أجرت صحيفة الثورة الصادرة في صنعاء يوم 1 كانون الثاني/يناير 2022م مقابلة مع إبراهيم المداني رئيس اللجنة الزراعية والسمكية العليا، تحدث فيها عن نزر يسير من المعضلات الاقتصادية التي يواجهها اليمن، كتحكم البنك الدولي بزمام الاقتصاد، والعبث الذي تمارسه المنظمات التي تسرح وتمرح في البلاد منذ عقود من السنين.
سنتحدث في هذه المقالة عن الشق الاقتصادي في المقابلة فقط، ونترك ما سواه. وبالطبع سنضع في النهاية المعالجات الاقتصادية الصحيحة من وجهة نظر الإسلام بشكل مجمل لما يعانيه اليمن من مشاكل اقتصادية.
بدايةً إن النظام الاقتصادي المطبق في اليمن، بقي كما هو، ولم يتغير بقدوم الحوثيين إلى صنعاء، وهذا يعني بقاء الأساس كما هو عليه، وتغيير الرتوش الخارجية فقط. فالمشكلة الاقتصادية إذن هي كما يزعمون قلة الموارد والخدمات وكثرة الناس، والمعالجة تكمن في زيادة الإنتاج لمواجهة حاجة الناس المتزايدة للموارد والخدمات التي هي قليلة في الأساس ولا تكفي لاحتياجاتهم! فعلى صاحب التغيير الحقيقي لما كان عليه الحال الأول، إن كان صادقاً، أن يغير النظام الاقتصادي برمته، وأن يضع مكانه نظامه الاقتصادي البديل، ويختلف في تشخيص المشكلة الاقتصادية للإنسان، والمعالجات الناجعة لها وفق وجهة نظره عن الكون والإنسان والحياة.
وأكبر دليل على بقاء النظام الاقتصادي في البلاد على ما هو عليه، هو بقاء البنك وصندوق النقد الدوليين كمتحكمين في اقتصاد اليمن، يرسمان خطا الاقتصاد وتوجهاته، وتنهال قروضهما على اليمن، لتزداد وطأة الديون الربوية على أهله، وينساقون وفق ما يرسمانه لهم من نهج ومسالك اقتصادية، للوصول في النهاية إلى بيع مصادر اليمن الاقتصادية على أرضه للبنك الدولي كمحطات الكهرباء والمياه وصولاً إلى القطاعات النفطية عن طريق الخصخصة.
ومن الغباء والمغالطة الحديث عن انتهاء دور البنك وصندوق النقد الدوليين مع مجيء الحوثيين إلى صنعاء. فالبنك الدولي أطلق إصلاحاته الاقتصادية والإدارية في العام 1995م، ودخول الحوثيين صنعاء واحدة من ثمار مخططاته، برفع الدعم عن المشتقات النفطية. وصندوق النقد الدولي فتح مكتباً له في صنعاء منذ العام 2011م. لقد تفاخر الحوثيون على صفحات صحيفة الثورة في 2021م بأنهم أمضوا أشهراً في مباحثاتهم مع البنك الدولي، وأعلن في أكثر من مرة تقديمه قروضاً لهم في صنعاء.
فالمداني يحلم بكف أيدي البنك الدولي عن العبث بالاقتصاد في اليمن بقوله "السياسة السابقة كانت تدار من البنك الدولي، وهو بدوره لم يقصَّر في اللعب بهياكل الوزارات والمؤسسات، بحيث جعلها لا تخدم.. هنا كان لزاما علينا أن نجد البديل، فلم يكن أمامنا من فرصة للنجاح، سوى أن نخرج من تحت عباءة هذا النظام، ونشكل إطارا بعيداً عنه، بما يمكننا التحرك بمرونة بعيدا عن الروتين الإداري، فكان الخيار أن تشكل اللجنة"، وهل تستطيع اللجنة الزراعية والسمكية أن تخرج البنك الدولي من اليمن، وتحل المشاكل الاقتصادية في اليمن؟!
أما المنظمات الدولية العاملة في اليمن، فمع أن أعمالها اقتصادية "تقديم الغذاء، تشغيل المستشفيات، وتقديم الأدوية، رصف وتعبيد الطرقات، رفع القمامات من شوارع المدن" لأن الحوثيين لم يكن في وسعهم توفير ذلك وليس لديهم القدرة على القيام به، وغير ذلك كثير، مما ليس هذا مجال بحثه فهو أعمق وأبعد من ذلك، وهو "ضرب مفاهيم الإسلام وسلوكيات الناس في الحكم والاقتصاد والاجتماع والتعليم...الخ، وتبديل مفاهيم وسلوكيات غربية بها لا صلة لها بالدين أصلاً". وقد تحدث المداني عن عدم قيام الحوثيين بإخراج المنظمات العاملة من اليمن، مع علمهم بأن المنظمات تغير جلدها فقط ثم تواصل أنشطتها في اليمن، وقبولهم بذلك منها، رغم علمهم بسوئها! ففي إجابته عن سؤال ماذا فعلتم مع هذه المنظمات وجرائمها؟ قال: "المنظمات التي تم اكتشافها ومواجهتها بأخطائها أعلنت الانسحاب في ظاهر الأمر، لكنها في الواقع ظلت تعاود الكرة تلو الكرة لتعود من جديد، تسارع إلى تغيير اسمها وعنوانها، وحتى جانب مهمتها الإنسانية وترجع من جديد.. لا توجد منظمة غادرت اليمن بشكل نهائي، هي فقط تغير وجهها وموظفيها، وترجع من جديد، لأن لديها مهمة لا بد أن تكتمل". وهذا دليل آخر على بقاء الحال كما كان عليه في اعتماد النظام الاقتصادي على الغير رغم مساوئه الباطنة والظاهرة، وإلا لطردت جميع المنظمات، ومنعتها من العودة إلى اليمن، طالما لديها مخططات خبيثة نما للجميع العلم بها. بل لا يزال الحوثيون يبدون حاجتهم للمنظمات، ويمدون أيديهم لما تجلبه إليهم، فقد ذكر المداني ذلك بقوله "في بداية مشوارنا، نظمنا دورات فرسان التنمية، واخترناهم من فئة الشباب الذين لم يشاركوا في الجبهات، وتم تكليفهم بعمل مسح ميداني لمستحقي الإغاثة، واستلام الإغاثات من المنظمات، والقيام بتوزيعها بدلا عنها"، وتعلم هدفها جيداً، فلماذا تصرون على بقائها وأنتم تعلمون هدفها؟! وقد قال المداني بعظمة لسانه "لأن المنظمات بدأت منذ وطأت أقدامها البلاد، وهي تشتغل على فرض آليات تحطيم الاقتصاد". وبدلاً من طرد المنظمات، فالمداني يهرب من القيام بهذه المهمة ويتنصل من أن يقوم بها النظام الحاكم، ويحيلها إلى المجتمع للقيام بها فيقول: "لا يمكن مواجهة المنظمات إلا إذا أنشئت أمة قوية من داخل المجتمع الواعي القوي بثقافته واقتصاده هو وحده القادر على التصدي لشغل المنظمات".
... يتبع
رأيك في الموضوع