إن من أساليب أمريكا أن تعمل على ضرب الدولة المعادية أو المنافسة لها بالقوة العسكرية للقضاء عليها أو لإخضاعها وتلجأ إلى الأساليب السياسية والاقتصادية ضمن ما يسمى بسياسة الاحتواء. فقد أشعلت حرب فيتنام لضرب الصين ومنعها من السيطرة على جنوب شرق آسيا. فعندما رأت أنها قد تكبدت خسائر كبيرة وأنها في مأزق بدأت باتباع سياسة الاحتواء لها، فبدأت اتصالاتها عن طريق وزير خارجيتها كيسنجر ومن ثم أدخلتها في مجلس الأمن كعضو دائم عام 1971، وعقبها زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون عام 1972، وبعد موت زعيمها ماو وتولي الحكم دينغ سياو بينغ عام 1979 والذي اتبع سياسة الانفتاح والإصلاح حصلت اتفاقات بين الطرفين بأن اعترفت أمريكا بالصين الواحدة وذلك بضم تايوان إليها بالتقاربات الاقتصادية والسياسية، وأعطت للصين الأولوية في التعامل التجاري. فدخلت الشركات الأمريكية الصين وارتفع الفائض التجاري لصالح الصين، ولم تر أمريكا في ذلك غضاضة، وفي الوقت نفسه بدأت تركز على قضايا حقوق الإنسان ونشر الحريات والديمقراطية والأفكار الغربية فشجعت المطالبين بذلك فقامت الصين بسحقهم كما حصل في ميدان بكين عام 1989. ورغم ذلك لم توقف إعطاء الأولوية للصين في التعامل التجاري حتى تستمر في سياسة الاحتواء.
وقامت بتعزيز التعاون الاستراتيجي العسكري والسياسي معها على عهد أوباما الذي زار الصين عام 2009 وأعلن ترحيبه بالدور العالمي للصين. وذلك لإنجاح سياسة الاحتواء بأن يصبح هناك تنسيق وتعاون في هذه المجالات لجعل الصين تحت الرقابة والسيطرة وجعلها تسير مع أمريكا. وعندما استمرت الصين في تعزيز وجودها في بحري الصين الجنوبي والشرقي وفي تطوير أسلحتها توقف هذا التنسيق ففشلت هذه المحاولة. وقد أعلنت أمريكا عام 2013 عن سياسة آسيا - المحيط الهادئ بأن تنقل 60% من قوتها البحرية نحو هذه المنطقة. وقد أعلنت الصين عام 2013 عن خطة الحزام والطريق لبناء شبكة اتصالات برية وبحرية تربطها بدول آسيا وأوروبا وأفريقيا.
ومع مجيء ترامب بدأت أمريكا تفكر في أسلوب جديد فأعلنت الحرب التجارية على الصين عام 2018، وفرضت رسوما جمركية على بضائع صينية بقيمة 200 مليار دولار لردم الهوة في الفائض التجاري بينهما، فردت الصين بفرض رسوم على البضائع الأمريكية بقيمة 60 مليار دولار. وعادت أمريكا للتركيز على قضايا الصين الداخلية واستغلالها مثل قضية مسلمي الإيغور الذين تضطهدهم الصين، واحتجاجات هونغ كونغ عامي 2019-2020 ضد قانون تسليم المطلوبين وعرقلة انضمام تايوان للصين.
ومع مجيء بايدن في بداية هذا العام ولم تمر ثلاثة أسابيع على تسلمه مقاليد الحكم حتى بدأت أمريكا بإظهار التشدد تجاه الصين ونصب العداء لها فصرح يوم 10/2/2021 قائلا "إذا لم نتحرك، فالصينيون سيأكلون غداءنا" ووضعت ما يسمى وثيقة "التوجيه الاستراتيجي المؤقت لاستراتيجية الأمن القومي" في 20 صفحة ركزت فيها على الصين، وأقل من ذلك على روسيا. وورد فيها "يجب علينا أن نتأهب لحقيقة أن توزيع السلطة في جميع أنحاء العالم يتغير مما يخلق تهديدات جديدة"، وذكرت الوثيقة أن "الصين على وجه الخصوص أصبحت وبسرعة أكثر حزما وتصميما وهي المنافس الوحيد القادر على الجمع بين القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية وتحدي النظام الدولي المنفتح والمستقر". ولهذا بدأت أمريكا بإنشاء تكتلات جديدة أو تجديد تكتلاتها القديمة مثل تكتل كواد الذي يجمع أمريكا واليابان وأستراليا والهند للوقوف في وجه التهديدات وخطط التوسع الصينية في مناطق المحيطين الهندي والهادئ، فعقد الرئيس الأمريكي مع زعماء هذا التكتل مؤتمرا افتراضيا يوم 12/3/2021. ومن ثم قام وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيان بزيارة هذه الدول لتعزيز هذا التكتل. ومن ثم أعلنت أمريكا عن عقد مؤتمر الحوار مع الصين في ألاسكا يوم 18/3/2021 والذي توج بفشل أمريكي. واتخذت الصين في المؤتمر موقفا حازما من التدخلات الأمريكية في الشؤون الصينية الداخلية وشنت هجوما شديدا على أمريكا متهمة إياها بانتهاك حقوق الإنسان في داخلها وخارجها ومحاولة فرض هيمنتها على الدول الأخرى وابتزازها. وكان ذلك في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر التي لم تستطع أمريكا اختصارها أو إغلاقها أمام وسائل الإعلام. وقد بدأت تثير موضوع الخطر الشيوعي الصيني والاختلاف الثقافي واختلاف القيم مع الصين حتى تحولها إلى صراع حضارات ومبادئ حتى تتمكن من قيادة العالم الرأسمالي في مواجهة الصين ومحاصرتها. وبدأت بالضغط على دول أوروبا لتجعلها تخفف من تعاملاتها مع الصين وتلغي بعض الاتفاقيات التجارية والتبادل التكنولوجي مثلما فعلت العام الماضي بأن ضغطت على بريطانيا لتلغي مشاركة هواوي في شبكة الجيل الخامس، وهي تمارس ضغوطها على الدول الأوروبية الأخرى بالتقرب إليها وبإغرائها بالمشاركة معها. وبدأ بايدن جولته إلى أوروبا يوم 9/6/2021 بدءا من بريطانيا، ولحضور قمة الدول السبع في كورنال ببريطانيا والتي بدأت يوم 11/6/2021 وتستمر ثلاثة أيام لتثبت أمريكا قيادتها للعالم الغربي وتبقي أوروبا تحت هيمنتها، ومن المنتظر أن يتعرض بايدن إلى مخاطر الصين على الغرب ويعمل على تكتيل أوروبا خلف أمريكا في مواجهة الصين بالإضافة إلى روسيا، وإن كان هو سيجتمع مع الرئيس الروسي بوتين يوم 16/6/2021 في جنيف في محاولة لاستخدام روسيا في مواجهة الصين.
ولهذا فقد انتهت سياسة الاحتواء وبدأت سياسة المواجهة وكسر العظم بأساليب مختلفة في محاولة للحد من قدرات الصين ومحاولتها فرض هيمنتها على منطقتها وخاصة في بحر الصين الجنوبي. والصين في سياستها على عهد شي جين بينغ تريد مواصلة سياسة الانفتاح والإصلاح وتطوير علاقاتها مع الدول الأخرى وخاصة بخطة "الحزام والطريق" لتفرض لها وجودا وتأثيرا في تلك الدول بتوريطها بالديون ومن ثم بتشغيل المشاريع التي تقيمها لعشرات السنين، فهي تستخدم أساليب استعمارية، وهي تنفق الكثير على ذلك وعلى تطوير أسلحتها، وتتحاشى التصادم مع أمريكا والغرب، بل تريد أن تتوافق معهما من دون التنازل عن أهدافها.
وكلا الطرفين الصين وأمريكا والغرب كله وروسيا معهم، لا خير فيهم للبشرية، بل فيهم شر مستطير، فلا بد من إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة لتخليص العالم من شرورهم ونهبهم لثروات الشعوب ومص دمائها وفرض الهيمنة عليها.
رأيك في الموضوع