قال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الخاص بالسودان فولكر بيرتس، في تقرير إلى مجلس الأمن الدولي إن "الأزمة في السودان لم تنته بعد". وتابع: "الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الجنرال البرهان ورئيس الوزراء في 21 نوفمبر الماضي ليس مثاليا ولا ممتازا، لكنه ساعد في تفادي مزيد من سفك دماء". (سودان تريبيون 10/12/2021م).
يعلم الداني والقاصي أن الاتفاقيات التي يضع شروطها الكافر المستعمر؛ الذي ينهب الثروات، ويضيِّق على أهل البلاد، لا يمكن أن تكون مثالية ولا ممتازة، فلن توقف الأزمات، ولا سفك الدماء، ولن تحل المشكلات.
إن اتفاق 21/11/2021م، بين قائد الجيش البرهان، ورئيس الوزراء حمدوك، هو جزء من عشرات الاتفاقيات الخبيثة التي يتحكم بها الكافر في بلادنا.
إذ إن ما يدور في السودان هو صراع على السلطة بين عملاء بريطانيا (الاستعمار القديم)، وعملاء أمريكا صاحبة النفوذ على بعض جنرالات الجيش، وكلا الطرفين يستخدم السلطة أداة لتنفيذ أجندة الغرب وخدمة مصالح أسياده، فليس هناك فرق بين الحكومة المدنية، أو العسكرية فكلتاهما تنفذان أجندة المستعمر البريطاني أو الأمريكي.
والشواهد على ذلك كثيرة؛ فقد نددت بريطانيا بانقلاب البرهان، ووصفته بأنه خيانة، فقد قال السفير البريطاني جايلز ليفر في مقطع فيديو مصور أمام السفارة البريطانية، ممهور بشعارها، يوم الجمعة 29/10/2021م: "إن حكومة المملكة تدين بشدة هذا الانقلاب"، وقال: "أولاً: يجب الإفراج عن المعتقلين كلهم.. وثانياً: يجب العودة إلى بنود الوثيقة الدستورية 2019م" وقال: "من المهم جداً أن تحترم القوات الأمنية حق التظاهر السلمي، وستتحمل القوات الأمنية وقياداتها المسؤولية عن أي عنف ضد الشعب". سبحان الله! يعطي التعليمات والأوامر الواجبة كأنه الحاكم الفعلي للبلاد. كما صرحت فيكي فورد وزيرة شؤون أفريقيا البريطانية على تويتر أن "الانقلاب العسكري الذي وقع في السودان اليوم خيانة.." (رويترز 25/10/2021م). كما كتب السفير البريطاني لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، سايمن مانلي، تغريدة على تويتر أن "تصرفات الجيش السوداني تعد خيانة للثورة..". (فرانس 24، 3/11/2021م).
وكتب المبعوث البريطاني الخاص للسودان وجنوب السودان، روبرت فيرويذر، على تويتر "إن الاعتقالات العسكرية للقادة المدنيين ستكون خيانة للثورة والعملية الانتقالية والشعب السوداني". (بي بي سي 25/10/2021م).
أما الذي يؤكد أن أمريكا هي التي كانت وراء الانقلاب، فقد التقى المبعوث الأمريكي جيفري فليتمان، في 24/10/2021م بالبرهان مرتين وبحمدوك ثلاث مرات في اليوم نفسه، وكان أول رد فعل تصريح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس: "إن الولايات المتحدة تعتبر ما حدث في السودان هو سيطرة عسكرية، وإن كلمة "انقلاب" تحتاج إلى تقييم قانوني" (قناة الحرة 26/10/2021م)، وأيضاً تصريح فيلتمان: "نؤكد على ضرورة استعادة الجماهير للشراكة بقيادة حمدوك أو بدونه" (العربية نت 02/11/2021م).
ولما نجح الانقلاب الأمريكي، عادت إلى الخرطوم مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشئون الأفريقية مولي في الفترة من 14-16/11/2021م. وحسب بيان للسفارة الأمريكية في الخرطوم، فإن غرض الزيارة هو "لدعم التوصل إلى حل الأزمة في البلاد وعودة حمدوك إلى منصبه".
وباتفاق 21/11/2021م، عاد حمدوك، ليعمل تحت إشراف مجلس السيادة والعسكر بحسب الاتفاق السياسي، ويسكت عن المطالبة برئاسة مجلس السيادة وهيكلة الأجهزة الأمنية، ما يؤكد أن أمريكا قد نجحت في الضغط لتنفيذ مخططها بأن تكون لها السيطرة والتحكم في أوضاع البلاد عبر عملائها.
إن هذا الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك، الموقع في 14 نقطة، أكد من البداية أن المرجعية هي الوثيقة الدستورية، وليس شرع الله سبحانه وتعالى، فقد أبعد الاتفاق الإسلام عن الدستور والقوانين، في بلد أكثر من 90% فيه مسلمون، ومن أخطر النقاط أن جُعلت لشرق السودان وضعية خاصة، كما كان الجنوب، ثم دارفور، فهي نقطة مشؤومة تهدد وحدة البلاد، كما نص الاتفاق على تشكيل حكومة تكنوقراط (كفايات غير حزبية)، وهي واحدة من أشهر خطوات التضليل تتخذها الحكومات الوظيفية لخداع الناس، لتهدئة الأوضاع المتأزمة إلى حين، كما أشار إلى أن تكون إدارة الفترة الانتقالية بموجب إعلان سياسي يوضع لاحقاً، ما يؤكد أن الحكام لا يملكون مشروعاً سياسياً؛ فالحكم عبارة عن إملاءات، بالإضافة إلى تنفيذ اتفاق جوبا الذي يعتبر واحدا من أكبر الكوارث التي حلت بالبلاد، فهو مشروع لتمزيق السودان وتدميره.
إن هذه الاتفاقيات التي يهندسها الكافر لعملائه، تورث الشقاق وتصنع الأزمات ولا تتصدى لها، والدليل على ذلك أن هذه الاتفاقيات المشؤومة دوماً تكون وبالاً على أهل السودان.
ففي 20/7/2002م، وقعت حكومة السودان، مع الحركة الشعبية، اتفاق مشاكوس، برعاية الدول الاستعمارية خاصة أمريكا وبريطانيا، وفي 9/1/2005م، كانت اتفاقية نيفاشا المشؤومة، التي أدت إلى تمزيق البلاد وانفصال الجنوب، فهل عالجت مشكلة الحكم أو الاقتصاد في السودان؟!
ثم اتفاق أبوجا الذي سمي باتفاقية سلام دارفور في 5/5/2006م، مع حركة أركو مني مناوي. بإشراف الدول الاستعمارية نفسها، واتفاق الدوحة، في 14/7/2011م، مع حركة التحرير والعدالة، واتفاق الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكري، وقوى الحرية والتغيير في 17/8/2019م، ثم اتفاقية جوبا للسلام، في 3/10/2020م، مع عدد من الحركات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، فهل أوجدت سلاماً أو استقراراً، أم أنها فاقمت الأزمات وعمَّقت الصراع؟!
إن المخرج من هذه الصراعات والأزمات يكون بأن يستعيد أهل السودان سلطانهم عبر المخلصين الأنقياء من أهل القوة والمنعة في الجيش وغيره، فإن السلطة المتصارع عليها ليست ملكاً للمتصارعين؛ بل السلطان للمسلمين، يعطونه لمن ينصبونه خليفة عبر بيعة شرعية؛ ليطبق أحكام الإسلام على الناس.
إن حقيقة الدولة أنها كيان تنفيذي لمفاهيم وقناعات آمن بها الناس، فقد أوجب الإسلام أن تقوم الدولة على العقيدة الإسلامية، والحكم الشرعي، أساساً ومقياساً، لا على اتفاقيات تحقق محاصصات أو ترضيات! قال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، وأمر برد الأمر المتنازع فيه إلى شرع الله سبحانه القائل: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾، وجاء في وثيقة المدينة «...وَإِنَّهُ مَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ مِنْ حَدَثٍ أَوِ اشْتِجَارٍ يُخَافُ فَسَادُهُ، فَإِنَّ مَرَدَّهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ».
مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع