبناء الأمة في الجيش وإنما فقط بعض القادة العسكريين الذين يتلقون تعليماتهم من السفارة الأمريكية والمبعوثين الأمريكان.
لقد كان خطاب البرهان بمثابة الإحراج للقوى السياسية المدنية. ولكنه لم يحدث تغييراً في حقيقة السلطة والقوة، فإن القوة والسلطة ما زالتا بيد العسكريين، وهذا كان قرار قيادات الجيش منذ البداية؛ أن تكون لهم قيادة المجلس السيادي، ووزارة الدفاع وإدارة الأجهزة الأمنية، وليس لديهم مانع أن تكون الحكومة لأي حزب طالما أنه لن يتدخل في القيادة العامة للدولة والجيش والأمن، ولقد كان ذلك واضحاً في الأجواء التي سبقت انقلاب البرهان في 25/10/2021م، حيث ثارت ثائرة الجيش والدعم السريع بعد خطاب حمدوك يوم الثلاثاء 22 حزيران/يونيو 2021م، والذي فيه دعا إلى إصلاح وهيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية فثارت ثائرة الجيش حتى تم الانقلاب والإطاحة بحكومة حمدوك.
لقد كان حمدوك يطالب بأن تكون له السلطة حتى ينفذ أجندة الثورة، ما يعني أن السلطة ليست في مجلس الوزراء وإنما تكمن في يد من بيده القوة، لذلك فالسلطة في السودان تكمن في القوة العسكرية التي هي بيد قادة الجيش المدعومين بقوة أمريكا.
لقد ضلل خطاب البرهان الذين لا يتابعون السياسة بعمق، ولا يدركون حقيقة الأوضاع في السودان ومن الذي يتحكم فيها، ومن هي القوى الدولية التي تشرف عليه وترعى القيادات من عسكر ومدنيين، هذا الخطاب أوهم البعض أن العسكر زاهدون في السلطة ولا يرغبون فيها.
لكن هذا مجرد وهمٍ وتضليل، فإن العسكر لم يتنازلوا عن السلطة منذ ذهاب البشير إلى اليوم، فقد كان البرهان رئيس المجلس العسكري، ثم رئيس المجلس السيادي، ثم ها هو الآن قائد الانقلاب ورئيس المجلس السيادي الحاكم في السودان. وحتى إن تم الاتفاق الآن على حكومة مدنية فإن السلطة ستكون بيد المجلس الأعلى الذي سيُشكَّل لاحقاً حسب خطاب البرهان، إذن لم يترك العسكر السلطة ولن يتركوها، لأن العسكر يعلمون تماماً ماذا يعني استلام المدنيين للسلطة؟ يعني أنهم إذا رجعوا إلى ثكناتهم وسلموا القيادة الفعلية للمدنيين، فسيقدمون لمحاكمات تُنصب لهم بها المشانق، وتُجز بها رقابهم، وهذا ما لا يمكن أن يرضى به العسكر، فالصراع مع القوى المدنية هو صراع وجودي بالنسبة للعسكر تدعمهم السفارة الأمريكية وتخطط لهم وتعطيهم التعليمات، ومنها كان خطاب البرهان في 4 تموز/يوليو 2022م.
لقد حسم الإسلام موضوع هذا الصراع عندما جعل في أحكامه السيادة للشرع في وضع التشريعات والأحكام والقوانين، فلا سيادة إلا لشرع الله سبحانه، والسلطان للأمة وليس للجيش ولا للمدنيين، فلا يسمح لأحد في الإسلام أن يتولى السلطة إلا برضا الناس واختيارهم عبر البيعة الشرعية، فلا انقلاب في الإسلام، فالبيعة لخليفة المسلمين واجبة، يقول النبي ﷺ: «مَنْ بَايَعَ إِمَاماً فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ» أخرجه مسلم. وتؤكد النصوص أن السلطة لا تكون لقوتين في الوقت نفسه، وإنما تكون لحاكم واحد تبايعه الأمة عن رضا واختيار. روى الإمام مسلم وغيره عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا» فلا فرصة لتدخل الدول الاستعمارية في أحوال العباد والبلاد، ولا سماح لعملاء المستعمرين بأن يصلوا الحكم بالجبر والانقلاب. فلا حل لمشاكل أهل السودان إلا بإقامة نظام الخلافة؛ فبه وحده الخلاص والمخرج للسودان من الأزمات والكوارث التي تضرب البلاد. فيا أهل السودان، انصروا هذا المشروع العظيم، ويا أيها المخلصون من أبناء القوات المسلحة، أعطوا النصرة لحزب التحرير لنقيمها خلافة راشدة على منهاج النبوة، نحقق بذلك وعد الله سبحانه وبشرى رسوله ﷺ القائل: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ سَكَتَ» رواه الإمام أحمد في مسنده.
* مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع