تمر الأيام على أهل الشام كأنها طواحين هواء تعصف بها الرياح فتخرج منها ما ينفع الناس، وتلفظ عنها ما فسد منها، كيف لا وهذه الشام التي أخبر عنها رسول الله ﷺ بقوله: «أَلَا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ» رواه النسائي.
أردت في هذا المقال أن أقف على آخر مستجدات التآمر على أهل الشام، حيث بلغ المكر الدولي مبلغاً يُوجب على أهل الثورة وأولياء الدم وأصحاب القضية، أن يحددوا مسارهم ويتلمسوا طريق خلاصهم، قبل أن يندموا يوم لا ينفعهم الندم، وقبل أن يأتي يوم يقولون فيه مع القائل ليتني كنت أبصر أو أسمع!
وانطلاقا من الثابت الذي رسمته أمريكا في التعامل مع ثورة الشام، حيث تعتبر هي صاحبة النفوذ في سوريا وهي سيدة النظام فيها وتسعى لحمايته والحفاظ عليه، فقد حددت مسار الحل في سوريا ووزعت أدواره على أدواتها من الدول الفاعلة بشكل مباشر في ثورة الشام. وإن من أبجديات هذا الحل هو محاولة أمريكا القضاء على ثورة الشام وإعادة الشرعية لنظام الإجرام وإيجاد ما يسمى حلا سياسياً ومصالحة بين أهل الثورة وبين نظام الإجرام.
وقد سعت أمريكا لهذا من خلال محاولات كثيرة لإخضاع الناس عبر سياسات مختلفة منها التهجير الممنهج والقتل المنظم، ومن ثم تسليط حكومات تحاكي النظام السوري بمعتقلاته وسياساته الأمنية والقمعية، ومن جانب آخر سعت أمريكا في الآونة الأخيرة إلى دفع الأنظمة للتطبيع مع النظام المجرم، ومحاولة إعادة الاعتراف به وإعطائه الشرعية، ناهيك عن مسار اللجنة الدستورية الذي يحاول فرض شرعية النظام عبر المعارضة المصطنعة.
وفي هذا السياق يمكن فهم المحاولات المتكررة لبرنامج الغذاء العالمي الذي تديره أمريكا، لتحويل إدخال المساعدات الغذائية عبر خطوط الجبهات مع مناطق النظام، وذلك بعد فشل حكومات الأمر الواقع بفتحها نتيجة رفض أهل الثورة لهذا الإجراء الذي يعتبر بداية التطبيع مع النظام، وما زالت الفصائل المرتبطة تعين أمريكا على إجراءاتها الساعية لفرض التطبيع مع النظام، حيث إنها قبلت تنفيذ الاتفاقيات الدولية خاصة ما يتعلق بتسليم العديد من المناطق فضلاً عن تسيير الدوريات الروسية التركية المشتركة في وقت سابق.
وأيضاً يمكن إدراج تصرفات الفصائل والحكومات مع أهل الثورة سواء بالتضييق عليهم بالاعتقال وتكميم الأفواه، أو بالقيام بأعمال استفزازية كالإفراج عن القتلة والمجرمين، ناهيك عن رعاية الفُرقة وافتعال الاقتتالات بين الحين والآخر، وهذا كله يصب في خانة الضغط على الناس ودفعهم لليأس والاستسلام، وبالتالي الخضوع للقرارات الدولية المنوطة بإعادة شرعية النظام، وتحويل هدف الثورة لتغيير أشخاص كلّت أيديهم من ذبحنا، والإتيان بأشخاص يستعدون لإكمال المهمة بأسماء جديدة ووجوه متلونة.
أما حفر خندق على طول خطوط الجبهات مع نظام الإجرام، فإنه يُفهم في السياق ذاته الداعي لتعطيل التفكير بإسقاط هذا النظام، وما فعلته تركيا على أطراف مدينة الباب يعتبر خطة خبيثة أوقعت البعض في فخ الثنائيات، فهي بدأت بالفعل بحفر خندق بعيد عن الجبهات، وهذا ما أثار حفيظة الكثيرين الذين رأوا في هذا العمل محاولة تسليم مناطق جديدة للنظام، ما جعلهم يتظاهرون ويعتصمون أمام آليات الحفر، لتخضع تركيا لتغيير مسار الحفر إلى خطوط الجبهات، وهذا ما تريده أمريكا حقاً، وهو حصر تفكير الناس بالمشاكل الفرعية الكثيرة التي تحصل في المناطق المحررة، وإبعادهم عن التفكير أو التخطيط لأي عمل من شأنه أن يسقط بشار ونظامه.
إن وضوح الهدف هو من أهم ما يجب أن يكون حاضراً في أذهان الثائرين، ومن ثم لا بد من فهم معالم الطريق، والاستعداد لمواجهة كل المخاطر التي تحيط بالثورة وأهلها، فقد أثبت أهل الشام استعدادهم للتضحية بأرواحهم على مر سنوات الثورة، وعليهم أن يكونوا على أتم استعداد للحفاظ على هذه الفاتورة الضخمة من التضحيات، ولا يرضوا بأي مساومة عليها، بل ويعملوا على تحقيق الهدف الذي من أجله بُذلت هذه التضحيات؛ تطبيق الإسلام في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة.
أكتب هذه الكلمات لعلها تجد آذاناً صاغية وقلوباً واعية تدرك حجم الخطر المحدق بنا، وتعي طبيعة المكر الذي يُمكر بنا، ثم تتلمس طريق الخلاص والنجاة في الدارين، فلا منجى لنا إلا بتبنّي الإسلام والفخر به، تبنّي الإسلام كدين شامل ينظم كل شؤون الإنسان، والبدء باتباع أوامر الله عز وجل وترك كل ما نهى عنه؛ أوامره تعالى التي تحثنا على الأخذ بالأسباب المؤدية للنصر، فنعتصم بحبله المتين ونجتمع على أمره القويم، ونلفظ أي علاقة مع المجرمين الظالمين ونبتعد عن مجرد الركون إليهم ولو بشيء بسيط، وذلك حتى يمنّ الله سبحانه وتعالى بنصره، فهو القائل في كتابه الكريم: ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾، ويكرمنا بالاستخلاف والتمكين في الأرض مصداقا لقوله تبارك وتعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون﴾.
رأيك في الموضوع