وقعت الحكومة الانتقالية السودانية والجبهة الثورية ممثلة في حركات التمرد، يوم الاثنين 31/08/2020م، اتفاق سلام بالأحرف الأولى في مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان، يعقبه توقيع نهائي خلال مدة زمنية لا تتجاوز الـ45 يوما
أهم ما جاء في هذا الاتفاق، الذي بُني على أساس تقسيم السودان لخمسة مسارات وهي: (مسار دارفور، مسار المنطقتين، مسار الشرق، مسار الشمال، ومسار الوسط)، وهذا أساس على جُرُف هار، نتيجته الحتمية الانهيار بما تبقى من وحدة السودان، إذ إنه قام على مشروع الكافر المستعمر، وهو تهيئة ولايات السودان للتفتيت والتقسيم.
أولاً: التأكيد على تأسيس الحياة على أساس حضارة الغرب الكافر، والتي لم تفارق السودان منذ ما يُزعم باستغلاله، فقد اتفقت الحكومة الانتقالية مع المتمردين حول ما يسمى بالقضايا القومية في البند رقم واحد الفقرة (7) "على الفصل التام بين المؤسسات الدينية ومؤسسات الدولة"، وهذا مجرد تضليل للناس لإزالة ما تبقى من أحكام الإسلام، فمنذ دخول الاستعمار السودان حتى خروجه منها بجيوشه فقط، لم يكن للدين علاقة بالدولة سوى بعض الأحكام البسيطة التي بهذا النص سيعملون على إزالتها، وكذلك في البند نفسه الفقرة (9) التي نصت على: "إقرار واحترام الهوية السودانية وبناء دولة المواطنة"، ما يعني إبعاد المسلمين في السودان عن دينهم، وجعل (السودانوية) هي الأساس الذي يجمعهم، وذلك إمعاناً في إرضاء المستعمرين، وتغريب المسلمين، ولن ينالوا بذلك إلا السخط من العزيز الجبار، والركل من هؤلاء الكفار.
ثانياً: تعميق المحاصصات في السلطة والثروة، والنظرة المنحرفة للحكم، وذلك من خلال زيادة الفترة الانتقالية؛ إذ إنها تبدأ بعد توقيع السلام النهائي، وتستمر لمدة 39 شهراً كما نصت الاتفاقية، ما يعني أنه منذ توقيع الوثيقة الدستورية والتي لها أكثر من عام لم تبدأ الفترة الانتقالية بعد، وذلك من أجل إرضاء المتمردين من خلال إشراكهم في الحكم، ولذلك أعطوهم 25% من مجلس الوزراء؛ أي خمسة وزراء، وثلاثة أعضاء في مجلس السيادة، وتمثيلهم بنسبة 25% من المجلس التشريعي، وهي 75 مقعداً من جملة 300 من مقاعد البرلمان، ومؤخراً طرحت الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية (قوى الحرية والتغيير) أنها بصدد زيادة عدد البرلمانيين إلى 450 حتى يصل الحجم الكامل لسعة المبنى، وهذه هي النظرة الفاسدة نفسها التي كانت سائرة عليها الحكومة البائدة في الترهُّل الحكومي، جاء ذلك في البنود (4، 5، 6) من اتفاق القضايا القومية، وبالنسبة للمنطقتين، يكون تقسيم الثروة فيها للمتمردين كالآتي: 40% للولاية 60% للمركز لمدة 10 سنوات، بالإضافة لمنصب والي واثنين نائب والي و30% من برلمان الولايتين، زائداً غرب كردفان، إضافة إلى أن يكون أحد نواب رئيس القضاء من المنطقتين، والخدمة المدنية يكون 5% من جنوب كردفان، و3.2% من النيل الأزرق، و4.3% من غرب كردفان، وذلك لمدة 10 سنوات... جاء ذلك في اتفاق المنطقتين، أما تقسيم الحكم في دارفور فكالآتي: يكون 40% لمكونات مسار دارفور، و30% للمركز، و10% للحركات الأخرى الموقعة على الاتفاق، و20% لأصحاب المصلحة. سبحان الله! أهل الموارد والثروة الحقيقيون يعطون 20% وبقية الثروة يتقاسمها مجرمو الحكومة، والمتمردون، أي سلام هذا؟! وضُمّنت هذه الجرائم في اتفاق دارفور!
ثالثاً: إحياء النعرات، وعوامل التفرقة، وذلك عن طريق إثارة، وتأكيد اللهجات المحلية كما جاء في البند الأول فقرة (25) "اعتبار اللغات السودانية جميعها لغات قومية يجب تطويرها، والاحتفاء بها بالتساوي" مما يجعل الفرقة بين أهل السودان، وتذكيتها على أساس اللغة.
رابعاً: وهذه الأخطر سياسياً على وحدة البلاد، وهي إقرار الحكم الذاتي للمنطقتين، والتي يتبعها حق تقرير المصير، وهو الانفصال كما حدث مع جنوب السودان، فقد تم تضمين الحكم الذاتي للمنطقتين، وجعل التشريع، وسن الدستور من الولاية نفسها؛ أي يكون دستورها منفصلاً عن دستور الدولة، وجعل الاتفاق أن يستند الدستور (للمنطقتين)، على دستور 1973م المعدل سنة 1974م، وبالتالي يتم تعيين الوالي من داخل الولاية نفسها، وتكون ماليتها منفصلة؛ مما يعني أن المتبقي فقط إعلان الانفصال، إضافة للاتفاق الأخير يوم الخميس 03/09/2020م بين حمدوك رئيس الحكومة، والمتمرد الحلو في إثيوبيا، والذي أقرّ حق تقرير المصير، والعلمانية السافرة كما جاء في البند رقم (4) (يحتفظ سكان جبال النوبة والنيل الأزرق بالوضع الراهن، الذي يشمل الحماية الذاتية، حتى يتم الاتفاق على الترتيبات الأمنية من قبل أطراف النزاع، وحتى يتحقق فصل الدين عن الدولة)، والبند (3) (يجب قيام دولة ديمقراطية في السودان، ولكي يصبح السودان دولة ديمقراطية تكرس حقوق جميع المواطنين، يجب أن يقوم الدستور على مبادئ "فصل الدين عن الدولة"، وفي غياب هذا المبدأ يجب احترام حق تقرير المصير؛ حرية العقيدة والعبادة وممارسة الشعائر الدينية مكفولة بالكامل لجميع المواطنين السودانيين. لا يجوز للدولة إقامة وتحديد دين رسمي). أما دارفور فقد نص اتفاقها على الحكم الفيدرالي، وتحديد صلاحيات واختصاصات تشريعية، وتنفيذية للإقليم، وذلك بوضعه على القالب الانفصالي، بل ذهب الاتفاق المشؤوم هذا أكثر من ذلك إمعاناً في التقسيم؛ بأن وضع النظام الفيدرالي لكل ولايات السودان، وذلك في البند (25) الفقرة (2)، وبالتالي نحن أمام هذه النصوص ليس بيننا وبين انفصال ولايات السودان لخمس دويلات كما هو مشروع المستعمر إلا الإعلان فقط.
خامساً: استمراراً فيما بدأته الإنقاذ، من إضعاف القوات المسلحة وشرذمتها، وذلك عن طريق دمج قوات التمرد داخل الجيش على شكل وحدات، وكتائب كاملة، وليس أفراداً، ويمنع نقلها من أماكنها بعد الدمج لمدة 40 شهراً قابلة للتمديد، بالإضافة لإنشاء قوة مشتركة تحفظ الأمن في دارفور مكونة من 12 ألف جندي 6 آلاف من قوات التمرد و6 آخرين من القوات النظامية.
إذاً واقع هذا الاتفاق ظاهر جداً، وهو انخراط في مشروع الكافر المستعمر الساعي لإبعاد كل ما له علاقة بشيء من رائحة الإسلام في القوانين والمجتمع، وكذلك تقسيم ما تبقى من السودان، وهذا ما سيذهب بالسودان إلى هاوية سحيقة أسوأ مما هي عليه الآن، وما كان ذلك كله ليحصل لولا وجود عملاء الغرب وأدواته في دَست الحكم يسوموننا سوء العذاب، ولذلك لا مخرج من عنق هذه الزجاجة التي تضيق علينا يوماً بعد يوم، إلا بلفظ هؤلاء العملاء، وإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي هي وحدها القادرة على أن ترجعنا أخْيَر الناس، نسوس الناس جميعهم، ونرعاهم بالعدل الرباني.
بقلم: المهندس أحمد جعفر
رأيك في الموضوع