عندما هممت بكتابة هذا المقال صادفني لقاء لأحد الإعلاميين المحسوبين على ثورة الشام عبر فيديو مباشر يتحدث فيه عن أثر التغييرات في أمريكا على ثورة الشام، ويؤكد للمتابعين أن إدارة بايدن ليست كإدارة ترامب ولا سلفه أوباما، بل ستكون هذه الإدارة حاسمة وتتخذ قراراتها التي تعبر عن أمريكا المدافعة عن حقوق الإنسان على حد وهمه.
الحقيقة أن أمثال هذا الإعلامي الذي رهن نفسه لآمال جوفاء مبنية على أوهام وتخيلات، بعيدة كل البعد عن فهم الواقع السياسي الذي مرّت به ثورة الشام، وعن فهم موقف أمريكا، والموقف الدولي من هذه الثورة.
فكلما لمح تغييراً في الوجوه والأسماء راح يعقد آماله ويظن أن الفرج قد اقترب منه، وذلك لأنه لا يرى سقفا لأهدافه وتطلعاته إلا ما يسمح به المجتمع الدولي، ولا يرى أهله وثورته إلا أداة بيد الدول الكبرى تحركها كيف تشاء.
وهنا لا أتحدث عن إعلاميٍّ بعينه وإنما أتحدث عن فئة من الناس مضبوعة بالغرب وثقافته، تجعل الواقع المرير الذي نعيشه مصدراً لتفكيرها، وتأخذ الحلول منه رغم فساده، وترتجي الخلاص منه به، فهي لا ترى أن أمريكا هي سببٌ رئيسي للمآسي التي نمر بها، ولا تعتبر أن مصيبتنا هي في ارتهان قادة بلادنا لها، بل تصف الواقع على أننا أمة صغيرة بين لعبة الكبار، لا نستطيع إلا أن نأخذ دور المتفرج ريثما يأتينا كبير من هؤلاء يكون أرحم من غيره في عقابه لنا!
ولتوضيح تأثير تغيير الرئيس في أمريكا على السياسات الأمريكية عموما وعلى سياساتها تجاه ثورة الشام خصوصاً لا بد من فهم طبيعة النظام الذي يحكم أمريكا، فهل من طبيعة السياسة الأمريكية على مرّ العقود السابقة أن تتغير بتغير الرئيس؟ مثلاً هل تغيّرت السياسة الأمريكية تجاه حرب العراق خلال تبدل الرؤساء، أم أنها سياسة واحدة؟ فكل الإدارات المتعاقبة على حكم أمريكا تعتبر أن ما فعلته في العراق شرعي، بل وتستمر في سياستها في نهب العراق وظلم أهله.
وعليه فإن المتبصر في واقع السياسة الأمريكية يُدرك تماماً أن الذي يتغير هو أسلوب التعامل لا حقيقة السياسة، فالأول يقتلك وهو مُكشرٌ عن أنيابه عابساً، والثاني يقتلك وهو مُكشر عن أنيابه ضاحكاً، وهذا واضح خاصة في السياسة الأمريكية تجاه ثورة الشام، فإن الخطوط الحمر التي وضعها أوباما للمجرم أسد تجاوزها أسد مرّات ومرّات باستخدام السلاح الكيماوي، ولم تُحرك أمريكا ساكناً، وفي إدارة ترامب قامت أمريكا بقصف مواقع لقوات النظام السوري دون أن يؤثر ذلك على مجريات الأحداث، بل بقيت السياسة الأمريكية مستمرة في دعم أسد المجرم، والحفاظ على نظامه، ومحاصرة الثورة والتضييق على أهلها كي يعلنوا الاستسلام والخضوع ويقبلوا بعيش الذل تحت حكم أنظمة القمع العميلة.
فإذا ما أردنا أن نفهم ما الذي سيتغير في حقبة الرئيس الجديد بايدن تجاه ثورة الشام، فالمؤكد أن الذي سيتغير هو أسلوب فرض الحل السياسي الذي صنعته أمريكا في جنيف 2012م، والذي سعت إدارة أوباما سابقاً لفرضه عبر عقد العديد من المؤتمرات المتتالية، ثم جاءت إدارة ترامب واستمرت بالسياسة نفسها، وتمت محاصرة الثورة في الشمال، وما زال السعي حثيثاً من أمريكا عبر أدواتها تُحاول فرض هذا الحل، ومختصر هذا الحل هو الحفاظ على نظام الإجرام وخاصة مؤسستيه الأمنية والعسكرية، والإبقاء على نظام الدولة العلماني بإقصاء الإسلام عن الحكم، وهذا الحل يُعتبر إنهاءً لثورة الشام وقضاءً عليها.
وإننا عندما نقرأ واقع السياسة الأمريكية، لا يعني ذلك أن سياستها وقراراتها قدر محتوم لا يمكن تغييره، ولا يعني أبداً أننا ندعو لأن تحصل الثورة أو من يمثلها زوراً وبهتاناً على حقائب وزارية، أو مقاعد في سدّة الحكم المهترئ. بل إن هذه القراءة للسياسة الأمريكية هي لكشف القناع عن وجه عدونا وفضح سياسته التي يُحاول أن يُغطيها بشعاراته البرّاقة التي تخدع المضبوعين به.
وأيضاً فإننا عندما نفهم سياسة عدونا فإن هذا يتطلب منا أن نبحث خياراتنا، وأن نرتب أوراقنا بعيداً عن تأثيرات هذه الدول التي تعبث بثورتنا وبمصير بلادنا، لنخطّ طريقنا مستقيماً كما أمر الله سبحانه وتعالى، طريقاً لا يعرف الركون للظالمين، ولا يرضى الدنية في دين رب العالمين، طريقاً تملؤه الثقة بموعود الله القوي المتين، ويرسم خطاه منهجُ محمد ﷺ سيد المرسلين.
وأخيراً أوجه ندائي إلى كل الساعين لإسقاط النظام المجرم، الباحثين عن رضا ربهم، إلى الذين ما زالت أنات المعتقلين وآهات المعتقلات تطرق آذانهم، إلى الذين يحملون على عاتقهم إكمال طريق الشهداء الذين ضحوا بدمائهم في هذا الطريق؛ إلى كل هؤلاء: اعلموا أنه لا خلاص لنا إلا بنبذ التبعية وترك الخضوع لغير الله، ولا منجى لنا من عذابات الدنيا والآخرة إلا باتباع ما جاء به رسول الله ﷺ، وهذا يكون بتبني مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، والاعتصام بحبل الله المتين، وطلب النصر منه وحده فهو القائل: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع