ظهرت محافظة المهرة الواقعة في أقصى شرق اليمن على بحر العرب في ظل الصراع الدولي الدائر في اليمن للسيطرة عليه بين بريطانيا وأمريكا. كانت البداية حين شرعت السعودية في كانون أول/ديسمبر 2017م بالقيام ببعض الأعمال كوضعها بعض القواعد الإسمنتية في منطقة طوف شحر الحدودية "350 كم عن مدينة الغيضة عاصمة محافظة المهرة" فتصدت لها القبائل المهرية ومنعتها من إقامتها، وبدء أعمال إعادة تأهيل وشق طريق إسفلتي خاص يربط السعودية بميناء نشطون المهري، وانتشار قوات عسكرية سعودية في مطار الغيضة تحت غطاء فتح المطار المغلق لإيصال المساعدات الإغاثية، ليتبين فيما بعد الهدف من كل التحركات السعودية الذي استثار الناس جميعاً في اليمن بزيارة السفير السعودي محمد الجابر في حزيران/يونيو 2018م لمحافظة المهرة التي لم يخف أن الهدف من زيارته هو العمل على تهيئة الظروف والاطلاع عن كثب على التحضيرات الجارية لمد أنبوب نفطي للسعودية من الخرخير على حدود سايكس بيكو بين اليمن والسعودية باتجاه ميناء نشطون في المهرة باليمن.
ورغم كل التحركات السعودية الواضحة بشأن إنشاء الأنبوب النفطي، التزم الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته الصمت، ولم يصدر منهما أي عمل أو تعليق رسمي على الأمر، وبدوا مغلوبين على أمرهم سيما وأنهم يقيمون في العاصمة السعودية الرياض، والخوف في اليمن من أن يقوموا بالتوقيع رسمياً مع السعودية على اتفاقية بشأن أنبوب النفط. كذلك قام الرئيس عبد ربه منصور هادي في نيسان/أبريل 2015م بعزل محافظ المهرة الأسبق الشيخ محمد كدة، الحليف الأبرز لسلطنة عمان وحامل جنسيتها، والرافض لسياسات أبو ظبي في المحافظة، واستبدل بالمحافظ راجح با كريت الذي حملته طائرة سعودية في كانون الثاني/يناير 2018م وعقبه المحافظ الجديد للمهرة محمد علي ياسر الذي عين في شباط/فبراير 2020م. فيما يستخدم الحوثيون - الذين يقبع ناطقهم الإعلامي محمد عبد السلام في مسقط - خط أنبوب الخرخير - نشطون إعلامياً للتشنيع على حكومة عدن ليس إلا، مع عدم المساس قطعاً بعُمان وأعمالها في المهرة كتشنيعهم على الإمارات وسكوتهم عن عُمان في شأن التطبيع مع كيان يهود والاثنتان مطبعتان! مع أنهما أحد طرفي النزاع المحلي، ويتحملون ما يجري في محافظة المهرة كما يتحمل هادي.
الجدير ذكره أن شركة أرامكو النفطية السعودية، قامت مسبقاً بإعداد دراسات ميدانية ومسحية في المناطق التي سيمر الأنبوب عبرها، مستغلة في ذلك وجود قوات سعودية بشكل مستمر في المهرة سيما في مطار مدينة الغيضة عاصمة المحافظة وميناء نشطون.
فكرة إنشاء الأنبوب النفطي هذه من الخرخير إلى نشطون تعود للعام 2003م حين طرح مهندسون بريطانيون خطة تسهيل نقل النفط من المنطقة الشرقية للسعودية للأسواق العالمية من الخرخير إلى محافظة المهرة على بحر العرب من دون المرور بمضيق هرمز في مياه الخليج بين إيران وعمان. ومن هنا جاء توجيه عبد الله بن عبد العزيز في أيامه وزاراته السيادية على ضرورة أن يكون للسعودية منفذ بحري عبر بحر العرب.
لم تجد السعودية الجو خالياً لمد أنبوب النفط هذا، ووجودها العسكري في المهرة. ولم تكن القبائل المهرية لتتحرك بهذه السرعة وبتلك الصورة، فقد كان هناك من يقف وراءها لمنع السعودية من إنجاز مهمة بناء الأنبوب النفطي. فقد وجدت السعودية في محافظة المهرة كلاً من عُمان والإمارات وقطر. تعتبر عُمان هي الجار القريب والمسيطر على محافظة المهرة ذات المساحة الضخمة "82.405 كم مربع" وبتعداد سكاني ضئيل يصل إلى 122.000 نسمة فقط، وبها بعض الآبار النفطية ضئيلة الإنتاج، والخامات المعدنية الفلزية التي تستثمرها شركات هندية، وشريط بحري على بحر العرب والمحيط الهندي يبلغ 560 كم. مما جعل عُمان تطمع في ضمها إليها في حال تفكك اليمن، وبالفعل بدأت عُمان العمل في المهرة من العام 1990 بإقامة المشاريع الخدمية التي عجز النظام في صنعاء ومن قبله في عدن عن توفيرها لهم. ثم واصلت عُمان أعمالها في المهرة عن طريق إقامة علاقات شخصية مع السكان المحليين وزعماء القبائل الذين يشتركون معها في الأنساب والعادات والتقاليد وتقدم لهم الخدمات والتسهيلات الكبيرة، إلى جانب اللهجة التي يتحدثونها معاً، ومنحت الجنسية العُمانية لزعماء قبائل المحافظة في العام 2017م بمن فيهم الشيخ عيسى بن عفرار سلطان سقطرى والمهرة الحليف القوي لعُمان والصديق المقرب لوزير التنمية البريطاني في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا آلن دونكن.
ترتبط عُمان مع محافظة المهرة بحدود برية تبلغ 288 كم، وبمنفذين حدوديين بريين هما شحِن وصرفيت وعلاقاتها مبتوت فيها أن عمان تقوم بإرسال الأموال إلى عدد من رجال القبائل والضباط السابقين في الجيش والشرطة داخل محافظة المهرة - من بينهم وكيل محافظة المهرة السابق علي سالم الحريزي - لتنظيم الاحتجاجات المنتظمة ضد وجود القوات السعودية ولتفادي وقوعها تحت السيطرة الكاملة للسعودية، وتقوم بحملات إعلامية تساندها فيها الدوحة ووكلاؤهما المحليون لتأجيج الاحتجاجات ضد القوات السعودية الموجودة في محافظة المهرة وتعطيل تحركاتها وأعمالها.
أما الإمارات التي تمددت في جنوب اليمن منذ دخولها عدن في آب/أغسطس 2015م وطردها الحوثيين منها، فقد وصلت إلى المهرة عن طريق الهلال الأحمر الإماراتي - الذي يوصف العاملون فيه بأنهم ضباط مخابرات - وقوات النخبة المهرية المحلية على غرار بقية النخب وقوات الحزام الأمني، ومكتب المجلس الانتقالي بالغيضة التي تخضع جميعها لتوجيهات الإمارات من دون حكومة عدن، لكنها ولخلاف الإمارات مع عُمان انسحبت من المواجهة العلنية معها في المهرة، بعد أن اشترطت على السعودية الإبقاء على دور محدود لميناء نشطون الذي قد يزدهر مع عمله كميناء نفطي قابل للحركة والنشاط، وإبقائه كموانئ عدن والمخا وموانئ شمال الصومال في القرن الأفريقي، كي لا يؤثروا على مينائها الإماراتي في جبل علي.
... يتبع
رأيك في الموضوع