قبل الحديث عن تداعيات العملية العسكرية في اليمن بقيادة السعودية لا بد من التأكيد على أنّ السعودية لم تقم بهذه العملية إلاّ بتوجيه أمريكي صريح، فحكام السعودية صنائع لأمريكا وبريطانيا، وهم أقل شأناً من أن يتولوا القيام بعمليات إقليمية كبيرة كهذه من دون أخذ التعليمات والتوجيهات من الأسياد، وقد أعلن البيت الأبيض أنّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما أكّد دعمه الكامل للعملية العسكرية التي تشنّها السعودية وحلفاؤها ضد اليمن، وأنّ: "أوباما وسلمان اتفقا على ضرورة تحقيق استقرار دائم في اليمن من خلال التوصل إلى حل سياسي عبر التفاوض"، وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي برناديت ميهان: "إنّ الرئيس باراك أوباما سمح بتقديم مساعدة لوجستية ومخابراتية في العمليات العسكرية التي تشنّها دول مجلس التعاون الخليجي"، وأشار مسؤول أمريكي إلى أنّ مشاورات السعودية مع واشنطن بشأن العملية العسكرية في اليمن جرت على (أعلى مستوى) وأنّ الرئيس أوباما كان على علم بتلك الخطة.
ونقل المحلل العسكري الأمريكي لشبكة سي إن إن ريك فرانسونا بأنّ: "الولايات المتحدة هي التي قدّمت المعلومات للسعودية بشأن الأهداف المطلوب قصفها"، ونقلت الشبكة عن مسؤولين أمريكيين وعرب "وجود فريق أمريكي حالياً للتنسيق بشأن تلك العمليات في السعودية"، وقالت الشبكة بأنّه من المتوقع أن تطلب المملكة من الولايات المتحدة دعماً جوياً وصوراً من الأقمار الصناعية، فضلاً عن معلومات استخبارية أخرى.
وأمّا بريطانيا فإنّها هي الأخرى تدعم السعودية في هذه العملية فقد أعلن وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند: "تقديم بلاده مساعدات لوجستية إلى السعودية في حربها ضد الحوثيين في اليمن، وذلك في إطار العلاقات العسكرية الوثيقة بين البلدين"، وقال بأنّ: "الموقف البريطاني يتطابق عموماً مع الموقف الأمريكي في تأييد العملية العسكرية".
لقد ظهر مبكراً ومنذ بدء العملية العسكرية بروز الموقفين الأمريكي والبريطاني من العملية العسكرية بروزاً واضحاً، وبدا وجود تأثيرٍ ملموس للدولتين على السعودية، وهو ما يدل على أنّ السعودية ما زالت تخضع للنفوذين معاً، فمع انطلاق العملية العسكرية طار وزير الخارجية البريطاني هاموند إلى واشنطن، والتقى يوم الجمعة 27/3 بالمسؤولين الأمريكيين، وقال البيت الأبيض بأنّ مستشارة الأمن القومي الأمريكي سوزان رايس ووزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند متفقان على: "أنّ التوصل لحل سياسي من خلال التفاوض هو أفضل نتيجة للأزمة في اليمن، وأنّ النهج العسكري سيؤدي فقط إلى مزيد من المعاناة وعدم استقرار المنطقة".
فأمريكا التي مكّنت الحوثيين في الأشهر الماضية من اجتياح اليمن والتمدد السريع في المحافظات اليمنية من خلال السماح لإيران بمد الحوثيين بالسلاح والعتاد، وجدتهم يتخبطون في مستنقع عميق في اليمن، فلا هم بقادرين على السيطرة المطلقة على الدولة، ولا هم بقادرين على العودة آمنين إلى مناطق نفوذهم، لذلك رأت أن تُشعل حرباً إقليمية تشنّها السعودية ودول الخليج على اليمن لتغيير الأوضاع العسكرية فيه، ومن ثم إشراك الحوثيين بجزء مضمون من كعكة الحكم في اليمن، بعد عجزهم عن التهامها بمفردهم.
وهذه الخطة الأمريكية يتطلب تنفيذها وجود تنسيق شبه كامل مع المنافس الدولي لها لإخراج الأمور بحسب ما يُراد لها بقدر الإمكان، ومن هنا كان لا بد من إشراك البريطانيين وعملائهم في دول الخليج في هذه العملية، لذلك نجد في دول التحالف هذا دولاً متعددة الولاءات كالأردن وقطر جنباً إلى جنب مع دول كمصر والسودان.
أمّا بالنسبة لردة فعل إيران فلا يُتوقع أن تكون أكثر من ردة فعل كلامية لحفظ ماء الوجه، وقد اتصل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بعيد بدء العملية العسكرية تليفونياً بالرئيس الإيراني حسن روحاني وهدّده بشكل مبطن فقال له: "لا ينبغي لدول أخرى أن تدعم الميليشيات الحوثية".
وقد يجد المبرّرون لإيران عدم تدخلها لمساعدة أتباعها من الحوثيين في وضعهم العصيب هذا حجةً في المفاوضات المكثفة الجارية حول قرب التوصل إلى توقيع الاتفاق النووي مع الدول الكبرى كذريعة تمنعها من تقديم العون للحوثيين.
ومن أخطر التداعيات المترتبة على هذه العملية غير المسبوقة تبرير استخدام القوة العسكرية المحلية لضرب القوى المناوئة أو القوى الشعبية المنتفضة ضد الأنظمة العميلة.
والخلاصة أنّ هذه العملية العسكرية في اليمن تتم بإشراف أمريكا ومشاركة بريطانيا للتوصل إلى حل سياسي وسط بين القوى المتصارعة التابعة للقوتين الدوليتين الفاعلتين في المنطقة، وأنّ السعودية والدول المتشاركة معها في العملية ما هي إلا مجرد أدوات في هذا الصراع الذي تكون فيه الشعوب ضحايا لتحقيق تلك الأجندة الاستعمارية الخبيثة.
رأيك في الموضوع