وسط إقبال ضعيف أعاد للأذهان انتخابات مجلس النواب المنتهية ولايته والتي لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها الـ28%، ها هو النظام يعيد الكرة لإنتاج برلمان على مقاسه خالٍ تماما من أي معارضة، فجميع معارضي النظام هم في المنافي أو المعتقلات. وكان النظام قد قام في آب/أغسطس الماضي بإجراء انتخابات لما أسماه بمجلس الشيوخ الذي لا يعرف أحد ما هو المبرر لوجوده إلا أن يكون مجرد ترضية لزبانية النظام ومؤيديه من رجال الأعمال والمنتفعين الذين كان قد فاتهم قطار مجلس النواب، والتي لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها الـ14%، فمن الواضح أن نظام السيسي يفقد كل يوم من رصيده الذي حصله من خلال ادعائه إنقاذ البلاد من هاوية سحيقة، فإذا به هو الهاوية نفسها، فلا هو يملك رؤية سياسية ولا خطة اقتصادية واضحة، ولا اعتبار لديه لرضا الناس أو لسخطهم، بل كل همه هو إرضاء أصحاب رؤوس الأموال وخلق طبقة من السياسيين الفاسدين الذين يزيدون قبح النظام.
وبرغم استغلال المرشحين لانتخابات المجلس لحاجة الناس بعرض رشى مالية لمن يصوت لهم في الانتخابات ومحاولة جر الناس جرا للذهاب لأماكن الاقتراع إلا أن غالبية الناس لم يستجيبوا لهذه الدعوات لإدراكهم عدم إحداث أي تغيير، فضلا عن معاناتهم في ظل كابوس هذا النظام الذي أفقرهم وأذلهم وفرط في مقدراتهم بشكل لم يسبق له مثيل. إنها ولا شك مهزلة وليست انتخابات، وستفشل في تجميل قبح النظام، فهل سيختلف هذا المجلس عما سبقه من مجالس؟! ألم يوقع المجلس السابق على جريمة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وجريمة ترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان؟! وهل سمع أحد له صوتاً عندما وقع السيسي على وثيقة الخرطوم في آذار/مارس 2015، وفرط في مياه النيل ليدخل مصر وأهلها مرحلة الجفاف والعطش؟!
يدعي النظام أنه يحظى بدعم وتأييد شعبي لا نظير له، فإذا به يتعرى وينكشف كذبه وتضليله؛ فلقد رأى الجميع كيف يساق الناس سوقا لصناديق الاقتراع، ولم تفلح الدعايات والمؤتمرات الانتخابية والحملات الدعائية للدعوة للمشاركة باعتبارها حقا وواجبا، لم تفلح في جعل الناس يقبلون على المشاركة. فعن أي شعبية يتحدث إعلاميو النظام؟! لقد كفر الناس بالنظام وحاولوا الخروج عليه أكثر من مرة ولكن واجهتهم آلة النظام القمعية فنكلت بالمتظاهرين واعتقلت حتى الأطفال، وإنه وإن كانت القبضة الأمنية قد استطاعت القضاء على الهبة الأخيرة للناس ضد النظام، إلا أن النار تحت الرماد، والجميع يتأهب لهبة ثورية جديدة قادمة لا محالة ستلقي بهذا النظام ورموزه في واد سحيق.
لقد كانت الفيديوهات المتداولة لعمليات هدم المساجد التي قام بها النظام بمنتهى العجرفة والسفالة، لها تأثيرها الكبير في نفوس أهل مصر، فقلوب الغالبية منهم معلقة بالمساجد؛ ولذلك كانت أغلب الهتافات في المظاهرات التي خرجت في 20 أيلول/سبتمبر الماضي "لا إله إلا الله والسيسي عدو الله"، فالذين هتفوا بالأمس "السيسي عدو الله"، لن يشاركوا في مسرحية هزلية لتجميل وجه النظام القبيح.
ولو عددنا خطايا نظام السيسي من مثل القتل والإخفاء القسري والاعتقال لخيرة أبناء الأمة، وتفريغ سيناء من أهلها، ومن انهيار اقتصادي وديون متراكمة ستدفع ضريبتها الأجيال القادمة؛ لاحتجنا لصفحات كثيرة. يمكننا القول إن هذا البرلمان بغرفتيه ومجلس النواب السابق قد عينت أعضاءه الأجهزة السيادية، وما كانت العملية الانتخابية السابقة أو الحالية سوى مسرحية يعلم الجميع خاتمتها، وهو يشبه إلى حد كبير برلمان مبارك في 2010، الذي كان التزوير واستبعاد أي صوت للمعارضة واضحا تماما، مما حدا بالشباب ومن لا يرضى الذل والمهانة بالخروج في ثورة شعبية أطاحت بمبارك.
إذاً الدافع اليوم للحراك والعمل على إسقاط النظام أكبر بكثير مما كان عليه أيام المخلوع مبارك. لقد تم رهن البلد بالكامل لأمريكا ألد أعداء الأمة، وأطلق النظام كلابه لتنهش في جسد الأمة وتتطاول على الإسلام وتهاجم أحكامه وأفكاره ومفاهيمه ورموزه تحت دعوى تطوير الخطاب الديني، بل أكثر من ذلك أساءت فرنسا للرسول وللإسلام ولم يحرك النظام ساكنا، وخرج أحد مشايخ النظام يسفه ما قام به الناس من مقاطعة للبضائع الفرنسية باعتبار ذلك أضعف الإيمان، وكان الواجب عليه دعوة النظام لطرد السفير الفرنسي على الأقل، لا التهكم على الناس وعلى دعوات المقاطعة!
الوقت ليس في صالح نظام السيسي فهو كل يوم يفقد من رصيده، إن كان له رصيد، كما أن وعي الناس يزداد مع الوقت بأن القضية ليست قضية شخص الرئيس، بل المشكلة تكمن في النظام. ولعل شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" اليوم يختلف مضمونه عما ردده المنتفضون من قبل بعدما رأوا بأم أعينهم أن إسقاط مبارك لم يكن كافيا، بل كان الواجب إسقاط النظام بكل أركانه ورموزه. إن إسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام هي مسألة وقت، وإن غدا لناظره قريب.
رأيك في الموضوع