لقد شهدت أسعار القمح في السودان هذه الأيام ارتفاعا كبيرا أثر على أسعار الخبز فارتفع الرغيف حتى بلغ 50 جنيها، والعجيب أنه كان في عهد نظام البشير بجنيه واحد فقط! لقد عزى بعضهم هذا الارتفاع إلى الحرب الروسية الأوكرانية، فقد نشر موقع الأناضول في 8/3/2022م ما نصه: "بلغ التأثير الاقتصادي جراء الصراع الروسي الأوكراني ذروته فيما يتعلق بإمدادات القمح للسودان الذي يعتمد على استيراد نحو 95 بالمئة من مخزونه من دول البحر الأسود وروسيا".
إن مساحة أوكرانيا تقريبا 604000 كيلومتر مربع، إذ تغطي الأراضي الخصبة نحو 70% من مساحتها. ويشكل إنتاج روسيا وأوكرانيا من القمح حوالي 14% من الإنتاج العالمي، وروسيا أكبر مصدر في العالم للقمح، بينما تعد أوكرانيا خامس أكبر مصدر للقمح في العالم ويُطلق عليها "سلة خبز أوروبا". (الأناضول 16/3/2022م).
إن للسودان إمكانيات زراعية ضخمة لافتة للنظر، فهو لا يمكن أن يحتاج إلى استيراد طعام من أحد إذا استغلت ثرواته الكامنة في أراضيه الخصبة، فهو بلد غني وثري بخيراته، فمشروع الجزيرة وحده 2.2 مليون فدان مسطحة، أكبر من كل المساحة المزروعة في أوكرانيا، هذا غير الإمكانيات العظيمة الأخرى، حيث يمتلك تقريبا بين 185-200 مليون فدان صالحة للزراعة وفيه 85 مجرى مائياً عذباً يرفده نهر النيل، يمتلك سنويا تريليون متر مكعب من المياه تأتيه من الأمطار الغزيرة، كما أن لديه مخزوناً ضخماً من المياه الجوفية. حيث يزرع القمح في عروتين شتوية وصيفية. فكيف لهذا البلد أن يحتاج لغيره لولا عمالة حكامه وارتهانهم لتعليمات الدول الاستعمارية وأدواتها الإجرامية صندوق النقد والبنك الدوليين؟!
فقد نشر الموقع الرسمي لوكالة السودان للأنباء (سونا) بتاريخ 6/5/2020م تحت عنوان "السودان هل يمزق فاتورة استيراد القمح هذا العام؟" جاء في التقرير أنه تمت زراعة مساحة 750 ألف فدان من مشروع الجزيرة في 2020م، قد يفوق إنتاج هذا العام المليون طن، وإنتاج هذا العام يتوقع أن يغطي 50% من الاستهلاك المحلي بينما تغطي الدولة الفرق عن طريق الاستيراد. وفي ولاية النيل الأبيض بلغت جملة المساحات المزروعة قمحا 81803 فدان، وفي ولاية سنار وسط السودان، 1530 فدانا، وفي شمال السودان 133 ألف فدان، بالولاية الشمالية، و66435 ألف فدان بكسلا شرق السودان، وبولاية نهر النيل بلغت مساحات زراعة القمح 43 ألف فدان.
فهذه الـ750 ألف فدان حققت مليون طن، ما يعني أنه إذا تمت زراعة 1.5 مليون فدان من مشروع الجزيرة فقط لحقق الاكتفاء من القمح 2 مليون طن ولمزقت فاتورة استيراد، هذا غير المشاريع الزراعية الأخرى في أنحاء السودان المختلفة. إلا أن القضية الأساسية هي عمالة حكام السودان وتطبيقهم لإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، حيث يعاني المزارعون من ارتفاع أسعار الوقود نتيجة لسياسات ما يسمى بالتحرير الاقتصادي ورفع الدعم التي اتبعتها الدولة ونتيجة لمشاكل المياه التي يواجهها مشروع الجزيرة، وارتفاع أسعار الكهرباء بشكل فاحش لرفع الحكومة الدعم عنها مرارا وتكرارا، هذا بالإضافة إلى الجبايات والرسوم التي تفرضها الدولة.
إذن فتدمير قطاع الزراعة هو تدمير ممنهج تقوم به الدولة، والكارثة هي أنها تعرض هذه المشاريع للبيع لما يسمى بالمستثمر الأجنبي. فقد نشر في 29/7/2021م: تم اليوم بمباني إدارة مشروع الجزيرة بالخرطوم توقيع مذكرة تفاهم بين مشروع الجزيرة وشركة (FGM) العالمية الفرنسية حول مشروع الحقول الإنتاجية للزراعة المستدامة، حيث وقع عن الجانب السوداني مدير مشروع الجزيرة وعن الجانب الفرنسي السفيرة الفرنسية بالسودان وممثل شركة (FGM) الفرنسية، وشارك في مراسم التوقيع بالحضور ممثل اتحاد مزارعي الجزيرة والملحق الثقافي بالسفارة الفرنسية وممثل وزارة الري وممثل مجلس إدارة مشروع الجزيرة بروفيسور مأمون وعدد من المهتمين بالشأن الزراعي. وقال إن مشروع الجزيرة مشروع عملاق إذ تبلغ مساحته 2.2 مليون فدان وبه 130 ألف مزارع و18 قسماً وكل قسم يضم مكاتب تبلغ في مجملها 115 مكتباً ويمتاز بري انسيابي لا يحتاج إلى كهرباء ويزرع به عدد من المحولات منها القمح وفول الصويا وغيرها من المحاصيل. (سودان بوست) هذا غير الأراضي التي سلمت لمستثمرين أجانب في الشمالية والنيل الأبيض ودارفور وجنوب كردفان وغيرها.
لقد كان لسياسة التحرير الكامل للجنيه التي قامت بها الحكومة الانتقالية في مطلع آذار/مارس 2022م ما سمي باللجنة الاقتصادية بقيادة حميدتي قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس المجلس السيادي، كان لها أثر أشد وأنكى من تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على أسعار القمح في السودان! فأساس الأزمة وسبب الوضع المأساوي في السودان هو عمالة الحكام. فالسودان بثرواته يمكنه أن يكفي احتياجات كل بلاد المسلمين من القمح إذا وجدت دولة مبدئية ترعى شؤون الناس بالإسلام يكون الحاكم فيها خليفة للنبي ﷺ في إقامة الدين وسياسة الدنيا القائل «فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» والخلافة هي الدولة الوحيدة التي توجد الاستقرار وتعالج المشاكل وتوقف الأزمات لأنها تطبق الإسلام وتقيم حكم الله رب العالمين.
أما الدول الوطنية الوظيفية التي تطبق إرث المستعمر ونظامه الجمهوري الديمقراطي العلماني فإنها لن تحل المشكلة لأنها سبب الأزمة سواء أكانت عسكرية أم مدنية؛ إذن على أهل السودان جميعا أن يجعلوا هذا مطلبهم وقضيتهم، وعلى الشباب المخلص تأييد العمل لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وعلى أهل القوة والمنعة أن ينصروا هذا المشروع ليكونوا أنصار هذا الزمان ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع