كشف الرئيس التركي قبل أيام "عن مشروع جديد يضمن عودة مليون لاجئ سوري من المقيمين في تركيا إلى الداخل السوري"، مشدداً على أن تركيا "تعمل على دعم استراتيجية السيطرة على الهجرة عبر الحدود بمشاريع العودة الطوعية". مضيفاً: "نبذل قصارى جهدنا من أجل العودة الطوعية والمشرفة لإخواننا السوريين".
وحول الخطة التي أعلنها أردوغان أثناء إلقائه كلمة له عبر الفيديو في حفل افتتاح مشروع منازل الطوب في الشمال السوري قبل أيام، تم التأكيد أن المناطق التي تتمتع بالاستقرار السياسي والعسكري ستكون لها الأولوية لتنفيذ مشروع إعادة توطين مليون لاجئ سوري موجود في تركيا، وقال إن "نحو 500 ألف سوري عادوا إلى المناطق الآمنة التي وفرتها تركيا منذ إطلاق عملياتها في سوريا".
فيما قال زعيم حزب الحركة القومية بهجلي في اليوم التالي: "إن الهجرة غير النظامية تتحول إلى غزو". تصريحان متزامنان يؤكدان سير الطرفين وفق الخط الأمريكي فيما يخص الحل السياسي وانتخابات عام 2023م.
فيما قال وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، الذي وصل من معبر باب الهوى إلى مخيم الكمونة بمنطقة باتبو بريف إدلب لافتتاح ثلاث قرى سكنية للنازحين في إدلب، إنهم بصدد بناء نحو 250 ألف منزل شمالي سوريا بهدف توفير العودة الطوعية لمليون سوري من تركيا، وأشار إلى أن تركيا أعدت 13 مشروعا تتضمن بناء 250 ألف منزل في مناطق الباب وجرابلس ورأس العين وتل أبيض. وأوضح أن تمويل تلك المشاريع سيكون من منظمات إغاثة دولية، وأن المشروع يستهدف السوريين الحاصلين على الحماية المؤقتة في تركيا، ويمنح السوريين حق الانتفاع بالمنازل لمدة 5 أو 10 سنوات.
وكان صويلو نفسه قد تحدث قبل العيد، من باب التضييق على الناس، عن عدم السّماح بعودة من ذهبوا لقضاء العيد في سوريا وإيقاف الإجازات للسوريين الراغبين في ذلك، مؤكداً أيضاً إيقاف الموافقات على طلبات اللجوء الجديدة إلى مدينة إسطنبول.
ولنا وقفات قصيرة حيال ما سبق:
بدايةً، لا بد من التأكيد أن هذه الخطة تأتي بالتزامن مع تزايد الضغوط في الآونة الأخيرة على ملف اللاجئين السوريين في تركيا، واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية المزمع إجراؤها عام 2023م. حيث يقوم أردوغان، كعادته، باستغلال قضية اللاجئين ويتحدث عن إعادتهم لقطع الطريق على الأحزاب المعارضة التي تتاجر بورقة اللاجئين مع قرب موعد الانتخابات.
فبعد حصار النظام التركي لثورة الشام بأوامر أمريكية، يسعى أردوغان لتسليم مسلمي الشام تدريجياً إلى نظام الطاغية أسد، تماشياً مع موضوع الانتخابات. كما يأتي الموقف التركي هذا متزامناً أيضاً مع تطبيع عدد من الدول العربية مع نظام الطاغية أسد.
وإن مشروعه هذا يتضمن توطين هؤلاء المسلمين اللاجئين في المناطق الآمنة المزعومة بسبب الضغوط التي تولدت عن الرأي العام المناهض لهم، على أن يتم تسليمهم لطاغية العصر في وقت لاحق. وبما أن حكومة أردوغان تعلم أنه لا يمكن إعادة اللاجئين إلى بلادهم قسراً فإنها تغض الطرف عن تضييق الخناق عليهم وتأليب الناس ضدهم، وإيذائهم في الشوارع، وذلك لضمان "عودتهم الطوعية"!
وإذا ما نظرنا في حقيقة هذه التصريحات نجد أن أردوغان ووزراءه ما زالوا يمارسون سياسة الخداع والتضليل الممنهج بتصريحات معكوسة تخديرية ذاق أهل الشام مرارتها مراراً وتكراراً. فهم لا زالوا يبيعون الناس الوهم ويمنونهم بالعودة إلى بيوتهم، في الوقت الذي يسير فيه هؤلاء الساسة ضمن الخط الأمريكي لتعويم نظام الإجرام عميل أمريكا، ويمنعون (عبر قادة المنظومة الفصائلية المرتبطة به) أي تحرك جاد ومخلص لإنجاز ذلك، والأنكى من ذلك ما صدر من تصريحات لإسكان اللاجئين وتوطينهم في مناطق الشمال السوري المكتظة بالسكان مع نسبة عالية جداً من البطالة وهموم الحياة، في منازل لا تليق بكرامة البشر، تفتقد لأدنى مقومات العيش الكريم، بعيداً عن مدنهم الأصلية التي تم تهجيرهم منها قهراً وقسراً، بتواطؤ النظام التركي نفسه، عدا عن كونها إبر مسكّن لتخفيف ضغط الناس واحتقانهم ومطالبتهم بإعادتهم معززين مكرمين إلى ديارهم وبيوتهم.
ونتساءل هنا: أليس أردوغان نفسه هو من سلم حلب، وباعتراف بوتين نفسه، وهجر أهلها مقابل مدينة الباب ومصالحه وأمن حدوده؟!
أليس أردوغان هو من انخرط في اتفاقيات أستانة وسوتشي اللتين تم بموجبهما تسليم مئات المناطق وتهجير أهلها، وما زال يفرض على قادة المنظومة الفصائلية المرتبطة منع فتح الجبهات، بل ومحاسبة كل من يخالف ذلك كأمثال أبي خولة وغيره في تادف وغيرها؟!
لم ننس بعد الخطوط الأردوغانية الحمراء حول حلب وأخواتها، وكذبة "أنتم المهاجرون ونحن الأنصار" التي انتهت صلاحيتها وافتضحت أهدافها، والتصريح الاستعراضي المنافق: "لن نسمح بحماة ثانية"، فكانت ثالثة ورابعة وخامسة وبمساعدة أردوغان نفسه!
نعم، إن أردوغان يقتل القتيل ويمشي في جنازته، يظهر نفاقاً حزناً مصطنعاً ودموع تماسيح مستهلكة، في الوقت الذي يمعن فيه في محاصرة أهل الشام وزيادة معاناتهم وآلام تهجيرهم، ويمنع الفصائل المرتبطة من استعادة المناطق وإعادة الناس لمناطقهم "بشرف" كما يزعم، وذلك بعد أن سلب قرار هذه المنظومة الفصائلية وحول مهمتها إلى حراسة جبهات النظام ريثما تتمكن أمريكا من المضي قدماً في خططها وخطواتها لوأد الثورة وإعادة أهلها إلى بطش وقهر عميلها المدلل أسد.
فالرئيس التركي يريد أن يعيد اللاجئين، نعم، ولكن ليس بشرف كما يدعي، إنما عبر بوابة الحل السياسي الأمريكي الذي ينضح بسمومه، والذي يهدف لإعادة الناس لحضن نظام الإجرام بعد القضاء على ثورتهم، مع استذكار مسرحيات العفو التي يصدرها المجرم أسد في السياق نفسه وللغاية ذاتها، مع بوادر تحركات أردوغانية باتجاه التطبيع مع كل من الإمارات والسعودية وأرمينيا ومصر، تمهيداً لما قد يتبعها من تطبيعٍ مخزٍ مع نظام السفاح المجرم.
هذا وقد استهلك أردوغان كافة مكره وخططه وجهوده لكسر إرادة أهل الشام وحرف مسار ثورتهم وما زال. فهو يتعامل مع ثورة الشام على أنها جهة خارجة عن المجتمع الدولي وعلى عميل أمريكا، لذلك يسعى لمنع انتصارها ولتثبيت نظام العمالة بتطبيق الرؤية الأمريكية للحل عبر القرار الأممي 2254 لإعادة إنتاج النظام بوجه جديد، سواء أبقي رأس النظام أم رحل، ويستخدم لذلك أدواته بالمحرر، من قادة المنظومة الفصائلية المرتبطة وحكومات مصطنعة وظيفية لقهر وإذلال أهل الثورة وجعلهم يقبلون بالحلول الاستسلامية المذلة.
وما السعي لتوطين اللاجئين السوريين على الحدود السورية التركية داخل هذه المقابر المنزلية، ضمن سياسة قذرة تحت شعار "العودة الطوعية"، إلا غيض من فيض المكر التركي الأمريكي الذي يمهد لخطوات قذرة لاحقة تصب في مصلحة النظام الأسدي المجرم، وخاصة مع توجه تركي لبدء اللعب على المكشوف، والعودة لعلاقات طبيعية مع نظام طاغية الشام، والتي لم تنقطع يوماً إنما تم التعتيم عليها من وراء ستار حسب متطلبات المرحلة وما يقتضيه تقاسم الأدوار بين المتآمرين لخداع الشعب السوري الثائر.
طبعاً، هذا مكرهم ومكر الله بهم أكبر، وكفالته لعباده في الشام هي زادهم ومصدر صمودهم. وهم يعلمون يقيناً أن عودتهم إلى ديارهم، معززين مكرمين مرفوعي الرؤوس، لا تمر عبر منظومة أممية حاقدة على الإسلام وأهل الشام، ولا عبر مجتمع دولي شريك للنظام في سفك دماء أهل الشام، ولا عبر من يزعمون نفاقاً "صداقة الشعب السوري". إنما تمر عبر إرادة مخلصة من شعب ثائر يأبى الذل والهوان ومرارة الاستسلام، ويأبى إلا غذ السير بثبات حتى بلوغ المراد.
وبإذن الله فإن ثبات أهل الشام على ثورتهم وثوابتها سيقلب الموازين ويرد كيد المجرمين، وما على الصادقين إلا طرق باب الخلاص، ومفتاحه الالتفاف حول قيادة سياسية تحمل مشروعاً وخارطة طريق عملية كفيلة بإنهاء إجرام النظام عبر إسقاطه وإقامة حكم الإسلام مكانه في ظلال خلافة على منهاج النبوة يسعى لإقامتها كل مخلص يبتغي الله واليوم الآخر. ونسأل الله أن يكون ذلك قريباً.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع