بدأت قمة العشرين أو ما يعرف بـ(منتدى التعاون الاقتصادي والمالي) في روما أعمالها يوم 30/10/2021 بآمال كبيرة، وتطلعات عريضة لأعمال وبرامج عدة؛ منها:
1- أزمة التغير المناخي التي تؤرق العالم، وما يترتب عليها من كوارث بيئية، وضرورة بذل الجهود الدولية للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض (في نطاق 1.5 درجة مئوية)، وهو المستوى الذي يقول العلماء إنه ضروري لتجنب أنماط مناخ جديدة كارثية.
2- وسائل الانتعاش الاقتصادي العالمي والتنمية المستدامة، وخاصة في ظل الركود الاقتصادي وغلاء الأسعار وانتشار البطالة.
3- مكافحة فيروس كورونا؛ عن طريق تأمين اللقاحات لأكبر عدد ممكن في العالم.
4- مسائل تتعلق بالضريبة العالمية؛ بفرض الحد الأدنى من الضريبة العالمية على الشركات متعددة الجنسيات، خاصة في أجواء جائحة كورونا.
فهل تستطيع مثل هذه الدول عبر هذه المؤتمرات المتكررة أن تعالج مثل هذه القضايا الكبيرة الشائكة؛ وخاصة في ظل الظروف العالمية المتأزمة سياسيا واقتصاديا؟
قبل الإجابة على هذا السؤال نقول: إن هذه القمة في روما ليست الأولى ولا الأخيرة التي تبحث مثل هذه المسائل، وليست الأولى ولا الأخيرة التي تخرج بقرارات نظرية عبارة عن حبر على ورق، ولا تطبق بعد ذلك في الواقع العملي. فقد عقدت قبلها في هذا العام، قمة الدول السبع الصناعية الكبرى في لندن قبل أشهر قليلة 21/5/2021، ووضعت قرارات منها: الإنعاش الاقتصادي للتعافي من الأزمة المالية، ومنها وضع برامج لمكافحة التغير المناخي، وتوفير اللقاحات لمكافحة جائحة كورونا، بالإضافة إلى ملفات سياسية تتعلق بإيران والصين وسوريا وغيرها. والحقيقة أن هذه القمة للدول العشرين جاءت في ظروف أكثر تعقيدا من سابقاتها؛ حيث إنها جاءت بعد فترة انقطاع طويلة منذ بداية جائحة كورونا؛ حيث تعطلت مثل هذه القمم بسبب كورونا وكانت آخر قمة عقدت قبلها في 21-22 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 في الرياض.
والأمر الثاني: أنها جاءت في ظل تفاقم بعض الأزمات السياسية مثل:
1- قضية إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية لأستراليا، التي أحدثت أزمة بين فرنسا من جانب والحلف الثلاثي (أمريكا وأستراليا وبريطانيا) من جانب آخر.
2- المشاحنات السياسية والاقتصادية بين أمريكا والصين وخاصة برامج الصين العملية بالتخلي عن الدولار في المعاملات التجارية الخارجية، وبتحويل قسم كبير من مدخرات الدولار - وهي عبارة عن سندات خزينة بالدولار الأمريكي - حولتها إلى عملات أخرى أو إلى الذهب، إضافة إلى القضايا السياسية الشائكة المتعلقة ببحر الصين الجنوبي وتايوان وغيرها.
3- المشاحنات بين دول أوروبا خاصة بين بريطانيا وفرنسا على مناطق الصيد البحري، وعلى مناطق النفوذ السياسي في الدول المحسوبة على النفوذ البريطاني كتونس.
4- الأزمة التي حدثت وما زالت بسبب طريقة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وكيف أدارت ظهرها للاتحاد الأوروبي، ولمنظومة حلف الأطلسي العسكرية.
الأمر الثالث: أن هذه القمة جاءت في ظل تفاقم أزمة كورونا وما ينتج عنها من مشاكل عريضة بيئية واقتصادية وغيرها.
إن الناظر المتابع لواقع المنظومات والمؤسسات الاقتصادية العالمية مثل: البنك وصندوق النقد الدوليين، ومنتدى الدول العشرين أو الدول الثماني الصناعية، يرى أنها قد أصبحت تماما كالمنظومات السياسية والعسكرية مثل هيئة الأمم المتحدة وحلف الأطلسي تسخرها في الأغلب الأعم أمريكا لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية معينة. فمنظومة العشرين جاءت فكرة إنشائها بدوافع سياسية من بعض الدول خاصة أمريكا؛ للتغطية على الأزمات المالية المتكررة، خاصة ما حصل في أزمة الأسواق الآسيوية سنة 1999؛ أي بعد أزمة الأسواق الآسيوية 1997، ثم توسعت بعد سنة 2008؛ أي بعد أزمة الرهن العقاري التي بدأت في أمريكا، وامتدت إلى العالم، ولخدمة النواحي المالية في مشاريع سياسية تقوم على رعايتها مثل تمويل الحل لقضايا فلسطين وسوريا وأفغانستان وغيرها من القضايا. فالأمور التي تريدها أمريكا تمهد لنجاحها في هذه المنظمات، وما لا تريده تعمل على إفشاله، ويكون نجاح أو فشل مثل هذه المؤتمرات رهنا للأجواء السياسية السائدة.
إن مصير هذه القمة لن يكون أفضل من سابقاتها حتى وإن خرجت ببعض القرارات الصورية. وإن فشل هذه المؤتمرات في حل المشاكل العالمية كالمطروحة اليوم في قمة العشرين أو القمم التي سبقتها يعود لأسباب عديدة منها:
1- التنافس المحموم بين الدول الكبرى على الأسواق العالمية، والدول الغنية بالثروات الطبيعية كالبترول والذهب والمعادن الأخرى. والتنافس أيضا والصراعات السائدة اليوم بين أمريكا من جانب والصين من جانب آخر، وبين أمريكا كذلك والاتحاد الأوروبي. وهذا يؤثر بالتالي على عدم الوفاق الدولي على قضايا مشتركة؛ لأن الأجواء العامة هي أجواء صراعات ومناكفات سياسية، وليست أجواء وفاق اقتصادي ولا سياسي.
2- ما يحصل في العالم من أزمة مالية شديدة هو امتداد لأزمات سابقة، كأزمة الرهن العقاري، وتفاقمت في ظل أزمة كورونا، وما زالت تتسع كل يوم، وتعصف بكثير من الدول وخاصة الصناعية الكبرى وعلى رأسها أمريكا. فمثل هذه المشاريع تحتاج إلى مليارات كثيرة للتغطية عليها، وخاصة مسألة المناخ والتلوث البيئي، ومعالجات آثار أزمة كورونا. فقد قرر اتفاق باريس إلزام الدول الغنية بدفع 100 مليار دولار للدول الفقيرة لإيجاد الوسائل البديلة في الطاقة النظيفة. واعتبرت هذا حدا أدنى يبدأ سنة 2020.
3- نظرة المبدأ الرأسمالي والدول التي تدين به أولا إلى موضوع المال ومصلحة الشركات الكبرى، وليس لمصلحة البشرية بالدرجة الأولى؛ لأن طبيعة هذا المبدأ هي النفعية والمصلحية وجني الأرباح وليس مصلحة البشر.
4- تعمّد أمريكا إفشال السياسات الدولية وما ينتج عن المؤسسات الدولية التي لا تتوجه حسب رغباتها السياسية والاقتصادية. فهي باستمرار تتعمد إحداث أزمات للاتحاد الأوروبي حتى يبقى ضمن سيطرتها السياسية، ولا يصبح منافسا حقيقيا. وتتعمد كذلك إيجاد مشاكل للصين. وقد قامت أمريكا قبل سنوات بالانسحاب من الاتفاق الدولي في قمة باريس 2015 من أجل تخفيض الانبعاث الحراري؛ حيث قام رئيس أمريكا بالانسحاب سنة 2017 من هذه الاتفاقية. وكان ذلك سببا في إفشالها بعد ذلك.
إنه ليس من المتوقع ولا المنظور أن تنجح مثل هذه المؤتمرات الدولية في إيجاد حلول فاعلة، ولا حتى جزئية لمثل هذه المشاكل الكبيرة، وخاصة أن الدول الكبرى هي السبب في كل هذه المشاكل.
إن الوحيد القادر على حل مشاكل العالم؛ كالفقر والمناخ والأوبئة مثل كورونا والأزمات الاقتصادية وغيرها، هو فقط دولة الإسلام التي تنشر النور والهدى في أرجاء العالم. فنسأله تعالى أن يكرم المسلمين أولا بتطبيق النور الإلهي الهادي، وحمله إلى البشرية جمعاء وحل كل المشاكل العالمية الناتجة عن الأنظمة الهابطة.
رأيك في الموضوع