ما كان شرا أشد وأقسى في محق التفكير وإفساد الذوق من إعلام هذا الزمن الرديء؛ زمن الرويبضات، فهو كان وما زال جناية الغرب الكافر المستعمر على عقل وقلب هذه الأمة، وآلته المشؤومة لتزييف الوعي وتيسير سُبل هيمنته.
فما كان الإعلام فينا إلا خسة فكرية وسياسية، وعمالة للغرب في إنفاذ مشاريعه وسياساته، ويعلو هذه الكومة من الحشف الإعلامي قناة الجزيرة القطرية.
أنفذها الغرب الكافر المستعمر فينا بعد أن كانت نطفة في جهاز الاستخبارات البريطانية، ثم تخلقت في الرحم الملعونة لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، وما كان ليكون صدفة تزامن ولادة قناة الجزيرة مع إغلاق القسم العربي لمحطة التلفزيون البريطاني (بي بي سي)، بعد أن انتفت الحاجة إليه مع وجودها، وإلحاق وضم العديد من العاملين في المحطة البريطانية لقناة الجزيرة، وتم اختيار قطر لاستيطانها وتكفل النظام القطري باستعرابها ونفقات مستعربيها، وبدأت بثها في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 1996.
وما إن سُئِلَت الفتنة حتى أتتها وما تلبثت بها إلا يسيرا، ثم بدأ التضليل والتحريف والتجديف وقلب الحقائق وتمييع المواقف وتزييف الوعي ومسخ الأذواق، ثم هي في كل هذا من أساليب ووسائل تدس الدسائس من طرف خفي لإقصاء الإسلام عن دائرة الفكر والسياسة والرأي، وتزهيد الناس فيه، تحت ميوعة الرأي والرأي الآخر والاتجاه المعاكس المناقض والمضاد لتطلعات الأمة في التحرر من قبضة الغرب الكافر المستعمر على أساس إسلامها العظيم.
فهذه القناة تناقض الأمة في إسلامها وتاريخها وماضيها ومستقبلها، وتخوض حربا بالوكالة على الإسلام وتُوَرِّي بغيرها، تبغي نقض قواعد الإسلام والتي هي السد الأمنع الحائل دون الهيمنة والاستلاب للغرب الكافر فكرا وسياسة، وتأتي ذلك بأسلوب خبيث ماكر يحسبه السامع حِجاجاً بين الرأي ونقيضه، وهو على الحقيقة تقرير لنتيجة عُدَّت سلفا، وسيق لها التحليل والجدال وجُمِعت لها الأدلة، وانْتُقِيَ لها حوارها ومحاوروها، ثم ما كان من الثقافة الغربية والسياسة الاستعمارية استدعت له أصحابه وذويه وأقرب مقربيه، وما كان من الإسلام وقضايا أهله استعانت في كيدها بالمعلمنين بلحى وضعاف الحجى وضحيلي الفكر وأصحاب الهشاشة الثقافية والمهزومين نفسيا أمام الغرب، وإن كان وظهر في أحد أزمنتها الغابرة النادرة مُخلص واع فمكراً منها لا حباً، وهكذا تضيع القضايا العادلة بتسليمها لمحام فاشل. ثم لهذه السفسطة والتلاعب بالعقول دعاية وبهرجا حتى يتم تقاذف الضحايا من فخ إلى فخ ومن كمين إلى كمين، وذاك سر المهنة!
فهذه القناة اختير لها مذهبها ومنهجها سلفا، وحُسِم الخيار غربيا؛ علمانية فكرية واستعمارا سياسيا، وما الرأي والرأي الآخر والاتجاه المعاكس، إلا مدخل لولوج مذهبها واعتماد منهجها، فلا يُتْعِبَن أحد نفسه، فما كانت قناة الجزيرة إلا ذبذبة من الذبذبات الإذاعية للغرب وموجة من موجات بث إعلامه.
فهذه القناة ليست معنية بصواب الرأي أو خطئه، فليس صواب الرأي أو عدمه هو الحاكم عندها، بل مصدر الخبر ومرجعيته الفكرية هو الحاكم بدون نظر لأي اعتبار آخر، فالرأي عند قناة الجزيرة هو ما رأى وارتأى الغرب الكافر المستعمر وكفى. فشتان بين بحث وتحليل يراد منه ما يُنتجه، وبين تقرير نتيجة يُساق لها البحث والتحليل وتُجمع لها الأدلة، وفي الثانية كان ديدن قناة الجزيرة وحرفتها.
لهذه القناة أغراض وأهداف من صنع العدو الكافر، وهي سائرة بحسبها، وكان ولا بد أن تجعل وتُصَيِّرَ وتَستعمل لها عقولا بحسب أغراضها وأهدافها وعلى مقاديرها، وإعلاميوها وصحفيوها ما كانوا ليكونوا إلا صورا وأصواتا لأغراضها وأهدافها، فليس المطلوب في صحفي وإعلامي الجزيرة أن يكون لديه أمانة ولا صدق كلمة، بل يجب أن تكون أقصى خطواته العمل على حباله الصوتية لنقل ما تم تحريره وفق الخط التحريري للقناة، والمخطوط والمخطط له سلفا منذ أمد بعيد من الدائرة الغربية.
وفي أغراضها وأهدافها الخبيثة، لا مانع عندها من الاستعانة بكل رخيص وساقط، فها هي تتعاقد مع دحداح رخيص عبر شبكتها الجزيرة بلس عام 2017 لنشر سفاهة كل من ألحد عقله وأنكر خالقه، بحجة تبسيط العلم وكان بحق تبسيطا للجهل والجهالة ومدخلا للإلحاد والكفر. وقبله أتت بعميل مخضرم، كان كنيست يهود مقره ومستقره، فاستجلبته قطر وأنشأت له وكر خيانة أسمته "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" سنة 2010، ثُم تَم تعميده مبشرا بالخلاص العلماني والدولة المدنية والمجتمع المدني، وكانت الجزيرة محرابه ومذبحه لحرف بوصلة ثورات شعوب المنطقة، وصرفها عن الإسلام كخلاص من الغرب وسطوته واستعماره، فأصبح صاحبهم منظرا للثورات في تونس ومصر واليمن والشام.
ثم هي هي في خبثها تعمد لقلب العالي بالساقط، والجيد بالسيئ، والعظيم بالدنيء، فما كانت قناة الجزيرة إلا مسخا للحقائق وتشويها للوقائع واستبدالا للركيك بالفصيح والتضليل بإخفاء للبيان.
إلا أن الأحداث العظام تُجَلي خَفِيَّ الدسائس فيستعلن، وتكشف عن دقيق المكائد فيستعظم، وذاك الذي كان، فكان تصريح زنيم فرنسا ضد الإسلام ونبيه ﷺ، فهبت الأمة بمجموعها نصرة لنبيها، وكان قادة ومحرك هبّتها خيارها من الأتقياء الأنقياء من الساسة المبدئيين، فاستوحشت الجزيرة ومن ورائها الغرب الكافر هبة الأمة، وغاظها انقياد الأمة لخيرة أبنائها، وكعادتها في مناصبة الإسلام وأهله العداء، صَمَّت آذانها عن سماع دوي هذا البحر الهادر لأمة محمد ﷺ نصرة لنبيها وإمامها وقائدها ﷺ، وعميت عن رؤية ألويته وراياته وأصحاب القضية من القادة في نصرته، بل استغشت خيانة عمالتها وصفاقة تضليلها كما عهدناها، لتسمعنا وترينا صوتا وصورة نباح كلب فرنسا وهو يلهث لمدة ساعة كاملة.
ثم أوكلت لأحد غلمانها ومدير إدارتها مهمة تثبيط عزائم الأغيار الأحرار، وحرف الصراع عن طبيعته الحضارية وتصويره بمظهر الخلاف والمناكفة السياسية، فتوالت تغريداته لهذا غرض.
عجيب أمر هذه القناة في إنكارها للحقائق وطمسها للوقائع، وإنها لتعلم وكأنها لا تعلم، وإنها لترى وكأنها لا ترى، وإنها لعلى حال منكر أشد الإنكار في نقل الأخبار، فلها أن تعلم وترى حمار شيخ ضرير بفلاة جرفه سيل الفرات، أما دوي بحر هادر من أبناء هذه الأمة نصرة لنبيهم ﷺ يقودهم حزب مبدئي عريق في واضحة النهار، فدونه إغلاق النافدة وسحب الكاميرات.
معشر الساسة المبدئيين، معشر المسلمين أصحاب الشهادة على الناس أجمعين:
ما كانت قناة الجزيرة إلا صدىً ورجعا لصوت الغرب الكافر المستعمر، وما أُلقيت هذه القنبلة فينا من مدفع الغرب الكافر وهي محشوة كفراً إلا لتهدم إيمانا قائما، وما كان هدمها إلا سعيا لهدم الإسلام فينا، وكل هذا الهدم ما كان إلا خدمة للكافر المستعمر وثمنا للعمالة مدفوعا.
ما كانت قناة الجزيرة إلا لسان كذب، وآن لأمة كان لسانها صدقاً وصدقها حقاً وحقها وحياً، أن تعيد للكلام نبل صدقه وأمانة حقه ونور وحيه، فاللهم خلافة راشدة على منهاج النبوة تكون للحق صرحا وللباطل مَحْقاً. ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾.
رأيك في الموضوع