عندما صدحت حناجر أهل الشام بإسقاط النظام المجرم في دمشق ارتعد الغرب خوفا وهلعا وعلى رأسهم أمريكا صاحبة النفوذ الحقيقي والوحيد في سوريا فسارعت لتأييد الثورة وكسب ثقتها خبثا ومكرا، فأطلقت التصريحات تلو التصريحات؛ ظاهرها فيه التضامن والتأييد مع أهل سوريا وثورتهم، وباطنها تحمل الفرص تترى للنظام كي يقضي على هذه الثورة المباركة... ولكن فشلت أيما فشل في تحقيق ذلك ولله الحمد.
ومع إصرار الثورة على المضي قدما نحو تحقيق هدفها في إسقاط النظام المجرم بكل أركانه ورموزه وحاشيته الفاسدة، ومع افتقار أمريكا لوجود البديل المقبول في نظر أهل الشام، عملت على توزيع الأدوار في الساحة السورية بين مؤيد للنظام المجرم لم يدخل إلا بتوجيه وبأمر من أمريكا وبالتنسيق معها كإيران وحزبها في لبنان ومليشياتها وروسيا المجرمة، وبين مؤيد للثورة كذبا ونفاقا؛ ليسهل عليهم في النهاية ترويضها والسيطرة عليها كالسعودية وتركيا وقطر وغيرها.
لكن بالمقابل فقد كان أهل الشام يمتلكون من الوعي القدر الذي مكنهم من إفشال كل مخططات أمريكا وأدواتها، والتي تسعى من خلالها للحفاظ على نظام العمالة والإجرام في دمشق... ورأينا كيف عبر أهل الشام في مظاهراتهم عن وعيهم على موقف رأس الكفر والتآمر أمريكا ضد ثورة الشام، وأنها هي التي تقف وراء كل الإجرام الذي عاشه وقاسى منه أهل الشام، فكانت تسمية إحدى الجمع التي خرجت بعنوان: (أمريكا ألم يشبع حقدك من دمائنا؟) وذلك بتاريخ 19/10/2012م.
لقد كان هذا الوعي هو الصخرة التي تكسرت عليها جميع المكائد والمؤامرات التي حاكتها أمريكا ضد الثورة فانكشفت نتيجته معظم الخطط والأدوات التي استخدمتها؛ بدءا من المجتمع الدولي ومجلس الأمن وحقوق الإنسان، إلى الجامعة العربية وحكام العرب العملاء، مرورا بتركيا ومعارضة الفنادق وقادات فصائلها الذين سلموا كل شبر حرره أبناء الثورة بدمائهم الزكية... حتى باتت هذه الثورة تعرف بالثورة الكاشفة الفاضحة التي فضحت كل عميل وكشفت كل مستور.
ولأن أمريكا وأدواتها يدركون خطر انتصار ثورة الشام وتحقيقها لأهدافها وثوابتها عليهم فقد خاضوا هذا الصراع على أنه صراع وجود واستخدمت أمريكا كل كيدها وإمكاناتها للقضاء على الثورة.
ولا زالت تسعى لانتزاع الثورة من نفوس أبنائها بشتى الوسائل والأساليب كالقصف والتدمير والتهجير والتجويع والترهيب والتخويف عبر أدواتها وأحلافها ومن لف لفهم... حتى توصلهم في النهاية لمرحلة الرضا بحلها السياسي الذي تقدمه والذي يضمن بقاء نظامها العميل ويقضي على ثورة الشام فيرضى أبناؤها بالعودة لحضن النظام المجرم من جديد.
هذا هو جوهر ما تسوق له أمريكا وتسميه بالحل السياسي الأمريكي، وقد ظهر ذلك للواعي منذ بداية الثورة عبر قرار أصدرته من مجلس أمنها وعرف بالقرار رقم 2254 يوم 18 كانون الأول/ديسمبر 2015.
وهذا الحل السياسي الذي تسعى أمريكا لتنفيذه في سوريا بعد القضاء على الثورة هو في حقيقته سم زعاف؛ فهو جريمة كبرى وشر مستطير تباع به كل التضحيات العظيمة والدماء الزكية التي قدمتها ثورة الشام طوال السنوات الماضية بثمن بخس حتى يرجع الناس من جديد لحضن النظام المجرم مع بعض الإجراءات التجميلية التي تحسن من وجه النظام المجرم الأسود الكالح فيصير حالها كحال من سبقها من الثورات التي تم الالتفاف عليها وأعيد إنتاج الأنظمة البائسة حتى أضحت أسوأ مما كانت عليه قبل الثورات!
وأخطر ما في هذا الحل السياسي الأمريكي هو أنه يؤكد على علمانية الدولة فيبعدنا عن مرضاة الله سبحانه وتعالى ويطيل في عمر الحكم الجبري الذي يحكم المسلمين ويعانون منه الويلات، ويحرمنا من تحكيم شريعة ربنا التي تحق الحق وتبطل الباطل وينتقم فيها من كل خائن وعميل.
ولأن الثورة فكرة والفكرة لا تموت وخصوصا إذا سقيت بدماء فلذات أكبادها الأبطال، لذلك تحاول أمريكا عبر حلها السياسي المزعوم القضاء على هذه الفكرة في نفوس أبنائها، ولكن هيهات هيهات أن تصل أمريكا لهدفها ومرادها فتقضي على هذه الثورة التي أصبحت تجري في عروق الشيب والشباب وفي دماء أبنائهم وأطفالهم وحرائرهم رغم كل ما يعانيه الشعب من تضييق وحرب لا هوادة فيها.
وقد كان لحزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله دور بارز؛ فهو الذي عاهد الله ثم عاهد أهل الشام أن يسير بهم وينير طريقهم ويكشف لهم تآمر الأعداء ومن تَسمّوا زورا بالأصدقاء، فكان ما بثه من وعي منارة لأهل الشام حتى يصلوا لإسقاط النظام المجرم وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة على أنقاضه.
ولكي نرد كيد أمريكا لا بد لنا من التوكل على الله وحده لنستمد منه العون والثقة والثبات لنسير على هدى وبصيرة نحو ما يرضي ربنا ويحقق عزنا.
ولن يتحقق ذلك إلا باتخاذ قيادة سياسية واعية صاحبة مشروع رباني تسير معها لتصل إلى هدفها بإذن الله فتقودها نحو إسقاط النظام المجرم في دمشق وتقيم مكانه حكم الإسلام الذي وعدنا به رب العزة تبارك وتعالى وبشرنا به الحبيب المصطفى ﷺ عندما قال: «..ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ»، وإن ذلك لكائن بحول الله؛ فالمستقبل للإسلام وأمريكا ستفشل بحلها السياسي كما فشلت من قبل وهي إلى زوال بإذن الله، والشام لن تكون سوى عقر دار الإسلام.
بقلم: الأستاذ شادي العبود
رأيك في الموضوع