بدأت المشكلة بين السودان، وجارتها إثيوبيا، بداية شهر كانون الأول/ديسمبر المنصرم، حينما طالبت الحكومة الإثيوبية السلطات السودانية بتسليم عدد من قيادات وجنود تابعين لجبهة التقراي، قالت إنهم دخلوا الأراضي السودانية مع اللاجئين الذين عبروا في خضم اشتعال المعارك بالإقليم، منهم مجموعة شبابية نفذت مذبحة في بلدة ماي خدرة في إقليم التقراي، وكذلك توقيف الجيش السوداني القائد هلكا عصار، في 30 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، والمصنف كأحد زعماء المليشيات الإثيوبية الناشطة في الحدود، سيما بمنطقة الفشقة، كما اتهمت الجيش السوداني بالتوغل داخل الأراضي الإثيوبية واعتقال عصار، وجاء هذا الاتهام نتيجة لبسط الجيش السوداني سيطرته على مزيد من الأراضي بعد فرار كبار مزارعي التقراي ومليشياتهم المسلحة من قبيلة الويني إلى مدينة ماي خدرة الإثيوبية، والمليشيات التي يتزعمها كل من ملساء رداء، وقتاجو، وبتالي لوتي، وهلكا هشابة، التي كانت موجودة منذ العام 1995م، بعد انسحاب الجيش السوداني في العام 1955م، فواصل جيش السودان تمدده على معسكر خور يابس، داخل الفشقة الصغرى قبالة بركة نورين، ومنطقة الكردية، ومنطقة جبل طيارة بمحلية القلابات الشرقية شرق منطقة سندس بعمق 4 كيلومترات، وبهذه الخطوة تبقت نصف المساحة التي كانت تحت سيطرة مليشيات الشفتة.
وبالمقابل تعرض جنود سودانيون أثناء عملية تمشيط يوم الثلاثاء 15/12/2020م، لاستهداف من قوات إثيوبية في منطقة "أبو طيور"، ما أدى لمقتل 4 منهم، وبعد ذلك أرسل الجانب السوداني تعزيزات عسكرية برية وجوية، كان على رأسها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان نفسه، الذي مكث ثلاثة أيام في قيادة الجيش بالمنطقة الشرقية برفقة رئيس هيئة الأركان وقيادات عسكرية، وعلى إثر ذلك تقدم الجيش السوداني، وبسط سيطرته على جبل أبو طيور بالفشقة، وخور شد وقلع لبان اللذين يُعدان من أهم المواقع الاستراتيجية في الشريط الحدودي بين السودان وإثيوبيا، وبعد ذلك زاد التصعيد من الجانب السوداني وشاهدنا تمدده، فقد جاء في موقع سودان تربيون يوم 26/12/2020م: "استطاع الجيش السوداني تحرير 11 مستوطنة إثيوبية داخل أراضيه، في محلية القريشة غرب بركة نورين، التابعة لولاية القضارف، وأبرز المستوطنات التي وضعت القوات السودانية يدها عليها هي: أسمارو، ولباقي، وباشا، ولملم، وملكامو، وملس، وأشاقر، وأرقا، وأم باشا تيدي، حيث تتمركز قوات من الجيش السوداني في الأخيرة".
وظهر أنه زادت الحدة من الجانب السوداني، عندما صرح الفريق خالد عابدين الشامي، نائب رئيس هيئة الأركان: "إن الجيش استعاد 80% من الأراضي السودانية التي كانت تسيطر عليها مجموعات إثيوبية، وسيطر على عدد كبير من القرى التي تقطنها المليشيات الإثيوبية، وأضاف أن الجيش السوداني وصل إلى مواقع تمكنه من تأمين الحدود والأراضي الزراعية في منطقتي الفشقة الكبرى والصغرى، وقال في تصريحات نشرتها صحف محلية يوم الثلاثاء 29/12/2020م: "إن الجيش السوداني يخوض حرباً مع قوات نظامية إثيوبية، وليست مليشيات إثيوبية، استناداً إلى واقع الأسلحة المستخدمة ذات الأعيرة الكبيرة والمديات الطويلة".
وظهر من جانب إثيوبيا بعض من اللين، فقد قال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي إن حكومته ستعزز جهودها لحل الصراع الذي حدث على الحدود بين إثيوبيا والسودان، ونفى المتحدث أن تكون بلاده قد حذّرت السودان بشأن الخلاف الحدودي، وقال إن السودان بلد شقيق لا تعطى له إلا النصائح، واتهم مفتي طرفاً ثالثاً لم يسمه بتأجيج الخلاف. (سودان تربيون 29/12/2020م).
والأخير هذا متحدث الخارجية الإثيوبي، يبدو أنه كشف حقيقة هذا الذي يصور كصراع بين البلدين، حينما قال في تصريح للجزيرة في اليوم نفسه: "إن دخول مليشيات وقوات سودانية الأراضي الإثيوبية، لن يخدم مصلحة البلدين". فحقيقة أنه لا يوجد إشكال بين البلدين، وتحديداً الحكومات، فيما يتعلق بالحدود، فالإثنان مُقران الاتفاقيات الدولية التي نظمت حدود السودان وإثيوبيا، التي وضعها المستعمر الإنجليزي في العام 1902م، عن طريق مدير المساحة البريطاني آنذاك جورج كوين، والذي جعلها من 15 نقطة، تبدأ من نقطة صفر الواقعة عند تقاطع خور الرويان من نهر سيتيت شمالاً، إلى نقطة 15 التي تقع في جبل حلاوة، وأكد ذلك البرهان في خطابه بمناسبة الذكرى 65 لما يسمى بـ"الاستقلال" بقوله: "لم ولن نتعدى على الحدود الدولية، أو نعتدي على الجارة إثيوبيا"، وكذلك إثيوبيا معترفة بحدود جورج كوين منذ مباحثاتها مع السودان في العام 1972م، فعلام يتنازعان وهما يدافعان عن إرث المستعمر؟ فالنبرة العالية التي تظهر من جانب السودان، هي من أجل الكسب السياسي الداخلي، والذي للأسف يخدم الصراع الدولي على السودان؛ بترجيح كفة قيادة العسكر الذين هم عملاء لأمريكا، وذلك عن طريق الحشد والاصطفاف الشعبي إلى جانبهم، فهي سياسة عهدناها من قيادة العسكر منذ خلع البشير، بأن يختلقوا أزمات أمنية، ويُدخلوا الناس في حالة خوف وهلع، حتى يضمنوا أنهم تحت رحمتهم، ويحصل ذلك بعد كثرة النقمة عليهم، والتي هي نتيجة طبيعية من خلال أفعالهم وتصريحاتهم، فمستشار البرهان أبوهاجة حينما قال: "شعب لا يحترم جيشه، عليه أن يستعد للعق أحذية الأعداء" وذلك في سبيل الاتهام للجيش بأن يكشف عن حقيقة شركاته وإيراداتها، وعن طريقة عملها، وهذا الجانب الذي مع بداية السنة الجديدة، والحديث عن الموازنة، والتي تجلّى فيها الصراع الدولي عن طريق أدواته المدنيين، والعسكريين، فالمدنيون من خلال حديثهم عن كشف الشركات التابعة للجيش، ووضعها تحت المراقبة، هم بذلك يفضحون فساد قيادة العسكر، وبالتالي كسب نقاط لأسيادهم الأوروبيين، وكذلك العسكر من خلال ترويجهم للنزاع بين الحدود، وبالتالي تعزيز دورهم في المشهد، يجعلهم يكسبون نقاطاً عند الشارع العام، وبالتالي هيمنة النفوذ الأمريكي وتحديداً مع بداية السنة الجديدة، حتى يتم التغاضي عن محاسبتهم، أو الحديث عن شركاتهم، أو تخفيض ميزانية الأمن والدفاع.
إذاً بالتالي نحن أمام حكومة لا سيادة لها على نفسها، ولا تملك زمام أمرها، وكل سياساتها، بل وكل تحركاتها، هي إما إملاء مباشر من المستعمرين، أو لخداع وتضليل شعبها، حتى تكسب تأييداً يقربها من أسيادها، وعليه فلا مخرج لنا إلا بانتزاع دولتنا التي تتمثل فيها السيادة والإرداة والتمثيل الحقيقي لنا لا علينا وهي؛ دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع