انطلقت في العاصمة السودانية الخرطوم يوم الخميس الماضي مشاورات سياسية تقوم بها الآلية الثلاثية المكونة من بعثة الأمم المتحدة في السودان يونيتامس، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة الإيقاد، في محاولة لإيجاد حل للأزمة السياسية الراهنة في السودان.
وتجيء هذه الآلية بعد محاولة فولكر بيرتس رئيس بعثة يونيتامس في السودان، الانفراد بالحل لمصلحة المكون المدني الذي يتبع لبريطانيا، ما أزعج أمريكا فأوعزت إلى العسكر بمهاجمة فولكر، واتهامه بأنه يتجاوز المهام التي من أجلها كانت بعثته، بل وتهديده بالطرد، ومعلوم كيف جاءت هذه البعثة أساساً، حيث أرسل حمدوك خطاباً إلى غوتيريش بمساعدة السفير البريطاني السابق عرفان صديق، اللذان حاولا أن يجعلا الخطاب سرياً للغاية، إلا أنه انكشف بعد 14 يوماً لوسائل الإعلام، فانزعج السفير البريطاني. ثم تقدمت بريطانيا وألمانيا بمشروع القرار لمجلس الأمن الذي اتخذ القرار 2524 في 04/06/2020م بتشكيل بعثة اليونيتامس لينتقل الصراع إلى رئاسة البعثة، حيث رشح الأوروبيون الفرنسي جان كريستوفر بليار الذي رفضته قيادات العسكر، ثم تم التوافق على الألماني فولكر بيرتس، ثم كان انقلاب البرهان الذي رتبه المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان بتاريخ 25/10/2021م، فكان أن أعلن فولكر في 08/01/2022م إطلاق مشاورات أولية لعملية سياسية شاملة بين الأطراف السودانية بعد أن عقدت البعثة 110 اجتماعاً بمشاركة 804 شخصاً، وتلقت 80 مقترحاً مكتوباً، فجاء في تقريرها الختامي: "دعم حل سوداني وطني للخروج من الأزمة السياسية".
ثم شرعت بعثة اليونيتامس في الانتقال إلى الحوار المباشر بين أطراف الأزمة؛ العسكر والمدنيين، فحركت أمريكا الاتحاد الأفريقي الذي ينازع البعثة الأممية، فقد ذكرت صحيفة الجريدة في 27/02/2022م بأن الاتحاد الأفريقي طالب بإيقاف ما يقوم به فولكر، مذكراً إياها بالاتفاق الموقع في العام 2017م بأن الأمم المتحدة لا تبحث قضايا أفريقيا إلا إذا أحالها لها الاتحاد الأفريقي، لذلك فإنه لا ولاية للأمم المتحدة على الشأن السوداني، وتم التوافق على الآلية الثلاثية من اليونيتامس، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة الإيقاد. وفي مؤتمر صحفي في 27/04/2022م، أعلنت الآلية عن انطلاق الحوار في أيار/مايو، قال ود لباد: "اتفقنا على موعد انطلاق الحوار الوطني في الفترة من 10-12 أيار/مايو المقبل".
ويبدو أن توافق الآلية الثلاثية يعكس التوافق والدعم الدولي لهذا الحوار، حيث زار الخرطوم في 28-29/04/2022م، ستة مسئولين غربيين يمثلون الأطراف الحقيقية للأزمة، وهم: (مبعوث فرنسا للقرن الأفريقي فريدريك كلافير، والمسؤول الألماني عن شرق أفريقيا ثورستن هوتر، ومدير الشؤون الإقليمية النرويجي ماي إيلين ستينر، والمبعوث البريطاني الخاص للقرن الأفريقي فيليب بارهام، ونائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشرق أفريقيا بيتر لورد، وممثل الاتحاد الأوروبي الخاص للقرن الأفريقي أنيت ويب). وقال رئيس البعثة الأوروبية، روبرت فان دن دوول في بيان: "سيواصل الاتحاد الأوروبي دعم أهداف التحول الديمقراطي في السودان". وأوضح أن "المبادرة ثلاثية الأطراف من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) للجمع بين العديد من المبادرات المدنية في عملية يقودها السودانيون لإيجاد طريقة للخروج من الأزمة الحالية بالاعتماد على دعامة قوية من الشمولية، تحظى بدعمنا الكامل". وأضاف: "اليوم ندعو جميع أصحاب المصلحة في عملية الانتقال في السودان إلى الانخراط بشكل بناء في عملية الحوار هذه، ما يجعلها جهدا بقيادة السودانيين حقا لإنجاح التحول الديمقراطي". (الأناضول 10/5/2022م).
ثم اتصلت يوم الأحد 08/05/2022م، مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشئون الأفريقية مولي في، لتؤكد دعم بلادها لحوار الآلية الثلاثية، ولتعرب عن التزام بلادها بإعادة الدعم إلى السودان في حال تحقيق التوافق واستكمال عملية الانتقال. وفي بيان صادر عن الخارجية الأمريكية في 09/05/2022 أكدت دعمها القوي لجهود الآلية وترحيبها بالتواصل والتقدم المحرز، وقال البيان: "تكرر الولايات المتحدة دعمها القوي للجهود المشتركة التي تبذلها بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) لتسهيل عملية سياسية تمكن استعادة المرحلة الانتقالية بقيادة مدنية للتوصل إلى الديمقراطية في السودان، ونرحب بالتواصل والتقدم المحرز حتى الآن". وأضاف البيان: "مع تقدم العملية وبدء الميسرين بالمحادثات مع أصحاب المصلحة حول جوهر الحل، نحن مقتنعون بأن العملية التي ييسرها كل من يونيتامس والاتحاد الأفريقي وإيغاد هي الآلية الأكثر شمولا للتوصل إلى اتفاق تمس الحاجة إليه بشأن إطار المرحلة الانتقالية بقيادة مدنية. ونواصل تشجيع كافة الأطراف المدنية والعسكرية السودانية على الاستفادة من هذه العملية لتحقيق تقدم ديمقراطي واستقرار وطني". كل هذا الدعم والزخم الدولي يؤكد توافق الأطراف على الآلية الثلاثية.
وبالرغم من ذلك مرت الفترة 10-12 أيار/مايو ولم تستطع الآلية إطلاق الحوار، ورشحت الأخبار عن الاختلاف بين مكونات الآلية فيمن توجه لهم الدعوات، ومن يشملهم الحوار، حيث قالت مصادر على صلة بأعمال البعثة، وبحسب موقع نبض السودان: "إن هناك خلافا بين رئيس اليونيتامس فولكر، وبين مبعوث الاتحاد الأفريقي ود لباد بشأن الأطراف التي يمكن أن تشارك في الملتقى"، وأضاف: "ود لباد يسعى بصورة حثيثة لإشراك قوى سياسية كانت شاركت البشير حتى سقوطه". وكانت البعثة الأممية قد قالت "بالنظر إلى الظروف سيتم عقد المباحثات بشكل غير مباشر في بادئ الأمر". وكانت ثلاثة من الأحزاب المرتبطة بالسفارة البريطانية استبقت الموعد المحدد لبدء الحوار وأعلنت مقاطعتها للحوار. إلا أن الحوار قد بدأ يوم الخميس الماضي، وبالرغم مما يظهر من تعنت بعض القوى السياسية، إلا أن ذلك من باب محاولة كسب مزيد من النقاط على حساب الآخرين، وأيضاً محاولة لرفع السقف ليس إلا، فإنهم جميعاً في خاتمة المطاف مجرد أدوات تنفذ سياسات أسيادها، وليس لهم من الأمر شيء، فإذا اتفق سادتهم أذعن العبيد ولا عزاء لأهل السودان!
هذه الوقائع تؤكد أن بلادنا ما زالت ساحة للصراع الدولي، وأدواته الآن هم قادة الجيش والوسط السياسي العميل، وكل منهم يدعي أنه وكيل عن أهل البلد، ومتصرف في سلطاتهم، لكن نقطة التغيير التي ستقلب الطاولة على الغرب وأدواته تبدأ باسترداد الأمة سلطانها المغتصب، وجعل السودان نقطة ارتكاز لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي ستطهر الوسط السياسي، وتقتلع نفوذ الغرب الكافر المستعمر من بلاد المسلمين، وتحمل الإسلام للعالم بالدعوة والجهاد في سبيل الله.
* الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع