الحرب بالوكالة هي حرب تنشأ عندما تستخدم القوى المتحاربة أو الدولة الأولى أطرافا أخرى للقتال بدلا عنها سواء أكانوا عملاء لها أو يدورون في فلكها أو دولا مستقلة بشكل مباشر، سواء أكانت فردية أو تكتلات عسكرية، ويكون دور الدولة الأولى عالميا رسم الاستراتيجية السياسية (الخطة) وتحديد الأدوار والأدوات والأوراق التي تمتلكها وضمان سير الجميع ضمن الخطة ووضع البدائل السياسية في الأساليب والوسائل من أجل تحقيق هدف سياسي استراتيجي معين، سواء لهدف عالمي أو إقليمي، أو احتواء خطر محتمل أو تحييد آخرين.
(والحرب بالوكالة تحدث عندما تقوم قوة كبرى بتحريض أو لعب دور رئيسي في دعم وتوجيه القتال في بلد آخر، ولكنها لا تشارك إلا بقدر صغير من القتال الفعلي بنفسها. ومن الناحية العملية الحرب بالوكالة أشبه بطيف، وفي أي صراع غالبا ما يتغير التوازن بين قوى الدولة الراعية والوكيل).
والحرب بالوكالة ضرورة سياسية وعمق استراتيجي لأي دولة تتمتع بالعمق السياسي، بل هو حتمية سياسية قطعية للدولة الأولى عالميا. والدولة الأولى لا تعدم الأوراق والأدوات في صراعها مع الآخرين، وهذه الأوراق والأدوات قد تكون أوراقاً وأدوات ذاتية مباشرة تعبر عن حقيقة تفوق الدولة الأولى سواء قوتها العسكرية وتفوقها التقني والتكنولوجي، والفارق النوعي الكبير بينها وبين خصمها أو خصومها، أو تفوقها الاقتصادي وقوة الأداة الاقتصادية عالميا، سواء قوة عملتها أو قوة سوقها الضخم بما يسمى الحروب الاقتصادية، أو بما تملك من أدوات دولية تحت سيطرتها، كما هو شأن مجلس الأمن في حالات معينة والذي كان غرفة في الخارجية الأمريكية أو صندوق النقد الدولي، ومظاهر قوة الدولة الذاتية كبيرة ومتعددة جدا وإلا لما كانت دولة أولى عالميا.
أما الأوراق غير المباشرة فهي كثيرة جدا سواء أكانت تابعة أو مستقلة لكنها تتحرك لمصلحة حيوية لها كما تخشى دول المحيط الهادي من سيطرة الصين فتستغل أمريكا هذا الأمر لتحريض هذه الدول لاحتواء خطر الصين ويكون دور المركز بعد رسم الخطة متابعة التنفيذ وانسجام الأدوات واستخدام أقوى الأوراق.
والدولة الأولى عالميا بحاجة للحرب بالوكالة حاجتها للماء فهي بدخولها الحرب مباشرة تخسر بعض الأمور حتى لو انتصرت على الخصم في النهاية فهي تخسر من قوتها المباشرة العسكرية والاقتصادية والعددية وينال الأمر من هيبتها ونظرة الآخرين لها من خلال وجود طرف يتحداها ولا يخشاها، ولعل من أخطر أنواع الخسارة وأعنفها اهتزاز ثقة العالم بها.
وثمة أمر آخر خطير تخسره الدولة في الحرب المباشرة وهو أن دخول الحرب المباشرة يعني انشغالها كليا عن النظرة العالمية ومتابعة الأمور كلها بسبب التركيز المباشر على الحرب العسكرية مع خصم معين فتتفلت الأمور من بين يديها وتخرج عن سيطرتها، وإذا كان هناك طرف دولي يتربص بها فإنه يستطيع أن يستغل انشغالها عالميا فيتدخل في بعض القضايا ويغير بعض الأمور وقد يحدث انقلابا لمصلحته في بعض الدول كما كانت تفعل بريطانيا في استغلال الحرب بين العملاقين قبل الاتفاق الدولي بينهما، وهذا الأمر أسوأ أنواع تداعيات الحرب المباشرة وهو يعني تغيراً في الموقف الدولي وليس ضرب واهتزاز ثقة العالم بالدولة الأولى بل إلغاء مكانتها الدولية وصيرورة الموقف الدولي مغايرا لما كان عليه قبل الحرب المباشرة.
إن الحرب بالوكالة فكرة سياسية ذات عمق استراتيجي كبير وأثرها على الدولة الأولى عظيم، فهذه الولايات المتحدة تخوض حربا بالوكالة ضد الصين لاحتوائها من خلال منظومة من الدول في المحيط الهادي والهندي ومن خلال المنظمات الدولية ذات الشأن في تحجيم المارد الصيني واحتواء خطر محتمل قادم من خلال فكرة خلّاقة مستبقةً وقوع الخطر بعقود ومحاربته بقوى أخرى لتفوز هي بالهدف الكبير تاركة الفتات إن وجد لهذه الأوراق مع ما خسرت من قوة نتيجة الحرب بالوكالة بل لتفوز أيضا بأهداف أخرى زائدة كمبيعات الأسلحة وضرب الجميع ودخول الكل تحت أجنحتها فارضة الزعامة الدولية على الجميع من خلال القتال حتى آخر جندي أوكراني أو ياباني أو هندي أو أسترالي بدل المخاطرة بحرب مباشرة قد تنال من قوتها الذاتية وهيبتها الدولية. إذاً كانت الحرب بالوكالة ضرورة حيوية وسياسية للدولة الأولى عالميا.
رأيك في الموضوع