لقد أصبح واضحاً للعيان أن المبعوثين الأمريكان يأتون إلى السودان ووراءهم شر وشروط وتعليمات، وكلها تآمر على السودان وأهله، وتنفيذ لأجندات الغرب المستعمر عبر عملائهم، وهي تفكيك السودان وتمزيقه، ونهب ثرواته، وتركيع أهله. فقد وصل السودان الخميس 20/1/2022م وفد أمريكي برئاسة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية مولي في برفقة المبعوث الأمريكي الجديد للقرن الأفريقي ديفيد ساترفيلد، والقائم بأعمال السفارة الأمريكية بالخرطوم براين شوكان. حيث التقى الوفد رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو، وعضو المجلس الفريق ياسر العطا.
جاءوا يحملون أجندة وشروطا للتنفيذ كعادة المبعوثين الأمريكان، وقد كانت التعليمات الأمريكية هذه المرة:
١- دخول الأطراف السودانية فى حوار وطني شامل للخروج من الأزمة الحالية.
٢- تشكيل حكومة ما يسمى بكفاءات وطنية.
٣- إجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية.
٤- قيام انتخابات حرة ونزيهة بنهاية الفترة الانتقالية. (من بيان المجلس على الصفحة الرسمية لمجلس السيادة على الفيس بوك الخميس 20/1/2022م).
وقد شرع البرهان قبل مغادرة الوفد بتنفيذ هذه التعليمات! نشرت الجزيرة نت يوم 20/1/2022م "بعد ساعات من لقائه وفداً أمريكيا.. البرهان يصدر قرارا بتعيين 15 وزيرا".
لو كان هؤلاء القادة ذاتيين في اتخاذ القرار في معالجة المشاكل وحسم التفلتات، ورعاية شؤون الناس لما احتاجوا إلى وفود أجنبية، وطبخات مسمومة وأجندة قذرة. ولكنهم ظلوا يتابعون ببرود انهيار البلاد نحو الهاوية، وسقوطها في الفوضى، سياسيا وأمنيا، واقتصاديا، واجتماعيا، فلم تجد عليهم بصيرتهم بحلول مبدئية تحقن الدماء، وتقضي على الغلاء، وتحاسب المجرمين، ولو أرادوا ذلك لفعلوه ولكنهم ركنوا إلى تنفيذ أجندة الدول الاستعمارية ومؤامرات كيان يهود.
لقد ازدادت جرأة ووقاحة أمريكا في التدخل في شأن السودان بشكل مقزز وغير معقول، فلم يكفها إفقار السودان هذا البلد الغني بثرواته وأهله، وإيقاعه في مصيدة ديون صندوق النقد الدولي، لتدميره اقتصاديا، منذ عهد جعفر النميري. ولم يكفها دعم حركات التمرد بالسلاح والدعم السياسي والإعلامي حتى فصلت الجنوب بالتواطؤ بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني أثناء حكم البشير في أقذر جريمة في تاريخ السودان الحديث، ثم ها هي تبث الفتن وترعى وتشرف على الانقلابات، عبر مبعوثيها وسفرائها في السودان بالتعاون مع عملائهم في الداخل من سياسيين وعسكر، وعملائهم في الدول المجاورة.
لقد كانت أمريكا الراعية لانقلاب البرهان، فقد التقى جيفري فليتمان المبعوث الأمريكي المستقيل، بالبرهان مرات عدة عشية الانقلاب الأحد 24/10/2021م، ولم ينصرف إلا وهو مطمئن على تنفيذ ما اتفقوا عليه.
ثم كانت مولي في مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، وراء الاتفاق السياسي الفاشل بين البرهان وحمدوك في 21 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي الذي تضمن عودة حمدوك إلى رئاسة الحكومة الانتقالية.
نعم، إن أمريكا تستخدم النفاق بتصريحات لتضليل السذج ولذر الرماد في العيون، مثل إن أمريكا ضد العنف وقتل المتظاهرين، أو تدعو للتعجيل بإقامة حكومة يقودها مدنيون، أو التهديد بقطع المساعدات، هذا كله كذب وتضليل فأمريكا التي سحقت العراق ودمرته وأبادت أهله بالأسلحة النووية واليورانيوم المنضب، فهي أكثر الدول إجراما ووحشية في التاريخ الحالي. والأدلة كثيرة جدا، فهي تهدد بقطع المساعدات عن السودان بسبب انقلاب تشرين الأول/أكتوبر 2021م، فالأصل فيها أنها لا تساعد فهي ليست جمعية خيرية، هي دولة مستعمرة تمص دماء الفقراء، فهي لا تدعم إلا عملاءها فقط ليحققوا لها أجندتها، وأن أموالها التي تأتي إلى السودان تذهب رشاوى لعملائها ولحاشيتهم، ليحافظوا على مصالحها، وبعد أن تستنفد أغراضها منهم تلقي بهم على قارعة الطريق، أمثال حسني مبارك في مصر، والنميري والبشير في السودان، أين ذهبوا، فاليوم لا بواكي عليهم؟!
لقد سألت يوما المحلل السياسي والخبير في مجال الحكم، المحامي الأستاذ حاتم جعفر عن المعنى الحقيقي لكلمة عميل فقال: "إن أقبح وأقذر كلمة يمكن أن يوصف بها إنسان ستجد كلمة عميل أقبح وأقذر منها".
وعندما أرى الاستماتة في تنفيذ إملاءات النقد الدولي، مع أنين الفقراء وآلامهم، أتذكر كلمة عميل، وعندما أرى إغلاق الطرق وتعطيل الحياة، في جانب، وقتل النفس الحرام في جانب آخر، أتذكر كلمة عميل. وعندما أرى الحركات المسلحة تصل للقصر بقوة السلاح وتحكم رغما عن جماهير الناس، فمن أعطاهم السلاح ولماذا؟! ومن قدم لهم الدعم السياسي والإعلامي؟! أتذكر كلمة عميل. ولما يستميت السياسيون في وضع القوانين التي تشيع الفاحشة بين المسلمين، باسم الديمقراطية والحرية والعلمانية، أتذكر كلمة عميل.
إن من أقبح وأقذر الأمور في الحياة أن يستنكر الشخص لدينه، فيعادي أمته، ويبيع أخلاقه الكريمة، ويستغل منصبه، ويعمل بخسة ودناءة لتنفيذ مخططات الكافرين أعداء الدين، بالرغم من أن جرائمهم لا تخفى على أحد، يؤكد ذلك قول البرهان: "إن أمريكا ليست جمعية خيرية تعطي بلا مقابل". (وكالة الأناضول 28/11/2020م). كما اعترف البشير قبل سقوطه بقوله: "المتغطي بأمريكا عريان" في خطابه بمناسبة الذكرى الـ29 على تأسيس قوات الدفاع الشعبي في تشرين الثاني/نوفمبر 2018م.
لقد أكد القرآن الكريم ذلك، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً﴾. عندما آمن الأنصار بالإسلام، قدموا أرواحهم وأموالهم لدينهم، وتخلوا عن كل روابط الجاهلية مع اليهود والمشركين، فحموا دولة الإسلام ونصروها في تفان عجيب أذهل كل العالم. فلم يصبحوا عملاء؛ لا للفرس ولا للروم، ولا لأبي جهل وزمرته، حتى اهتز عرش الرحمن لموت زعيم الأنصار سعد بن معاذ إكراما، ورضوان من الله أكبر، رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين.
اليوم الساحة متاحة للمخلصين في الجيش ليقفوا موقف عز وكرامة ورضوان عظيم، فهي فرصة لا تعوض بأن ينزعوا تأييدهم لأمريكا أو غيرها من أعداء الإسلام، وينصروا دين الله سبحانه بتأييد مشروع الإسلام العظيم عبر إقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فهي وحدها المخرج وبها يكون النصر والخلاص للسودان وللمسلمين ولكل مشاكل العالم بإذن الله رب العالمين. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.
رأيك في الموضوع