وصلنا إلى الزاوية الثامنة من هذا الموضوع وهي: فشل محاولات الغرب واليهود في تهويد الأقصى، وفي جعل اليهود جسما مقبولا لدى المسلمين؛ رغم كل المحاولات والأعمال! فبعد مرحلة إنشاء وتمكين كيان يهود؛ في فلسطين بمؤامرة عالمية؛ أشرف عليها الغرب، وساعد فيها حكام المسلمين حاول الغرب الصليبي بمشاركة المنظمات الصهيونية، ومساندة ومساعدة الحكام العملاء في بلاد المسلمين؛ حاولوا جعل اليهود جسما مقبولا في البلاد الإسلامية، يتعايش معه المسلمون، ويقبلونه كأمر واقع، ويشاركونه في مؤسساتهم وهيئاتهم ومشاريعهم السياسية، والاقتصادية والعسكرية وغير ذلك. وقاموا بأعمال كثيرة؛ عبر مؤسساتهم وهيئاتهم الدولية؛ مثل هيئة الأمم المتحدة، وعبر حكام الدول العميلة لهم في المحيط الإسلامي، ومؤسساتهم الإقليمية؛ مثل الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.. إلا أنهم فشلوا في هذا الأمر فشلا ذريعا.
لقد تمثلت أعمالهم لجعل هذا الكيان جسما مقبولا بأمور كثيرة ومتعددة نذكر منها بإيجاز:
1- محاولة إنهاء حالة العداء، ودمج كيان يهود مع المحيط الإسلامي.
2- تغيير المناهج والخطاب الديني تجاه اليهود؛ وخاصة في المؤسسات التعليمية والدينية.
3 - توقيع معاهدات سلام مع المحيط لهذا الكيان.
4- إنشاء منظمات اقتصادية وتعاون وتبادل تجاري مع البلاد الإسلامية.
5- السعي لإنشاء منظومة جديدة بدل الجامعة العربية؛ عبر مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد.
6- هرولة حكام المسلمين للتطبيع مع هذا الكيان عبر أعمال كثيرة ومتعددة.
7- إبراز اليهود قوة متفوقة في المنطقة المحيطة بهم، وإشاعة أنه لا يمكن هزيمتهم.
8- تمكين اليهود من إقامة مشاريع في المحيط، وإقامة أحلاف عسكرية، وتبادل أمني مع بعض الدول.
9 - التحايل على قضية فلسطين لإنهائها، وكذلك التحايل على موضوع القدس؛ عن طريق من وضعوهم ممثلين عن أهل فلسطين.
هذه أبرز الأمور التي فعلها الغرب لجعل كيان اليهود جسما مقبولا في المحيط الإسلامي، وإنهاء حالة العداء له من المسلمين.
والحقيقة هي أن كل محاولات الغرب وحكام المسلمين هذه قد فشلت. وقد عبر قادة كيان يهود في أكثر من مناسبة عن ذلك كان آخرها ما ذكره بنيامين نتنياهو سنة 2017 في الكنيست، بمناسبة مرور أربعين عاما على توقيع معاهدة كامب ديفيد مع مصر 1978؛ حيث قال: "إن أكبر عقبة أمام السلام اليوم، ليست موجودة في زعماء الدول من حولنا، وإنما تكمن العقبة في الرأي العام في الشارع العربي، الذي تم غسيل دماغه لسنوات من خلال عرض مشوه ومضلل لدولة (إسرائيل)، وأنه بالرغم من مرور أربعة عقود من معاهدة السلام الدائم بين القاهرة و(إسرائيل)، إلا أن الكثير من وسائل الإعلام في مصر لا تزال تشوه صورة (إسرائيل)"! وهذا أيضا ما ذكره نائب رئيس وزراء الأردن الأسبق محمد الحلايقة بمناسبة مرور 26 عاما على اتفاقية وادي عربة حيث قال: "معاهدة السلام استمرت على مدى الأعوام الماضية بين الحكومات، ولم تتمدد لتصل للشعوب؛ نتيجة حالة الرفض الشعبي الأردني لـ(إسرائيل)"!!
لقد تمثل الفشل الدولي والإقليمي في دمج هذا الكيان المسخ في منظومة المنطقة مع الشعوب في أوجه كثيرة نذكر منها:
1- لم يستطع الغرب ولا عملاؤهم نزع المفهوم العقائدي تجاه اليهود، ولا تجاه بيت المقدس. فاليهود قد تحدث القرآن الكريم عن فسادهم وإفسادهم في الأرض، قال تعالى: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾، فهذه الآية ذكرت أن فساد اليهود مستمرّ إلى يوم القيامة؛ لأنه جاء بصيغة الفعل المضارع (ويسعون)، وكلمة فسادا أيضا جاءت منكرة مطلقة؛ لتشمل كل ألوان الفساد على وجه الأرض. فهذا مفهوم عقائدي عند أمة الإسلام؛ لا يتغير ولا يتبدل. ومن ناحية أخرى فإن اليهود على مدار التاريخ كانوا أهل غدر وخيانة؛ كما أخبر عنهم عبد الله بن سلام الذي كان يهوديا وأسلم في حضرة الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (يا رسول الله إن يهود قومٌ بهت، أهل غدر وخيانة). وقد تحدثت آيات سورة البقرة عن خياناتهم وغدرهم بالأنبياء، وتحدثت السيرة النبوية عن غدرهم وخيانتهم في المدينة، ومحاولاتهم المتكررة لقتل الرسول عليه الصلاة والسلام لولا أن الله عصمه منهم.
2- تمسك المسلمين بمفهوم الجهاد، ومفهوم الجهاد يرتبط بمفهوم الكفر والإيمان. فالجهاد ضد الكفار واجب شرعي، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. قال تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾. وهذا المفهوم للجهاد وللكفر والإيمان لا يتغير أبداً؛ لأنه جزء من عقيدة الإيمان إلى يوم القيامة، فكيف إذا كانوا اليهود؟ وكيف إذا اغتصبوا أولى القبلتين وثالث المسجدين؟ وكيف إذا عاثوا في أرضه فسادا وإفسادا؟!
3- يهود ما زالوا يغتصبون حق المسلمين في الأقصى، ويدّعون كذبا وزورا أنهم أصحاب الحق فيه، وأن هذه الأرض هي أرض الميعاد، وأن المسلمين هم الغرباء عنها، وهذا يزيد من كراهية المسلمين ليهود.
4- كراهية اليهود بسبب ما يقومون به من جرائم في بيت المقدس؛ ففي كل يوم قتل وتنكيل وتهجير وهدم للبيوت، وهذا لا يتفق أبدا مع أكاذيب الغرب وحكام المسلمين بأن اليهود يريدون سلاما، ويريدون إرجاع الحق إلى نصابه حسب أكاذيب هيئة الأمم ومجلس الأمن وقراراتهما.
5- التطرف اليهودي والأحزاب الإجرامية، وما يترتب عليه من كراهية لهؤلاء المجرمين؛ فالحكام في كيان يهود منذ سنوات؛ هي الأحزاب المتطرفة الإرهابية، وهي امتداد للهجاناه وشتيرن واتسل والأرغون ولا تنفصل عنها، بل إن قادة يهود هم من أتباع هذه المنظمات الإجرامية أمثال، ديان وشامير وشارون ورابين، وغيرهم.
6- نظرة اليهود الفوقية. وهذا مدعاة لكراهيتهم عبر التاريخ؛ فنظرتهم الفوقية للعرب في عهد الرسول جعلتهم يكفرون به عليه الصلاة والسلام مع أنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم. ونظرتهم الفوقية جعلتهم يشعلون الفساد في أوروبا ما حدا بالأوروبيين لقتلهم أكثر من مرة.
7- التحالف الصهيوني الصليبي ضد المسلمين في حروب الغرب. فاليهود يتحالفون مع النصارى الصليبيين في كل حروبهم ضد المسلمين. والصليبيون يدعمونهم ويقوون شوكتهم في وجه الإسلام، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ والنصارى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. وهذا ما حصل في السابق وما زال يحدث، فالصليبيون الإنجليز هم من زرعوا اليهود في قلب البلاد الإسلامية. واليهود يتحالفون مع أمريكا وأوروبا في أية حرب في المنطقة.
8- كراهية الشعوب للحكام وحالة الثورات من أسبابها اليهود. فالحقد على اليهود وفسادهم وشرورهم جعل الشعوب أيضا تكره حكامها بسبب تحالفهم ودعمهم لهؤلاء اليهود، ولا ترضى الشعوب إطلاقا بأفعال حكامها في التطبيع أو التقارب مع اليهود.
يتبع...
رأيك في الموضوع