خطاب الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس الانتقالي السوداني، الذي تم توجيهه من القاعدة العسكرية بوادي سيدنا، يوم الأحد 24 آب/أغسطس 2020م، كان خطاباً سياسيا بامتياز، حيث احتوى على مجموعة من رسائل تم توجيهها باحترافية ودقة متناهية، وإني لأشتم منها رائحة الشركة الكندية التي تم التعاقد معها في فترة سابقة للترويج لبعض الشخصيات العسكرية، بالرغم مما أصابنا من زكام جراء الدخان الكثيف الذي عُبئت به بعض الرسائل. فقد تحدث البرهان عن وجود حملات منظمة تسعى لتفكيك الجيش السوداني لتفتيت البلاد، وعلى الصعيد ذاته أكد أن هنالك من يريد اختطاف الثورة من الشباب... وهذه رسائل موجهة بشكل مباشر لعامة الناس من أجل كسبهم أو تحييدهم، تمهيداً لمقبل الأيام.
وفي لقائه الذي أجراه لقمان بتلفزيون السودان الأحد 25/10/2020م، كانت الرسالة الثانية التي وجهها البرهان للأحزاب السياسية التي أعلنت موقفاً مناهضاً للتطبيع، فكان فحواها أن هذه الأحزاب تحاول إمساك العصا من منتصفها بعد أن كشف ما دار بينه وبينها خلف الكواليس.
أما الرسائل التي أخذت اهتماما أكبر، وحيزاً واسعاً من التحليل والتعليق، فهي تلك التي وجهت لحكومة حمدوك، حيث كانت عباراتها لا تخلو من الشدة والقسوة، من جنس: "الفاشلون يريدون أن يعملوا إخفاقات على مؤسسات الجيش"، و"إن الأوضاع الاقتصادية أصبحت متردية أكثر مما كانت عليه وتزداد سوءاً"، و"عرضنا على الحكومة كل المساعدات ولكن لم يفعلوا شيئاً"، وغيرها من الرسائل التي اعتبرها البعض رداً على خطاب حمدوك، بينما اعتبرها آخرون تصعيداً خطيراً بين المكون العسكري والمكون المدني، وقد عده البعض مؤشراً سالباً لتلك الشراكة الهشة؛ بين المكونين في الحكومة الانتقالية.
إن هذه اللهجة الحادة التي استخدمها البرهان كانت بمثابة قنبلة دخان سمحت لتلك الرسائل المشفرة أن تتسلل دون أن يلتفت إليها كثير من المحللين. فقد أكد البرهان على أن المكون العسكري هو صاحب المبادرة في التطبيع مع يهود، وأكد على ذلك من جانب الفريق ياسر العطا في تصريح سابق، بينما ذهب الفريق حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة السوداني أبعد من ذلك، حيث ذكر لقناة العربية: "اتفاقنا مع (إسرائيل) سيستمر حتى العلاقات الكاملة". إن هذه الرسالة موجهة للذين يهمهم أمر تطبيع السودان مع كيان يهود، وحتماً ليسوا هم أهل السودان الذين يقرأون صباحا ومساء قوله تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾، وإنما هي موجهة للخارج، فهي رسالة للتقرب وتعني "أننا الأقدر على تنفيذ المهام الصعبة".
أما الرسالة الأخيرة، والتي أظهر فيها البرهان نوعاً من الالتزام بمنع الأحزاب التي تقوم على أساس عقدي، فإن البرهان في وضعه الراهن لا يستطيع أن يقوم بهذا العمل، ولا يملك صلاحيات تمكنه من الإقدام على أي عمل من هذا القبيل، ولكن من خلال تصريحاته وكلامه عن الأحزاب العقدية أراد أن يطمئن الغرب وكأنه يقول: "إذا أصبحت صاحب صلاحية في هذه البلاد، فإنكم لن تروا فيها تكتلات عقدية"، وهذه هي الرسالة الأشد خطراً في كل الخطاب.
وخلاصة القول، إن تلك العبارة الشهيرة التي تبتدر بها كل الانقلابات العسكرية، والتي ذكرها البرهان في خطابه "سنظل رهن إشارة الشعب"، و"إن القوات المسلحة لن تجامل بعد اليوم وتخفي المعلومات، وشدد على أن القوات المسلحة تقف إلى جانب الشعب السوداني"، إنما هي رسائل للوسط السياسي بالتغيير المتوقع.
إن الدائرة الخبيثة التي ظل السودان، ولمدة ستة عقود، يتقلب في مآسيها، لا بد من الخروج منها، وهذا يتطلب نظام حكمٍ راسخاً، وركناً شديداً، يؤوى إليه، وليس غير الخلافة نظاماً، ولا غير الله القوي المتين ركنا يحمينا من المستعمرين الطامعين دولياً، ومن عملائهم داخلياً.
رأيك في الموضوع